كريس ستيفنسن | حري بكييف اقتناص فرصة ضرب العمق الروسي

وأخيراً تراجع جو بايدن وقرر السماح لأوكرانيا باستخدام الصواريخ بعيدة المدى التي زودتها إياها الولايات المتحدة من أجل ضرب العمق الروسي، وسيكون من المستغرب ألا تحذو المملكة المتحدة حذو أميركا.

ولقد بقي الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي يتوسل على امتداد شهور نظيره الأميركي وقادة غربيين آخرين التماساً لمساعدتهم في تخفيف وطأة الضغط الذي تواجهه قواته على خطوط المواجهة، كما كان يحاول أن يعرقل القصف الجوي المستمر الذي تقوم به روسيا على المدن الأوكرانية.

ومع اقتراب الغزو الروسي من يومه الـ 1000 منح بايدن الضوء الأخضر، ونظراً إلى أن الإمدادات التي ستحصل عليها أوكرانيا من صواريخ نظام الصواريخ التكتيكي للجيش الأميركي “أتاكمز” (ATACMS)  الباليستي وأيضاً من صواريخ “ستورم شادو” البريطانية ستكون محدودة نسبياً، فإن هذا التطور لن يكون كافياً لتغيير مجرى الحرب لمصلحة كييف. إلا أن ذلك لا ينبغي أن يقلل من أهمية التحول السياسي الذي يمثله هذا التطور بالنسبة إلى البيت الأبيض، علماً أن الأهمية الرمزية قد تتفوق في نهاية المطاف على ما يحدث في ساحة المعركة.

وبحسب مسؤولين أميركيين فإن المرة الأولى التي ستُستخدم فيها الأسلحة الأميركية داخل روسيا من المرجح أن تكون ضد القوات الروسية والكورية الشمالية التي تسعى إلى دفع القوات الأوكرانية خارج منطقة كورسك الحدودية الروسية، حيث شنت قوات كييف هجوماً جريئاً في أغسطس (آب) الماضي استولت فيه على مساحة واسعة من الأراضي.

وحذرت كييف من وجود عشرات آلاف القوات الروسية مدعومة بآلاف الجنود الكوريين الشماليين، كجزء من التعاون المتزايد بين موسكو وبيونغ يان والذي يشمل أيضاً إرسال كميات هائلة من قذائف المدفعية إلى روسيا، وستكون هذه مكاسب عسكرية قصيرة الأجل، مع وجود أمل في أن تساعد الضربات بعيدة المدى في إبطاء الإمدادات لتلك القوات، وإعطاء أوكرانيا فرصة للاحتفاظ لأطول فترة ممكنة بالأراضي التي انتزعتها، ولكي تضمن في الوقت نفسه عدم تمكن روسيا من شن هجماتها من تلك المنطقة من الحدود.

 

وعلى نطاق أوسع سيكون القصد هو استهداف مخازن الأسلحة حيث تُخزن القنابل الانزلاقية التي ألحقت أضراراً كبيرة بالمواقع الأوكرانية، وسيرحب زيلينسكي بأي شيء من شأنه أن يجبر موسكو على التفكير بصورة جدية في الكيفية التي يتعين عليها نشر أسلحتها فيها، أو يكلفها بعض الوقت والمال جراء تدمير المخزونات.

كانت كييف أيضاً في حاجة ماسة إلى صواريخ بعيدة المدى من أجل استهداف المطارات في عمق روسيا، وهي مطارات اُستخدمت محطات انطلاق لتنفيذ غارات جوية مكثفة على أوكرانيا، وهي تحوي أيضاً مخزونات صواريخ وطائرات مسيرة وأنواع ذخيرة أخرى، فضلاً عن الطائرات المشاركة في القصف.

لقد هاجمت روسيا البنية التحتية للطاقة في أوكرانيا على امتداد فصلي الشتاء الماضيين مما أدى إلى قطع التيار الكهربائي بصورة متواصلة، وهو ما تعمدته موسكو بغرض تحطيم الروح المعنوية للشعب الأوكراني خلال أشهر العام الأشد برودة، ويضاف إلى هذا الشعور الخوف من أن تدمر مثل هذه الصواريخ المنازل، أو تؤدي إلى قتل السكان أو إصابتهم بجروح.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

لقد استغرق بايدن شهوراً عدة حتى اتخذ هذا القرار مما أدى إلى تخفيف تأثير مثل هذا الانتقام الأوكراني، في حين أن مدى الصواريخ سيكون 150 ميلاً (240 كيلومتراً) أو نحو ذلك، وهو ما يمثل تحسناً كبيراً على الصواريخ التي تستخدمها أوكرانيا حالياً، إذ كان لدى موسكو متسع من الوقت لكي تنقل أهدافها الرئيسة بعيداً من مرمى كل من صواريخ “أتاكمز” و”ستورم شادو”، وقد اعترف زيلينسكي نفسه بأن الطريقة العامة للغاية التي نوقش بها هذا القرار والإعلان عنه لن تساعد في ذلك. وفي أعقاب اتخاذ بايدن القرار قال زيلينسكي إن “مثل هذه الأشياء لا تُعلن رسمياً، والصواريخ ستتحدث عن نفسها”.

ومع ذلك يعرف زيلينسكي مدى أهمية الروح المعنوية خلال الغزو الذي يقترب الآن من نهاية عامه الثالث، فمثل هذه التحركات تمنح الأوكرانيين سبباً للابتهاج كما تضخ بعض الحماسة في القوات المحاصرة التي واجهت موجة تلو موجة من الهجمات الروسية عبر الجزء الأكبر من خط المواجهة الضخم الذي يبلغ طوله 600 ميل (نحو 1000 كيلومتر)، فيما تحقق قوات موسكو تقدماً بطيئاً ولكن ثابتاً في مناطق مثل شرق دونيتسك.

 

وعلى نحو مماثل فإن التأثير السياسي لقرار بايدن قد يكون الأكثر أهمية، إذ يشير إلى أن واشنطن ليست خائفة من مواجهة التحذيرات الروسية من العواقب الوخيمة المترتبة على السماح بتوجيه ضربات بعيدة المدى، وقد كان النواب الروس المؤيدون للحرب سريعين في الإشارة إلى أن الولايات المتحدة تدفع الغرب نحو حرب عالمية، إلا أن الكرملين أبدى درجة أعلى من الحذر إلى حد ما، واتهم الولايات المتحدة بصب “الزيت على نار” الحرب، لكنه تجنب في البداية الحديث عن انتقام فوري.

غير أن اللحظة الحاسمة ستحين عندما تتضح كيفية استجابة فلاديمير بوتين لمصرع عدد من أفراد القوات الروسية في ضربة صاروخية باليستية، كما يأمل بايدن في وضع الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب في موقف يجد فيه إلغاء القرار صعباً، وإذا تمكنت أوكرانيا من الاستفادة الكاملة من الصواريخ لوضع نفسها في موقع أفضل قبل عودة ترمب البيت الأبيض، فقد يجعل ذلك معظم القياديين أشد ميلاً إلى القتال من أجل موقف كييف.

وبالنسبة إلى ترمب فإن الأمر يتعلق دائماً بالفوز الذي يجعله يبدو في أفضل حالاته، خصوصاً إذا كان يتطلع إلى إنهاء الحرب في أوكرانيا بسرعة، كما ادعى.

ومع ذلك فإن شكاوى حلفاء ترمب بالفعل من أن قرار بايدن يدفع الولايات المتحدة والعالم نحو حرب أوسع لن تُطمئن كييف كثيراً، وهذا واحد من الأسباب الكثيرة التي ستجعل زيلينسكي وأوكرانيا يرغبان في ضمان استخدام الصلاحيات الجديدة لتوجيه ضربات بعيدة المدى بأكبر قدر ممكن من الفعالية وبأسرع ما يستطيعان.

نقلاً عن : اندبندنت عربية