طالما احتار العلماء في تفسير العوامل التي مكنت الديناصورات المجنحة من التحليق في السماء والهيمنة على السماوات، حتى جاء الاكتشاف التالي.
اكتشف عدد من علماء الإحاثة (دارسو المتحجرات) أن نوعاً من التيروصورات Pterosaurs، أو الزواحف المجنحة، كان قادراً على التحليق عالياً بفضل “شيفرات” كبيرة تشبه أشرعة السفن في شكلها ووظيفتها موجودة عند نهايات ذيولها.
بمساعدة تكنولوجيا جديدة ومتطورة تستخدم المسح بالليزر، اكتشف فريق بقيادة علماء إحاثة في “جامعة إدنبره” الاسكتلندية أن قدرة التيروصورات على التحليق مرده إلى الشيفرات الشبكية المتصلة بنهايات الذيول الطويلة التي كانت تملكها هذه الكائنات.
وقال الباحثون إن تلك الهياكل ذات الشكل الماسي، المكونة من أغشية متشابكة، حالت دون رفرفة ذيول الحيوانات [أو اهتزازها بصورة عشوائية] كما تفعل الرايات عادة في الرياح، وبدلاً من ذلك ساعدت في توجيهها وتثبيتها أثناء التحليق في الجو.
وأوضح الباحثون أن الشيفرات التي يتحدثون عنها كانت على الأرجح تعمل على غرار شراع السفينة، فتصبح مشدودة عندما تهب الرياح عبر أغشيتها المتشابكة، مما يسمح لتلك الزواحف المجنحة باستخدامها لتوجيه مسارها والتحكم به عبر السماء.
وكانت بحوث سابقة قد كشفت فعلاً عن أن الحفاظ على صلابة الشيفرات المتصلة بالذيل كان عاملاً بالغ الأهمية في تمكين التيروصورات الأولى من التحليق في السماء، ولكن كيفية الحفاظ على صلابة [تماسك] الشيفرات بقيت لغزاً غير مفهوم حتى الاكتشاف الأخير.
وتوصل فريق البحاثة إلى هذا الإنجاز باستخدام تقنية جديدة تسمى “الفلورة المحاكاة بالليزر”، والتي تجعل الأنسجة العضوية التي تكاد تكون غير مرئية بالعين المجردة تتوهج.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وباستخدام هذه التقنية على حفريات تعود إلى 150 مليون عام لتيروصورات تسمى “رامفوريينكوس” Rhamphorhynchus، اكتشفوا أن الغشاء الرقيق لشيفرات ذيل الزواحف المجنحة وبنيتها الداخلية “برز بصورة واضحة” عند مسحه بالليزر.
وأشار الباحثون إلى أن دراسة الحيوانات التي عاشت في فترات ما قبل التاريخ المسجل تقتصر عادة على تفحص العظام المتحجرة، أما بقايا الأنسجة الرقيقة من قبيل الجلد والأغشية فقد تبقى أحياناً محفوظة في حال سليمة طوال ملايين السنين.
تطرقت إلى النتائج الدكتورة ناتاليا جاجيلسكا الباحثة الرئيسة في الدراسة والحاصلة على درجة دكتوراه من “جامعة إدنبره”، فقالت، “لا ينفك يدهشني أنه، على رغم مرور مئات الملايين من السنين، في وسعنا أن نضع جلداً على عظام حيوانات لن يقيد لنا مشاهدتها أبداً في حياتنا”.
وفق الدكتورة جاجيلسكا، “كانت التيروصورات حيوانات فريدة من نوعها تماماً في العصور القديمة، ولا يضاهيها أي نوع من الكائنات التي نعرفها اليوم، إذ كانت تمتلك غشاءً مرناً ضخماً يمتد من كاحلها حتى طرف الإصبع الرابعة الطويلة بصورة غير عادية [مقارنة مع الأصابع الأخرى]”.
“وكما نعرف، فإن اكتشاف الكيفية التي تعمل بها أغشية التيروصورات، ربما يقود إلى ابتكار تقنيات جديدة في صناعة الطائرات”، أضافت الدكتورة جاجيلسكا.
تذكيراً، عاشت التيروصورات، المعروفة باسم “تيروداكتيلات” pterodactyls أو الديناصورات ذات الأصابع المجنحة، قبل نحو 225 مليون سنة مضت، وبقيت تتكاثر طوال أكثر من 100 مليون سنة قبل أن تندثر مع الديناصورات، في حدث الانقراض الذي شهدته نهاية العصر الطباشيري.
يقدم هذا الاكتشاف للباحثين نظرة ثاقبة حول تركيب البنية التشريحية للحيوانات وتطورها، ويفتح المجال أمام طرح فرضيات وأفكار أخرى حول طريقة استخدام ذيولها.
تحدث في هذا الشأن أيضاً الدكتور جوردان بستويك، زميل بحوث مرحلة ما بعد الدكتوراه في “جامعة زيوريخ”، لم يشارك في الدراسة، فقال إن “هذه الدراسة تكشف عن جانب جزئي مهم حول العوامل الكامنة وراء قدرة التيروصورات المبكرة على التحليق في السماء للمرة الأولى، والأهمية التي تكتسيها ذيولها أثناء طيرانها”.
“كذلك تطرح الدراسة فرضيات مثيرة للاهتمام حول كيفية استخدام التيروصورات لذيولها من أجل جذب الشريك أو الشريكة، فربما كانت ذيولها متنوعة الألوان أكثر مما كنا نظن”، وفق الدكتور بستويك.
نقلاً عن : اندبندنت عربية