لم يعد الغاز الروسي يتدفق إلى بلدان الاتحاد الأوروبي عبر أوكرانيا بعد انتهاء العمل باتفاق مدته خمسة أعوام، مما أدى إلى إغلاق مسار التصدير القائم منذ سقوط الاتحاد السوفياتي عام 1991.
وقال الرئيس فولوديمير زيلينسكي إن هذه الخطوة تعني أن روسيا لم تعد قادرة على “كسب المليارات على حساب دمائنا”.
وأكد وزير الطاقة في حكومته هيرمان هالوشينكو صباح أول من أمس الأربعاء أن كييف أوقفت تدفقات الغاز “تعزيزاً للأمن القومي”.
وكتب يقول على منصة “تيليغرام” للتواصل الاجتماعي “هذا حدث تاريخي. روسيا تخسر أسواقاً وستتكبد خسائر مالية”.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وكان الاتفاق يسمح للغاز الروسي بالانتقال عبر خطوط أنابيب أوكرانية إلى بلدان أوروبية، وبخاصة هنغاريا وسلوفاكيا والنمسا.
ولن تقطع نهاية العمل بالاتفاق الغاز الروسي كله عن أوروبا، بل ستخفضه في صورة كبيرة. ذلك أن الغاز لا يزال يصل من روسيا إلى أوروبا عبر خط الأنابيب “تورك ستريم” Turkstream، لكن ليس عبر أوكرانيا، مما يخفض واردات الاتحاد الأوروبي من الغاز بنحو 14 مليار متر مكعب.
وأفادت المفوضية الأوروبية بأن هذا الغاز يمكن أن يستبدل به غاز طبيعي مسال وواردات عبر خطوط أنابيب من مصادر أخرى، مثل النرويج والولايات المتحدة.
ومع ذلك، تؤثر الخطوة بالفعل في أجزاء من مولدوفا البلد المرشح للانضمام إلى الاتحاد الأوروبي، والذي كان يتلقى غازاً روسياً عبر أوكرانيا.
ذلك أن منطقة ترانسنيستريا الانفصالية الناطقة بالروسية في مولدوفا والتي يقطنها نحو 450 ألف شخص، قطعت إمدادات الغاز عن الأسر، وقال عامل في شركة الطاقة “تيراستيبلوينيرغو” Tirasteploenergo: “توقفت التدفئة والماء الساخن”.
الأثر المالي
وعلى رغم أن أوكرانيا استفادت مالياً من الاتفاق التي انتهت صلاحيتها الآن إذ كانت تحقق 800 مليون دولار (640 مليون جنيه استرليني) سنوياً، فإنها لم تستهلك بنفسها أياً من الغاز العابر لخطوط الأنابيب.
وتتوقع أحدث التقديرات أن تخسر روسيا نحو 5 مليارات يورو (4.14 مليار جنيه استرليني) سنوياً، وهي العوائد التي كانت تحققها من الغاز المصدر إلى أوروبا عبر أوكرانيا.
وفقاً لتقاريرها الخاصة، تبلغ القيمة السوقية لشركة “غازبروم” نحو 27.3 مليار دولار (3 تريليونات روبل).
وتعد “غازبروم” أكبر شركة في روسيا، ولديها أكبر احتياطات من الغاز في العالم. لكن منذ غزو أوكرانيا تعرضت أعمالها لنكسات عديدة.
وبحلول نهاية عام 2024، كان الغاز الروسي المصدر إلى أوروبا عبر خطوط الأنابيب الأوكرانية وحدها تراجع بنسبة 78 في المئة، منذ بدء العقد الحالي من الزمن عام 2020.
وللمرة الأولى منذ عام 2001، أعلنت شركة “غازبروم” الروسية عن خسارة صافية قدرها 6.8 مليار دولار (629 مليار روبل) ترتبت عليها عام 2023 بعد انخفاض مبيعات الغاز.
وحتى هذه اللحظة، كانت شركة الغاز العملاقة تكسب باستمرار المليارات كل عام بما في ذلك 17.4 مليار دولار (1.9 تريليون روبل) عام 2022، خلال العام الأول من الحرب.
وانخفضت الإيرادات بنحو 27 في المئة عام 2023 لتصل إلى 75 مليار دولار، بينما انخفضت الإيرادات من مبيعات الغاز على وجه الخصوص بنسبة 40 في المئة.
وفي هذا السياق، يمكن أن تؤدي خسارة 5 مليارات يورو في مبيعات الغاز في غياب اتفاق النقل عبر أوكرانيا إلى انخفاض إضافي بنسبة 6.7 في المئة في إيرادات “غازبروم” وروسيا.
صندوق النفط والغاز الحربي الروسي
يذكر أن الدولة الروسية تملك الحصة الأكبر من شركة “غازبروم”، مما يعني أن الدولة تتلقى مبلغاً كبيراً من أرباح الشركة.
وتعتمد روسيا على مبيعات النفط والغاز جزئياً لتمويل حربها المستمرة في أوكرانيا، إذ تمثل إيرادات هذه المبيعات من 30 إلى 50 في المئة من الموازنة الفيدرالية الروسية، وفق معهد أكسفورد لدراسات الطاقة The Oxford Institute for Energy Studies (OIES). وبخلاف الاتحاد الأوروبي تذهب الحصة الأكبر من صادرات الغاز الروسية إلى تركيا وبيلاروس، بينما تقوم مبيعات الغاز الطبيعي المسال إلى حد كبير على التصدير إلى الصين واليابان.
وبحسب وكالة “بلومبيرغ” تباع صادرات الغاز الروسي إلى الصين في مقابل حسوم سعرية تصل إلى 28 في المئة مقارنة بصادراته إلى أوروبا، مما يعني أنها أقل ربحية لروسيا في صورة عامة. لكن في نهاية المطاف تأتي الغالبية العظمى من عوائد النفط والغاز الحكومية الروسية من مبيعات النفط بدلاً من مبيعات الغاز، بحسب معهد أكسفورد لدراسات الطاقة.
وعلى رغم أن الاتحاد الأوروبي حظر واردات النفط من روسيا، تشير عديد من التقارير إلى أن النفط الروسي لا يزال يصل إلى الاتحاد الأوروبي بطرق غير مباشرة.
لقد بين تحقيق أجرته “غلوبال ويتنس” Global Witness أن 130 مليون برميل من المنتجات المكررة استوردها الاتحاد الأوروبي عام 2023 من مصافي تكرير تعالج النفط الخام الروسي، بقيمة تقدر بنحو 1.1 مليار يورو صبت في عوائد الكرملين الضريبية.
وتعد روسيا أكبر بلد مورد للنفط الخام إلى الصين والهند. وتستورد المملكة المتحدة وبلدان الاتحاد الأوروبي ما قيمته مليارات الدولارات من النفط المكرر من هذين البلدين، ومن المرجح أن يأتي جزء من هذه الكميات من روسيا على رغم العقوبات.
مشكلة الغاز الروسي
وبصرف النظر عن العقوبات الناجمة عن غزو أوكرانيا، مثل اعتماد البلدان الأوروبية على الغاز الروسي تحدياً يصعب معالجته.
واستخدمت روسيا تاريخياً صادراتها من خطوط أنابيب الغاز لممارسة سيطرتها السياسية على بلدان تعتمد على هذا الغاز، من أوكرانيا إلى أرمينيا.
وتستخدم شركة “غازبروم” أيضاً التكتيك نفسه في مولدوفا، إذ قطعت إمدادات الغاز بسبب ديون مزعومة تبلغ 709 ملايين دولار (565 مليون جنيه استرليني).
ومع ذلك، واجه قرار عدم تمديد عبور الغاز عبر أوكرانيا بعض المعارضة.
فقد هدد رئيس وزراء سلوفاكيا بقطع إمدادات الكهرباء عن أوكرانيا رداً على خطوتها، وقال إن إنهاء نقل الغاز الروسي سيزيد من أسعار الطاقة.
ومع ذلك، فقد توقف الآن نقل الغاز عبر خطوط أنابيب أوكرانيا.
نقلاً عن : اندبندنت عربية