ما بين إحياء المناسبة وأغراض السياحة، تحتفل إثيوبيا بأعيادها وتستقبل زائرين وسياحاً من مختلف الأجناس، وكانت صخور لاليبيلا المقدسة في إقليم أمهرة قبلة سياحية لاحتفالية ميلاد المسيح عليه السلام هذا العام، وكشفت وزيرة السياحة الإثيوبية سيلاماويت كاسا عن أن جهوداً تجري لجعل إثيوبيا وجهة سياحية مفضلة في أفريقيا من خلال تعزيز الواجهات السياحية الحالية والتوسع في أخرى جديدة تلبي المعايير الدولية.
كاسا أدلت بهذه التصريحات خلال الاحتفال السنوي بعيد الميلاد الإثيوبي المعروف محلياً بـ”قنا” الذي أقيم هذا العام في منطقة لاليبيلا المشهورة بكنائسها الـ11 المنحوتة في الصخر منذ القرن الـ12 الميلادي، واستقبلت أكثر من 1.5 مليون زائر هذا العام للمشاركة في إحياء عيد الميلاد الذي يواكب السابع من يناير (كانون الثاني) الجاري.
وكان نائب عمدة المدينة ونديمو وداج أكد في حديث إلى الإعلام المحلي أن “ترتيبات تم وضعها لضمان استقبال الزوار الذين يصلون إلى المدينة بوسائل مختلفة”، مشيراً إلى أن “سكان المدينة يعملون لاستقبال الضيوف عند البوابات الست للمدينة بتقاليد الضيافة الإثيوبية التي تشمل غسل الأقدام وتقديم الطعام والشراب مجاناً”.
ويتمسك الإثيوبيون بتقويم الكنيسة القبطية المعروف محلياً بالتقويم الإثيوبي، ويتألف من 13 شهراً تحوي الأشهر الـ12 الأولى على 30 يوماً، بينما يتكون الشهر الـ13 المعروف بـ”باغمي” من خمسة أو ستة أيام في السنة الكبيسة. ويترافق عيد الميلاد في إثيوبيا مع احتفالات دينية وصلوات خاصة بالمناسبة واجتماعات عائلية واحتفالات شعبية أبرزها وضع شجرة الميلاد وتبادل الهدايا.
إنجازات سياحية
وأكدت كاسا أن “تطوير وتوسيع الوجهات السياحية يهدفان إلى ضمان استفادة المجتمعات المحلية على المستويات كافة من التطور السياحي الشامل، فمدينة لاليبيلا التاريخية المشهورة بكنائسها المنحوتة في الصخر هي في دائرة الضوء حالياً حيث تحتفل بمهرجان عيد الميلاد الإثيوبي (قنا)، وتعرض التراث الثقافي الفريد لمنطقة أمهرة”.
إلى جانب الاستغلال السياحي للمناسبات، شهدت إثيوبيا خلال الأعوام الأخيرة إنجازات سياحية مهمة شملت مختلف الأقاليم بإنشاء طرق حديثة وممرات واسعة وحدائق متعددة. وحظيت العاصمة أديس أبابا بنصيب وافر من الطرق الحديثة والممرات الواسعة المحاطة بالحدائق، إلي جانب حدائق عامة في مختلف المناطق، فضلاً عما شهدته من إدراج متاحف تاريخية جديدة وتحديثات للقصور الملكية ليعطي ذلك ملامح جديدة لعاصمة تحفل ببهرجة من الجمال.
وتعتبر إثيوبيا على النطاق الحضاري الدولة الأفريقية المتميزة بمناسباتها الدينية، سواء في التوقيت الذي لا يخضع لأية محاكاة عالمية، أو ما يتبع تلك المناسبات من تقاليد وعادات تلقى إعجاب الأجانب الزائرين، فيشارك بعضهم في التقاليد الإثيوبية من تناول الأطعمة والمأكولات المحلية، فضلاً عن المشاركة في الفنون الشعبية التقليدية TRADITIONAL ARTS)) ضمن الأعياد المتعددة.
ويقول الكاتب الإثيوبي أنور إبراهيم في كتابه “إفادات حول التراث الإثيوبي” إن “إثيوبيا من الدول التي تضم عدداً كبيراً من الشعوب والقوميات المختلفة في تقاليدها عن بعضها بعضاً، وتتعدد فيها الثقافات والعادات من منطقة لأخرى، ومن قبيلة لأخرى”.
ويضيف أنه “مع اختلاف القبائل الإثيوبية وتعدد عاداتها وثقافاتها يأتي تمازجها ليشكل الإرث الإثيوبي الذي تشارك فيه مختلف القوميات بمناسبات جامعة، وهي مناسبات تزخر بالطقوس الدينية المسيطرة على الروح القومية”.
الأديان والإلهام
تركت الثقافات الدينية التي مرت على إثيوبيا زخماً حضارياً ظل يتطور على مر الأعوام، حينما شاركت الحبشة أجزاء من الجزيرة العربية والشام في تلقي الديانات السماوية الثلاث، وضمن التفاعلات الحضارية تكوّن الموروث الثقافي الذي مثلت فيه الديانتان المسيحية (الأرثوذكسية) والإسلام إلهاماً ونبعاً دفاقاً للعطاء الإنساني على مر العهود.
وإلى جانب الإنجازات السياحية المادية، شكلت المناسبات جامعاً موحداً وإشارات إلى ماضٍ مقدس يبرز الآن ضمن معالم السياحة الدينية واحتفالات الأعياد. وما قامت به المناطق الشمالية المتاخمة للبحر الأحمر من دور حاضن للإسلام تعكسه الآن منطقة نجاش الإسلامية، كما ظلت كنائس لاليبيلا الشهيرة تذكيراً بعظمة الديانة المسيحية وحضارتها العريقة التي تعكسها الكنائس المتعددة المنحوتة في قطع الصخور بأبوابها ونوافذها وعتباتها ورسوماتها المعبرة في إعجاز بشري يرجع تاريخه إلى العصور الوسطى.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
تقع لاليبيلا في إقليم أمهرة على بعد نحو 810 كيلومترات من العاصمة أديس أبابا، وهي من الأماكن المقدسة في إثيوبيا إلى جانب منطقة أكسوم التاريخية التي ترجع حضارتها إلى القرن الرابع الميلادي، وتمثل لاليبيلا مركزاً روحياً وثقافياً وفقاً لنصوص الكنيسة الأرثوذكسية الإثيوبية، كما أنها أقدس مدينة للمسيحيين الإثيوبيين بعد القدس. وتمت تسمية المدينة نسبة إلى الملك لاليبيلا الذي نحت الكنائس على أمل إنشاء “القدس الجديدة” في إثيوبيا. وأدرجت منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة (يونيسكو) هذه الكنائس في قائمة التراث العالمي.
وتعتبر لاليبيلا بكنائسها المقدسة المتجانسة مركزاً ثانياً للحجيج الإثيوبيين الذين يشدون إليها الرحال من مختلف الأقاليم لتحظى بزيارات منتظمة وتحتضن مناسبات دينية متتالية. وضمن الاهتمام العالمي الذي نالته لاليبيلا وما تمثله من تراث إنساني، تكفلت فرنسا أخيراً بترميم كنائسها والآثار المحيطة بها، إذ تأثرت بحرب تيغراي خلال الأعوام الماضية.
وإلى جانب الحجاج الذين يتدفقون من الداخل بمئات الآلاف كل عام، يفد إلى لاليبيلا كذلك المهاجرون الإثيوبيون بأعداد كبيرة مستغلين الأعياد الدينية للرجوع إلى الوطن والتبرك بالأماكن المقدسة. وتجمع المناسبات كذلك أعداداً من الضيوف والسياح من مختلف الأقطار، متطلعين إلى معرفة ما وراء الشعوب من عطاء إنساني حضاري.
المجتمعات المحلية
وأشارت وزيرة السياحة الإثيوبية إلى “الاهتمام القوي الذي توليه الحكومة لتطوير لاليبيلا كوجهة سياحية، لضمان الحفاظ عليها والترويج لها، مؤكدة على المشاريع الجارية في المنطقة لتحسين وصول الزوار وتعزيز التجربة السياحية الشاملة، مع تشجيع المشاركة المجتمعية في المبادرات السياحية. وأوضحت أن “إثيوبيا، بفضل كل هذه الجهود، مستعدة لتعزيز مكانتها في سوق السياحة التنافسية، مما يعِد بمستقبل مستدام ومزدهر لقطاع السياحة فيها”.
وأوضحت سلاماويت كاسا أن “الجهود تبذل لتحسين البنية التحتية من أجل جعل هذه المواقع التاريخية والتراثية في متناول الزوار بالتعاون مع المنظمات الدولية كـ’يونيسكو‘، فتعزيز البنى التحتية حول المهرجانات الثقافية والفعاليات التقليدية أمر ضروري لجذب مزيد من الزوار إلى البلاد. وزيادة عدد مقدمي الخدمات السياحية وتعزيز الاستثمار السياحي سيساعدان في توليد العملة الأجنبية وتعزيز الاقتصاد الإثيوبي”.
وضمن اهتمام البلاد بالقطاع، أشارت الوزيرة إلى أن “إثيوبيا لديها خطة طموحة لترسيخ نفسها كوجهة سياحية مفضلة في أفريقيا، مع التركيز القوي على تعزيز مكانتها السياحية العالمية، وأن وزارتها تعمل بنشاط على إنشاء قطاع سياحي أكثر شمولاً تستفيد منه جميع المجتمعات من خلال تطوير الوجهات القائمة وتوسيع الوجهات الجديدة والاستفادة من التكنولوجيا”.
ويقول عبدالله محمد خير مدير إحدى شركات الأنشطة المتعددة، إن “إثيوبيا تملك مقومات سياحية حقيقية، والنشاط الحكومي بإقامة عدد كبير من المنشآت السياحية كالمتاحف والحدائق العامة وغيرها أمر واضح غطى كثيراً من الأقاليم. ومع ذلك لا بد من الإشارة إلى أنه على رغم الجهود الحكومية لا يزال هناك نقص في الخدمات بمعظم المناطق السياحية، فضلاً عن صعوبة الوصول إلى بعضها في ظل قسوة التضاريس وعدم توافر الوسائل الحديثة للمواصلات”.
ويشير إلى أن إقامة الحدائق والأماكن السياحية لا بد من أن تتبعه دراسات متكاملة للبيئات السياحية حتى لا ينعكس ذلك في نواقص حقيقية تتسبب في تعطل تلك الأماكن لقلة الزوار أو انعدامهم في بعضها، متابعاً أن “الحكومة الإثيوبية خطت خطوات جادة لتفعيل السياحة، خصوصاً أن إثيوبيا تملك مقومات سياحية وجمالية طبيعية نادرة، إلى جانب ما تمثله شركة الطيران الإثيوبية من نجاحات، لكنها تحتاج إلى أن تغطي خدماتها السياحية بأعداد مضاعفة من الوكالات الخدمية الحديثة، ولإنجاز ذلك مستقبلاً من المهم تشجيع الدراسات الأكاديمية المتعلقة بالسياحة والتوسع في التعليم السياحي بتدرجاته كافة، وكذلك الاستفادة من تجارب دول لديها خبرة في السياحة التاريخية والدينية مثل السعودية وتركيا”.
أدبيات السياحة
تعتبر السياحة وفق أدبيات الأمم المتحدة “من أهم القطاعات الاقتصادية، وهي توظف عُشر سكان الأرض، وتتيح سبل العيش لمئات الملايين غيرهم. ويمكن أن تمثل السياحة أكثر من 20 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي لبعض البلدان، كما تتيح للأشخاص تجربة بعض الثروات الثقافية والطبيعية في العالم، وتقرب الناس من بعضهم بعضاً، مما يبرز الإنسانية المشتركة”.
وتشير المنظمة الدولية إلى السياحة باعتبارها ركيزة أساسية لخطة التنمية المستدامة 2030، وتمثل النساء غالبية القوى العاملة في القطاع. وعلاوة على ذلك تعتمد حماية التنوع البيولوجي في أجزاء كثيرة من العالم على قطاع السياحة والإيرادات التي يدرها.
وتضيف أن “الإسهامات المهمة للسياحة شجعت منظمة السياحة العالمية التابعة للأمم المتحدة على إعلان يوم السياحة العالمي في اجتماع عُقد بإسبانيا، ليكون في الـ27 من سبتمبر (أيلول) من كل عام، وكان الاحتفال الأول به عام 1980. وتم اختيار التاريخ ليتزامن مع الذكرى العاشرة لاعتماد النظام الأساسي لمنظمة السياحة العالمية في الـ27 من سبتمبر 1970”.
نقلاً عن : اندبندنت عربية