أثار تحقيق لصحيفة “الغارديان” في مجلس اللوردات تساؤلات حول المساءلة في الغرفة الثانية للبرلمان، مع الكشف عن كيفية استفادة سلسلة من الأقران من المصالح التجارية.

وظف واحد من كل 10 أعضاء لتقديم نصائح سياسية، وفقاً لإعلاناتهم الخاصة، بينما يقوم آخرون بأعمال مدفوعة لشركات قد تتعارض مع دورهم كمشرعين. وتكشف النتائج عن ثغرات في مدونة سلوك اللوردات وتثير تساؤلات حول ما إذا كان يجب تشديد القواعد المتعلقة بالضغط السياسي والعمل المدفوع لتتماشى مع القيود التي يلتزم بها أعضاء البرلمان.

يسلط التحقيق الضوء على مدى تدفق الأموال إلى السياسة من أولئك الذين يحملون ألقاباً نبيلة أو الذين يواصلون تأمينها، إذ جرى التبرع بأكثر من 100 مليون جنيه استرليني (126.3 مليون دولار) للأحزاب الرئيسة الثلاثة في العقدين الماضيين، وكثير منها من مجموعة صغيرة من المتبرعين المؤثرين.

في الواقع، يقدم عدد من أعضاء مجلس اللوردات مساهمة قيمة في الغرض الرئيس للمجلس، والمتمثل في تحسين التشريعات والتدقيق فيها، لكن أعدادهم تضخمت إلى 835 عضواً بعد أن امتلأ المجلس بالمانحين والموالين للأحزاب إثر سلسلة من رؤساء الوزراء. ووعد حزب العمال بإجراء بعض التغييرات، لكن هناك دعوات إلى إصلاحات أكثر طموحاً لمؤسسة وصفها رئيس الوزراء البريطاني السير كير ستارمر سابقاً بأنها “غير قابلة للدفاع عنها”.

وقال الرئيس التنفيذي لجمعية الإصلاح الانتخابي دارين هيوز للصحيفة، “لا ينبغي أن يكون مجلس اللوردات مجتمعاً سياسياً مغلقاً مليئاً بالمانحين الحزبيين، فضلاً عن أصدقاء وأنصار مختلف رؤساء الوزراء. وهذه الاكتشافات تؤكد مرة أخرى الحاجة الملحة إلى إصلاح مجلس اللوردات بحيث يتمتع بمزيد من الشفافية والمساءلة، مما يساعد في تجنب تضارب المصالح الذي يهدد بتآكل الثقة العامة المتدنية أصلاً في السياسة”.

وفي الأسابيع المقبلة، ستنشر “الغارديان” مناقشة مجلس اللوردات، في تحقيق استمر لأشهر تضمن تقارير سرية وتحليلاً شاملاً للسجلات البرلمانية والتبرعات السياسية والوثائق الرسمية.

حصول 100 عضو على أجر في مقابل تقديم مشورات

وسيكشف التحقيق عن تفاصيل حول كيفية، حصول ما يقرب من 100 عضو في مجلس اللوردات على أجر مقابل تقديم المشورة السياسية لشركات تجارية، وسيظهر عرض أحد الأقران من حزب العمال الوصول إلى الوزراء خلال المناقشات لرعاية حدث في البرلمان. وسيظهر جني وزير سابق ملايين الجنيهات منذ دخوله إلى مجلس اللوردات من خلال العمل مع 30 شركة، إضافة إلى الكشف عن تلقي عدد من الأقران أموالاً من حكومات أجنبية، بما في ذلك الأنظمة القمعية.

ويبدو أن ستارمر يحقق تقدماً بطيئاً في ما كان يراه عديد من مؤيدي حزب العمال فرصة قد تكون لمرة واحدة في الجيل لإصلاح مجلس اللوردات غير المنتخب في بريطانيا.

بعد ربع قرن من محاولة توني بلير إصلاح مجلس اللوردات في عام 1999 من خلال طرد معظم الأقران الوراثيين، كانت هناك آمال بأن يستخدم ستارمر عودة حزب العمال للحكومة لتقليص حجم المجلس أو استبداله بغرفة تمثل أكثر للأمم والمناطق، واقترح في مراجعة عام 2022 لرئيس الوزراء السابق غوردون براون.

وكان من المفترض أن تهدف هذه الخطة إلى معالجة المخاوف في شأن عدم التمثيل المتساوي في مجلس اللوردات، إذ يشكل الرجال 69 في المئة من أعضائه. في حين يظهر تحليل الصحيفة أن العمر الوسطي للأقران في البرلمان الحالي هو 71 سنة، أي أربع سنوات أكبر من سن التقاعد الحكومي، وأن 51 في المئة منهم تلقوا تعليماً خاصاً، مقارنة بـ6.5 في المئة فقط من سكان إنجلترا ككل.

في ذلك الوقت، دعم ستارمر اقتراحات براون، واعداً بنقل السلطة من وستمنستر إلى الشعب البريطاني، وقال زعيم المعارضة آنذاك “أعتقد أن مجلس اللوردات لا يمكن الدفاع عنه، لذلك نريد إلغاء مجلس اللوردات واستبداله بغرفة منتخبة ذات مهمة قوية حقاً”.

ويعمل الوزراء حالياً على إزالة 92 من أقران الوراثة المتبقية، على رغم معارضة عدد من اللوردات المحافظين.

ومع ذلك، لم تتح الفرصة بعد لتنفيذ التغييرات الأخرى التي وعد بها حزب العمال في برنامجه الانتخابي، بما في ذلك تحديد حد عمري عند 80 سنة، وإصلاح عملية التعيينات، وتحديد مستويات حد أدنى للحضور، والتشاور في شأن استبدال المجلس، وهناك مخاوف من أنها ستؤجل إلى وقت لاحق.

وكشف تقرير الصحيفة الشهر الماضي عن أن الحكومة تبحث في التوصل إلى اتفاق عبر مجلس اللوردات لخفض حجم المجلس من دون ضرورة فرض حد عمري عند 80 سنة، لكن أي من التغييرات المقترحة لن تضيق القواعد الخاصة بالتأثير في البرلمان والعمل المدفوع.

ويتلقى اللوردات المصاريف بدلاً من الراتب مثل النواب، وغالباً ما يشغلون أدواراً خارجية من دون أن يكونوا مضطرين عموماً إلى الإفصاح عن مقدار أجرهم.

“الخدمات البرلمانية المدفوعة”

وبعد فضيحة في 2021 كشف عنها بواسطة الصحيفة، يمنع النواب الآن من العمل كاستراتيجيين برلمانيين أو مستشارين ولا يمكنهم تقديم المشورة في شأن “السياسة العامة” وكيفية عمل البرلمان بصورة عامة، لكن هذا لم يجر تمديده إلى مجلس اللوردات.

لا يسمح للوردات بأداء “المشورة أو الخدمات البرلمانية المدفوعة”، مما يعني أنه لا يمكنهم إجراء أو تقديم المشورة في شأن التأثير في الوزراء أو المسؤولين أو أعضاء البرلمان نيابة عن شركة تدفع لهم.

ومع ذلك، يصف عدد من اللوردات وظائفهم كمستشارين أو مستشارين لشركات، إذ يقدمون مشورة سياسية، وهو أمر مسموح به بموجب القواعد.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وقررت إحدى اللوردات شارلوت فير، الوزيرة السابقة في حكومة حزب المحافظين لقطاع النقل، عدم قبول وظيفة شريك في شركة العلاقات العامة “ستونهافن” بعد انتقادات علنية هذا الشهر. وأعلنت “ستونهافن” في وقت لاحق تسريح اثنين من اللوردات الآخرين، إذ كانوا يعملون كمستشارين لديها.

ودعا غابي وين، الذي يدير شركة “بلاكني” للشؤون العامة، وكان يتحدث ضد عمل اللوردات لدى شركات العلاقات العامة، إلى “حظر كامل” على اللوردات الذين يتقاضون أموالاً من “لوبيات” أو يعملون كمستشارين سياسيين داخليين في الشركات، بغض النظر عن كيفية وصف دورهم.

وقال وين، “بالنسبة إلي، الحل الوحيد هو حظر كامل، فيجب ألا يكون لأي شخص يعمل حالياً في مجال صنع السياسات في أي من المجلسين أو في الخدمة المدنية الحق في تلقي أي أموال من أية وكالة أو استشاري يعملون في مجال الضغط نيابة عن العملاء، أو داخل أية شركة يطلب منهم فيها تقديم المشورة في شأن السياسة أو السياسة العامة”، وأضاف “يجب أن يكون الاختيار بسيطاً، إما أن تصنع السياسات نيابة عن العامة أو دفع أموال لك من الشركات للتأثير فيها، ولا يمكن الجمع بين الاثنين”.

ولا تزال الحكومة، على الورق، ملتزمة بإصلاح القواعد المتعلقة بالتعيينات للحد من عدد اللوردات الذين يجري اختيارهم من خلال المحسوبية السياسية، إذ يرشح زعماء الأحزاب كل عام قوائم من المرشحين للموافقة عليها من الملك، ويجري اختيار عدد منهم بناء على خدمتهم السابقة كنواب أو في الحكومة المحلية، أو بعد تقديم تبرعات مالية كبيرة.

وعين ستارمر سلسلة من الحلفاء والمستشارين السابقين في مجلس اللوردات في وقت سابق من هذا العام، بما في ذلك رئيسة موظفيه السابقة سو غراي، والموظفة السابقة في حكومة توني بلير أنجي هنتير، ورئيس الاتحاد البريطاني للنقابات العمالية السابق بريندان باربر، في محاولة لزيادة عدد ممثلي حزب العمال والمساعدة في تمرير التشريعات.

ومع ارتفاع شعبية حزب “ريفورم” في الاستطلاعات، فإن هناك تكهنات بأن الحزب الذي يترأسه نايجل فاراج قد يسعى إلى الحصول على بعض اللوردات، بخاصة إذا فاز بمقاعد إضافية في الانتخابات المقبلة، في حين يمتلك حزب الخضر، الذي لديه عضو واحد أقل في البرلمان، اثنين من اللوردات في المقعد الأحمر.

وقالت مصادر من حزب “ريفورم” لصحيفة “ميل أون صنداي” هذا الشهر إنه في حال التوصل إلى اتفاق أو تحالف مع حزب المحافظين في الانتخابات المقبلة، قد يتضمن ذلك محاولة لتطبيق نموذج دونالد ترمب في تعيين شخصيات بارزة – مشابهة لإيلون ماسك في الولايات المتحدة – لتولي إدارة بعض الوزارات من خلال مجلس اللوردات.

نقلاً عن : اندبندنت عربية