تتباين التوقعات في شأن السوق العقارية البريطانية في العام الجديد 2025 لعدد من الأسباب، من أهمها بدء تطبيق تغييرات في نظام الضرائب العقارية المختلفة، إلى جانب الزيادة السنوية المتوقعة في ضريبة الحي مع بداية السنة المالية مطلع أبريل (نيسان) المقبل، وإذا كانت أول موازنة لحكومة حزب العمال برئاسة كير ستارمر تتضمن تغييرات ضريبية تؤثر في القطاع العقاري، فإن حكومة المحافظين السابقة بدأت ذلك بتعديلات نظام الإقامة للمسجلين ضريبياً في الخارج.

أكملت أول موازنة لحكومة العمال التي أعلنتها وزيرة الخزانة راتشيل ريفز نهاية أكتوبر (تشرين الأول) الماضي الإجهاز على ما تبقى من ميزات المسجلين ضريبياً في الخارج، بالتالي شهدت البلاد نزوح كثير من الأثرياء إلى وجهات أخرى تفادياً لدفع مزيد من الضرائب على ثرواتهم وعقاراتهم، وشكل ضغطاً على الطلب من الأجانب لشراء العقارات في بريطانيا سواء للإقامة أو الاستثمار، خصوصاً مع تعديل نظام ضريبة الدمغة العقارية بإضافة خمسة في المئة على شراء العقار الثاني أو مشتريات الأجانب للبيوت في بريطانيا.

شملت زيادات الضرائب في الموازنة زيادة في ضريبة أرباح رأس المال، بما يعني زيادة الضريبة التي يدفعها مالك البيت على فارق سعر شراء البيت وسعر البيع باعتبار ذلك “أرباحاً رأسمالية”، علاوة على أن الزيادة المباشرة وغير المباشرة في ضريبة الدمغة العقارية أدت إلى تردد كثير من المشترين في القبول بالأسعار المطلوبة للبيوت المعروضة.

حزم الضرائب

بحسب تقديرات شركة العقارات الفاخرة “سافيل”، فإن إلغاء ميزات التسجيل الضريبي في الخارج وحزم الضرائب التي تضمنتها الأخيرة أدت إلى تراجع واضح في قيمة العقارات في المناطق الفارهة في العاصمة لندن، إذ يتركز أصحاب الثروات التي تكون أيضاً مقصداً للمشترين الأجانب من خارج بريطانيا.

بحسب تقديرات الشركة، تراجعت قيمة البيوت في مناطق لندن المميزة بنسبة 0.8- في المئة في الربع الأخير من عام 2024. وبمقارنة قيمة العقارات في وسط لندن بما كانت عليه في عام 2014 تبلغ نسبة انخفاض قيمتها 20.7- في المئة، وفي ربع العام الأخير على سبيل المثال انخفضت قيمة العقارات في حي نايتسبريدغ بنسبة 2- في المئة، بينما انخفضت بنسبة 1.6 في المئة في ساوث كنزينغتون وبنسبة 1.50 في حي بلغرافيا.

وقدر المحللون في شركة “سافيل” أن يستمر هذا النهج في العام الحالي مع بدء ظهور تأثير إلغاء نظام الإقامة مع التسجيل الضريبي في الخارج وزيادة الرسوم على المشترين الأجانب، وتتوقع الشركة أن تنخفض قيمة العقارات في وسط لندن وأحيائها المميزة بنسبة أربعة في المئة في المتوسط عام 2025.

لا تقتصر الضرائب التي تؤثر سلباً في حركة البيع والشراء في سوق العقار البريطانية على إلغاء امتيازات الإقامة مع التسجيل الضريبي في الخارج أو زيادة السروم على المشترين الأجانب، في “بودكاست” الشهر الماضي لمعهد الدراسات المالية ناقش مدير المعهد مع اثنين من الأساتذة الباحثين حزم الضرائب التي تعوق نشاط السوق العقارية.

ضريبة الحي

ويرى الباحث في معهد “ستيوارت آدم” وأستاذ الاقتصاد في جامعة لندن تيم ليونيغ، أن ضريبة الحي وضريبة الدمغة العقارية تشكلان أهم عوامل الضغط على السوق العقارية سواء في قطاع البيع والشراء (ملكية البيوت) أو قطاع الإيجار.

تشكل الزيادة السنوية في ضريبة الأحياء عبئاً إضافياً، خصوصاً أن زيادتها في بعض المناطق عالية جداً بما يجعل المشترين يترددون في الانتقال إليها، ويدفع من يعرضون بيوتاً للبيع إلى تقليل السعر المطلوب، ويحدد كل حي معدل الضريبة على البيوت، ويدفعها من يملك بيته أو الساكن المستأجر ما لم يتفق مع المؤجر على أن يتضمن الإيجار ضريبة الحي.

في المتوسط سترتفع ضريبة الحي خمسة في المئة عام 2025، أي أعلى من معدل التضخم بما يقارب الضعف، لكن هناك تبايناً في نسبة الزيادة، إذ يمكن لكل حي رفع الضريبة بمعدل أعلى وإن تطلبت الزيادة عن نسبة المتوسط المذكورة إجراء استفتاء في الحي، ومع الضغوط التي تتعرض لها موازنات الأحياء والبلديات تضطر بعضها إلى زيادة نسبة الضريبة بصورة أكبر.

في الحلقة النقاشية للمعهد رأي تيم ليونيغ أن هناك ظلماً في ضريبة الحي، إذ إن بعض الأحياء التي قيمة البيوت فيها مرتفعة جداً تفرض ضريبة حي منخفضة فيما أحياء في شمال شرقي البلاد، إذ إن قيمة العقارات متدنية تفرض ضريبة حي عالية جداً. حتى داخل مدينة واحدة مثل العاصمة لندن نجد البيوت في وسط البلد بحي ويستمنستر لا تدفع ضريبة حي تذكر، بينما السكان في أحياء أطراف المدينة يدفعون ضريبة حي أضعافاً مضاعفة.

يرجع ذلك إلى مخصصات الحكومة المركزية للبلديات والأحياء التي تتباين بشدة، فبينما تدعم الحكومة حي ويتسمنستر بمئات ملايين الجنيهات لا تحصل أحياء أخرى على دعم كاف، بالتالي تضطر تلك الأحياء إلى زيادة ضريبة الحي على سكانه لتمويل الخدمات الأساسية في المنطقة من صحة وتعليم وشرطة، إضافة إلى الخدمات والإعانات الاجتماعية.

الدمغة العقارية

أما ضريبة الدمغة العقارية فهناك جدل بين الاقتصاديين في شأن مدى تأثيرها السلبي في السوق العقارية بصورة عامة وفي ملاك البيوت بصورة خاصة، خصوصاً من يشترون بيوتهم للمرة الأولى، وإن كان الرأي الغالب أنها أصبحت معوقاً للشراء لمن هم في بداية حياتهم، مما يشكل ضغطاً نزولياً على الطلب وانخفاض أسعار العرض للبيع.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

بنهاية أكتوبر المقبل سيبدأ تطبيق زيادة نسبة الضريبة الإضافية من ثلاثة في المئة إلى خمسة في المئة، وذلك على البيوت ذات القيمة الأدنى، التي يراوح سعرها ما بين 40 ألف جنيه استرليني (50 ألف دولار) و250 ألف جنيه استرليني (314 ألف دولار).

هناك إعفاء من ضريبة الدمغة العقارية لمن يشتري للمرة الأولى للبيوت التي يصل سعرها حتى 425 ألف جنيه استرليني (533 ألف دولار)، وبالنسبة إلى أي عقار يزيد سعره على حد الإعفاء يدفع المشتري ضريبة دمغة عقارية بنسبة خمسة في المئة على العقارات حتى سعر 625 ألف جنيه استرليني (784 ألف دولار).

لكن بدءاً من السنة المالية الجديدة في أول أبريل المقبل، سينخفض حد الإعفاء إلى 300 ألف جنيه استرليني (376 ألف دولار)، مما يعني أن عدداً أكبر من المشترين سيضطر إلى دفع ضريبة الدمغة العقارية بنسبة خمسة في المئة مما يزيد من موارد الخزانة، وإذا كان سعر العقار ما بين حد الإعفاء و500 ألف جنيه استرليني (627 ألف دولار) يدفع المشتري ضريبة الدمغة على هذا الفارق، أما العقارات التي يزيد سعرها على نصف مليون جنيه استرليني فيلغي الإعفاء الضريبي تماماً، ويدفع المشتري ضريبة الدمغة العقارية كاملة.

تعد هذه زيادة غير مباشرة في ضريبة الدمغة العقارية بتقليل حد الإعفاء بدلاً من رفعه بحسب معدل التضخم مثلاً، ويعني ذلك أن مزيداً من المشترين سيدفع ضريبة الدمغة العقارية وأيضاً بنسبة أكبر، ومع أن ذلك يوفر عائداً للخزانة العامة إلا أنه يشكل عامل ضغط آخر على البيع والشراء في السوق العقارية.

نقلاً عن : اندبندنت عربية