هل بلدة وودبريدج حقاً أسعد مكان للعيش في المملكة المتحدة؟ قد يكون من المبكر قول ذلك، من دون التدقيق في هذا الادعاء.
أعيش هنا منذ أكثر من عقد، وأقر بأنها بلدة رائعة، لكن هل يمكننا فعلاً وصفها بأنها أسعد مكان للعيش في البلاد؟
الحقيقة مغايرة لذلك تماماً، فهي ليست أسعد بلدة للأمهات اللاتي يخضن معركة يومية مع حارس موقف السيارات المتشدد في شارع بيترهاوس بينما يحاولن إيصال أطفالهن إلى المدرسة في الوقت المحدد، وليست أسعد بلدة لذلك المراهق الذي لا يستطيع شراء سيجارة إلكترونية من أحد المتاجر الصغيرة في الزاوية لأن البائع يعرف والده، ويلعبان معاً الغولف، وليست الأسعد لأصحاب الكلاب الذين يتحولون إلى مصارعين في لعبة شد الحبل على بقعة طينية خطرة تهدد الجميع بالانزلاق، وليست الأسعد لأصحاب السيارات الذين يحاولون بكل شجاعة ركن سياراتهم بصورة موازية للرصيف في منطقة ماركت هيل تحت أنظار المتقاعدين المرتادين لمقهى “وايلد ستروبيري” الذين يستمتعون بقهوة “فلات وايت”، وليست الأسعد بالنسبة لنا، وأعني نساء الطبقة المتوسطة ممن بلغن سن معينة، فنحن نواجه تحديات مختلفة تماماً في عالم المواعدة بعد الطلاق، ولكن دعونا نتحدث عن ذلك لاحقاً.
بالتأكيد هذا التكريم رائع، ولست هنا لأقلل من شأن احتفال وودبريدج. على أي حال، تتمتع هذه البلدة بسحر لا يمكن إنكاره. أين يمكنك أن تجد مزيجاً رائعاً من الحانات الدافئة ذات المواقد المشتعلة التي تقدم أفضل أنواع البيرة المحلية، والمتنزهات الساحرة على ضفاف النهر، والمتاجر المستقلة الفريدة، والمدارس الممتازة ذات التقارير المشرفة من مكتب مراقبة جودة التعليم “أوفستد” – إضافة إلى كوكتيل “بورن ستار مارتيني” اللذيذ من حانة “ذا كراون”؟
لكن دعونا ننظر إلى الواقع. حتى في أسعد بلدة، ستظل هناك بعض المنغصات مثل إخراج صناديق القمامة، والطيور التي تلوث سيارتك التي غسلتها ونظفتها للتو، وانقطاع الإنترنت في اللحظة التي تكون فيها على وشك الفوز بمزاد على موقع “إيباي” eBay، تلك الشوارع الخلابة المرصوفة بالحصى تشكل مشهداً جميلاً، لكن جرب أن تمشي عليها بالكعوب العالية بعد كأس أو اثنتين من النبيذ. ولا يمكننا أن ننسى التنافس الخفي بين الجيران على من يمتلك أجمل حديقة أمامية. ويبدو أن السعادة لا تعني الهرب من أحكام الجيران عندما تقرر مقاطعة جز العشب في شهر مايو (أيار) لمدة ستة أشهر.
ولعل من أبرز سمات وودبريدج هو ذلك الطابع الغريب الأطوار الذي يميزها، فمثلاً، تجد طابوراً دائماً أمام محل Paul’s Fix Box (نعم، هذا هو اسمه فعلاً “صندوق سمك بول”)، ولا يبدو أنه لشراء سلطعون كرومر اللذيذ فحسب، بل أيضاً لتناقل آخر أخبار البلدة والنميمة في آنٍ واحد. ولا تخلو وودبريدج من “دراما وأحداث البلدة الصغيرة”، لا سيما الدراما المصاحبة لمسابقات الخبز، والحماس المفرط في أمسيات المسابقات الثقافية، والدهشة التي تصيب البعض عند رؤية أحدهم يستخدم سماداً غير عضوي في حديقته. جميعها أمور غير مهمة، ولكنها أحداث كافية لإضفاء حالة من التسلية والدراما الخفيفة على البلدة.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
حسناً، لنتحدث عن مشهد المواعدة. فكما نعلم، السعادة والحب وجهان لعملة واحدة، وهذا بالطبع ما يجعلني أشعر بالبؤس الشديد بصراحة.
للأسف، بالنسبة إلى عالم المواعدة في وودبريدج، فلنقل إنه أشبه بفيلم من بطولة بريدجيت جونز، فعلى رغم وفرة الأنشطة الترفيهية في البلدة، فإن فرص المواعدة محدودة نوعاً ما، فالخيارات المتاحة ضئيلة وتشبه في حجمها حجم البركة الصغيرة وليس المسبح الأولمبي، والخيارات أشبه بقطرة ماء في صحراء.
لم أعد أخفي كوارث مواعيدي الغرامية، ومنها لقاء رجل قصير بالكاد يصل طوله إلى 163 سنتيمتراً، والذي كان يقف على أطراف أصابعه ليقبلني، والمزارع الذي اصطحبني في موعدنا الثاني لمشاهدة ولادة عجل، ومالك الأراضي الذي يقتني مجموعة مرعبة من الأسلحة، والمحتال الذي قضى فترة في سجن “هوليسلي باي” مع جيفري آرتشر (الروائي والسياسي البريطاني السابق). في النهاية، من الصعب الحفاظ على الخصوصية في بلدة صغيرة يعرف فيها الجميع أسرار بعضهم بعضاً.
على رغم أن البعض منا لا يتقن فن التلصص من وراء الستائر، فإن وودبريدج مكان يتكاتف فيه الناس من أجل القضايا الخيرية والنبيلة، ويتحلون بروح التعاون. لذلك، أعتقد أنه على رغم أن وودبريدج ليست بلدة مثالية، فإن هذا هو بالضبط ما يجعلها مثالية بالنسبة لي. إنها بلدة تشكل غرائبها وإحباطاتها جزءاً من سحرها.
وصحيح أن خيارات المواعدة في وودبريدج قد تكون محدودة، لكن من يحتاج إلى البحث عن الحب في زحمة الحياة عندما يمكنك الاستمتاع بكوكتيل منعش على ضفاف النهر، والتجوال في الطبيعة الخلابة، وقضاء وقت ممتع مع الأصدقاء في أحاديث لطيفة تنسيك همومك؟
السعادة لا تتعلق بالكمال، بل تتجلى في شخصية المكان وفرادته، وفي فضول سكانه وحبهم للاستكشاف، وحتى في طوابير الانتظار لشراء وجبات السلطعون. ولذلك، تعد وودبريدج مدينة متفوقة حقاً وتحقق السعادة.
نقلاً عن : اندبندنت عربية