في اليوم قبل الأخير من منتدى دافوس الاقتصادي العالمي ألقى دونالد ترمب كلمته عبر تقنية الفيديو، مخاطباً النخب السياسية ورؤساء الشركات العالمية، وكانت كلمته ختاماً مناسباً لأسبوع سيطر عليه من بعيد عبر مجموعة من السياسات المثيرة للجدل.
ترمب، الذي ظهر على الشاشة أمام مجموعة مختارة من المديرين التنفيذيين لشركات كبرى مثل “بنك أوف أميركا” و”سانتاندير” و”توتال إنرجي” و”بلاكستون”، قوبل بتصفيق فاتر، وضحكات متباينة، بعضها على نكاته وأخرى على حسابه، في قاعة الكونغرس المكتظة.
وعلى رغم غيابه الجسدي فلم يكن ذلك أمراً مهماً بالنسبة إلى عديد من الحاضرين بين 3 آلاف مشارك في المنتدى، إذ تسابق قادة الأعمال للإشادة بالرئيس العائد وبوعوده بإطلاق “عصر ذهبي جديد” تقوده طفرة اقتصادية، وضرائب على الواردات من بقية العالم، وتعهده بالتوسط لتحقيق اتفاق سلام بين روسيا وأوكرانيا.
من جانبه وصف الرئيس السابق لبنك “غولدمان ساكس”، لويد بلانكفاين، تأثير ظهور دونالد ترمب بأنه يذكر بـ”عودة نابليون من جزيرة إلبا”، في إشارة إلى استقبال الإعلام الفرنسي الإمبراطور العائد من المنفى عام 1815 بعدما وصفه سابقاً بالوحش.
حذر في دافوس من خطط ترمب الاقتصادية
وقال الرئيس التنفيذي لشركة “كوكاكولا”، جيمس كوينسي، الذي حضر حفل تنصيب ترمب، لصحيفة “التايمز”، “آمل أن تنجح خططه الاقتصادية، لماذا لا أريد لها النجاح؟”. يذكر أن ترمب أعاد تثبيت زر خاص في المكتب البيضاوي لطلب مشروب “دايت كوكا.”
من جانبه أشار الرئيس التنفيذي لشركة “أوبر”، دارا خسروشاهي، الذي توجه إلى دافوس بعد حضور التنصيب، إلى اختلاف الأجواء بين واشنطن ودافوس، وأضاف “الشعور بالتفاؤل بين قادة الأعمال في واشنطن كان ملموساً، كان أمراً لا يصدق. لكن في دافوس، المزاج مختلف، فالقادة الأوروبيون والمديرون التنفيذيون الذين تحدثت معهم الصحيفة يشعرون بمزيج من القلق وعدم اليقين. الوضع هنا بالتأكيد ليس إيجاباً بالدرجة نفسها”.
وبعد عام من الإشادة بـ”اقتصاد بايدن” الذي سعى إلى تحفيز الاقتصاد الأميركي من خلال بناء صناعات خضراء مدعومة من الدولة، احتفل قادة الأعمال ومديرو الأصول بـ”العلاج الصادم” الذي يقدمه ترمب، إذ تشمل خططه تفكيك أجندة بايدن عبر تخفيف الضوابط عن صناعة الوقود الأحفوري، وترحيل ملايين المهاجرين، وتجميد التوظيف في الحكومة الفيدرالية.
وقالت رئيسة شركة “أكسيدنتال بتروليوم” فيكي هولوب، خلال جلسة في منتدى دافوس الاقتصادي “لا أوافق على استمرار الهجرة غير الشرعية، وأعتقد أنه يجب ترحيلهم.”
ووصف الرئيس التنفيذي لشركة “زيورخ للتأمين” ماريو غريكو خطاب تنصيب ترمب بأنه “قوي، وربما أقوى من أي وقت مضى. إرادته واضحة.”
وأكد ترمب في أحد أول إعلاناته أن الولايات المتحدة ستنسحب من اتفاق باريس للمناخ، الذي يلزم الدول الحد من الاحتباس الحراري إلى أقل من 1.5 درجة مئوية فوق مستويات ما قبل الصناعة، واصفاً الاتفاق بأنه “احتيال”.
وقال غريكو لقناة “سي أن بي سي”، “علينا أن نعترف بأن اتفاق باريس لم يحقق أياً من الخطط أو الطموحات أو الأهداف المتوقعة. ومن الصحيح أيضاً أننا نبحث عن وسائل أخرى لتحقيق تخفيض في درجة الحرارة، وهو أمر بالغ الأهمية”.
تراجع قضايا التنوع وصعود الحلفاء الشعبويين
ومع تغير المناخ السياسي، أشار مطلعون في المنتدى الاقتصادي العالمي إلى أن المنظمين قللوا من التركيز على موضوعات مثل التنوع والشمولية والاستدامة، وقال أحد المخضرمين في مجال مكافحة التغير المناخي، الذي يشارك في المنتدى منذ عقد، “تلقيت دعوات أقل بكثير للحديث هذا العام.”
وكان الرئيس الأرجنتيني الشعبوي خافيير ميلي هو التمهيد لظهور ترمب، إذ عاد إلى دافوس للعام الثاني وتحدث عن “تحالف دولي” يضم ترمب وإيلون ماسك ورئيس وزراء المجر فيكتور أوربان ورئيسة وزراء إيطاليا جورجيا ميلوني.
وجاء التفاؤل مصحوباً بارتفاع مؤشر (أس أند بي 500) إلى أعلى مستوياته بعد تنصيب ترمب، وتحقيق “بيتكوين” رقماً قياسياً جديداً متجاوزاً 109 آلاف دولار، وانتعاش سندات الخزانة الأميركية بعد بداية صعبة لهذا العام نتيجة المخاوف في شأن العجز المتزايد في الموازنة الأميركية.
الاقتصاد الأميركي أداء يفوق التوقعات
ويشير المتفائلون بلا حدود إلى أرقام النمو المستدامة التي تظهر أن الاقتصاد الأميركي، الأكبر في العالم، هو الأفضل أداءً بين دول مجموعة السبع، ويتمتع بنمو إنتاجية يحسد عليه العالم المتقدم. وفي الأسبوع الماضي رفع صندوق النقد الدولي توقعاته لنمو الاقتصاد الأميركي لعام 2024 بمقدار 0.5 نقطة مئوية إلى 2.7 في المئة، مقارنة بنمو متواضع بنسبة واحد في المئة في منطقة اليورو و1.6 في المئة في بريطانيا.
وقال كبير الاقتصاديين في وكالة “أس أند بي” للتصنيفات العالمية بول غروينوالد “القصة الأميركية هي قصة تفوق لا نراها في أي مكان آخر. هذا النمو جاء على رغم ارتفاع أسعار الفائدة، وهو أمر مفاجئ، إلى جانب استمرار إنفاق الأسر، واستثمارات قوية من الشركات، وسوق عمل قوية. هذا يعد إنجازاً كبيراً للاقتصاد الأميركي”.
مخاوف اضطرابات سوق العمل
وبينما تجنب عديد من قادة الأعمال في المنتديات العامة تسليط الضوء على المخاوف من احتمال ارتفاع حرارة الاقتصاد بسبب التخفيضات الضريبية التي أقرها الرئيس الأميركي دونالد ترمب، أثيرت مخاوف في الاجتماعات الخاصة حول تأثير السياسات الجديدة.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وفي اجتماعات مغلقة أعرب صناع السياسات الاقتصادية عن قلقهم من أن تؤدي سياسات ترمب إلى اضطرابات في سوق العمل بسبب ترحيل ملايين المهاجرين، وزيادة التضخم نتيجة لسياسة الرسوم الجمركية الواسعة.
وخلال إفطار مغلق في دافوس الخميس تكهن الحاضرون بأن ترمب قد يلجأ إلى فرض رقابة صارمة على الأسعار لكبح آثار التضخم الناتجة من تخفيضاته الضريبية ورسومه الجمركية، وأثيرت مخاوف من أن الإدارة الأميركية ستضغط على “الاحتياطي الفيدرالي الأميركي”، وهي مخاوف تأكدت عندما دعا ترمب علناً إلى خفض أسعار الفائدة، وقال أحد الاقتصاديين مازحاً “بقي 1461 يوماً فقط.”
وفي ما يتعلق بالتراجع عن الأهداف الخضراء مثل تفويضات المركبات الكهربائية، عبر بعض المديرين التنفيذيين عن تحفظات، وقال الرئيس التنفيذي لبنك “ستاندرد تشارترد” بيل وينترز في أحد النقاشات “من الواضح أننا في حاجة إلى تقليل اعتمادنا على الوقود الأحفوري، إنه عمل كبير ومربح، لكن يمكننا فعل الصواب والاستفادة منه أيضاً”.
نقلاً عن : اندبندنت عربية