في وقت يراقب فيه العالم بأسره تداعيات سقوط رئيس النظام السوري بشار الأسد، على منطقة الشرق الأوسط تجد منطقة المغرب العربي نفسها هي الأخرى في متابعة لتطورات الوضع في دمشق خصوصاً أن علاقات الدول المغاربية مع سوريا تراوحت خلال العقود الماضية بين التوتر والود المتبادل.
ويثير تسلم “هيئة تحرير الشام” بقيادة أحمد الشرع، المُلقب بأبي محمد الجولاني، دفة السلطة في سوريا تساؤلات حقيقية حول المسارات التي قد تأخذها العلاقة بين دمشق والعواصم المغاربية لا سيما أن عدداً منها طبع العلاقات مع نظام بشار الأسد أخيراً على غرار تونس.
تطور مرتقب
في ليبيا، أعلنت السلطات عام 2011 تجميد العلاقات مع سوريا لتحذو بذلك حذو عدد من العواصم العربية بعد الاحتجاجات التي خرج بها قسم كبير من الشعب السوري من أجل الإطاحة بالأسد.
لكن عام 2020 انفتحت حكومة شرق ليبيا برئاسة عبدالله الثني، المدعومة آنذاك من قائد “الجيش الوطني الليبي”، المشير خليفة حفتر، والبرلمان الذي يترأسه عقيلة صالح، على نظام الأسد، وتم فتح سفارة ليبيا لدى دمشق آنذاك، مما عده كثيرون تراجعاً من ليبيا عن عملية عزل الأسد.
وقال الدبلوماسي الليبي، عثمان البدري، إن “العلاقات بين ليبيا وسوريا مرت بمراحل مختلفة نتيجة تشابه النظام في طرابلس بنظيره في دمشق، تحديداً قبل الربيع العربي، لذا هناك قرب بين الطرفين حتى على المستوى الشعبي إذ هناك الكثير من السوريين عاشوا في ليبيا على مر الزمن”.
وأوضح البدري في تصريح لـ”اندبندنت عربية” أن “هذه العلاقات لها ارتكازات شعبية لا تتغير بكل تأكيد، لكن نتيجة للتحولات الكبيرة التي حدثت في المنطقة العربية بعد ‘الربيع العربي’ أصبحت العلاقات تمر بمرحلة من البعد وعدم التواصل نظراً إلى طبيعة المرحلة وظروف كلا الدولتين”.
وشدد على أن “ليبيا منشغلة بالانقسام السياسي والمؤسساتي الذي تشهده منذ أعوام، وسوريا كانت هي الأخرى منشغلة بأحداثها، لذلك كان هناك تباعد، ولا أتصور أنه بات لدى البلدين أولوية في مسألة تدعيم العلاقات بينهما ولا أعتقد أن المشير خليفة حفتر له علاقات مع الأسد الذي كان يمر بمرحلة صعبة ولم يستطع بناء علاقات مع حفتر أو غيره”.
وخلُص البدري إلى أن “العلاقة بين سوريا وليبيا ستشهد تطوراً بكل تأكيد، إذ لا يوجد تباعد في توجهات البلدين خصوصاً بعد سقوط نظامَي القذافي والأسد، نقاط التوافق والتفاهم هي السمة الغالبة في طبيعة العلاقات بين ليبيا وسوريا”.
علاقات طبيعية لتونس
أما تونس، فسارعت خلال فترة حكم الترويكا بقيادة حركة “النهضة” الإسلامية عام 2012 إلى قطع علاقاتها مع النظام السوري في خطوة استمرت حتى العام الماضي عندما طبّع الرئيس قيس سعيد العلاقات مع دمشق، وقبل أيام من فرار الأسد، أصدرت السلطات التونسية بياناً قالت فيه إنها “تندد بهجمات الجماعات الإرهابية على شمال سوريا”، لكنها عادت إثر سيطرة فصائل المعارضة على دمشق لتستدرك بالقول إن “النظام السياسي شأن سوري خالص يختاره الشعب السوري صاحب السيادة، وهو وحده له الحق في تقرير مصيره بنفسه بمنأى عن أي شكل من أشكال التدخل الخارجي” ما يثير تساؤلات إزاء هذا “التناقض” ومآلات العلاقات بين تونس وقادة سوريا الجدد.
وإزاء ذلك، اعتبر الدبلوماسي التونسي، أحمد ونيس، أن “تونس ستواصل العلاقات الطبيعية مع احترام الحكم السوري الجديد لأنه يعكس إرادة السوريين، نحن سنتعامل معه خصوصاً أن علاقات الأخوة قائمة بين دمشق وتونس منذ عقود”، وأضاف ونيس أن “’هيئة تحرير الشام‘ هي حركة إسلامية وتلقت دعماً خارجياً منقطع النظير من أجل قهر نظام الأسد، لكن أعتقد أنه لا يوجد نظام يقوم في سوريا دون أن يطالب بتحرير فلسطين والجولان لذا ستتعامل تونس مع أي نظام قائم هناك”.
الجزائر خسرت حليفاً
في المقابل، خسرت الجزائر بسقوط الأسد حليفاً دعمته حتى النهاية، إذ لم تجمد السلطات العلاقات مع النظام السوري عام 2012، بينما دعمت بشدة عودة سوريا إلى جامعة الدول العربية.
وقال الباحث السياسي الجزائري، صابر البليدي، إن “العلاقات الجزائرية–السورية ليست وليدة اليوم أو عقود خلت، بل تعود في عصرها الحديث إلى القرن الـ19، فاختيار الأمير عبدالقادر الإقامة في دمشق بعد إطلاق سراحه في فرنسا ودوره هناك في إطفاء واحدة من الأزمات الإثنية والطائفية، خلق أواصر وعلاقات اجتماعية عميقة امتدت عبر الأجيال. وعلى صعيد الدول الوطنية المستقلة، ظل محور الجزائر–دمشق محوراً مثالياً في العلاقات العربية – العربية، وبخاصة مع دخول البلدين في خط واحد يتعلق بمحاربة الإرهاب والتطرف منذ تسعينيات القرن الماضي”.
وأردف البليدي أن “بيان الدعم الذي وجهته الجزائر إلى الرئيس المخلوع بشار الأسد، أياماً قليلة قبل سقوطه، يترجم طبيعة تلك العلاقة النادرة بين البلدين في العالم العربي، على رغم أن البعض اعتبره قصور رؤية وسوء استشراف للتطورات والتحولات في المنطقة، فإن العارفين بالعقيدة الجزائرية لا يفاجئهم الموقف، لأنهم يعرفون أن الجزائر لا يمكن أن تطلق النار على سيارة الإسعاف، أو تفرط في حليف على حافة الهاوية”.
وشدد على أن “سقوط نظام الأسد حوّل الأنظار مباشرة إلى الجزائر، لاعتبارات كثيرة أهمها تشابه في تركيبة النظام السياسي ومساره في البلدين، فعرّابو التغيير في العالم العربي صنّفوا الجزائر وسوريا في خانة واحدة على رغم جملة الفوارق والاختلافات التي غطاها التحالف السياسي بينهما، ومع ذلك فإن الجزائر خسرت فعلاً الأسد باعتباره حليفاً سياسياً، لكنها لم تخسر سوريا باعتبارها امتداداً تاريخياً وقومياً”.
وإثر سقوط الأسد، دعت الجزائر إلى المحافظة على وحدة سوريا وسلامة مقدراتها والذهاب إلى انتقال سلس بعيداً من العنف والفوضى.
تريث في نواكشوط
كذلك سارت موريتانيا على نهج الجزائر إذ دعمت نظام الأسد حتى فراره من دمشق، وامتنعت منذ انطلاق الاحتجاجات السورية عن طرد السفير من نواكشوط أو قطع العلاقات مما يثير تساؤلات حول مستقبل العلاقة بين موريتانيا والحكام الجدد في سوريا، وكان الرئيس الموريتاني محمد ولد الشيخ الغزواني أول رئيس هنأ الأسد بالعيد الوطني السوري الذي يوافق الـ17 من نيسان (أبريل) من كل عام.
وقال الباحث السياسي الموريتاني، سلطان ألبان، إن “الحديث عن مستقبل العلاقات بين موريتانيا وسوريا على ضوء سقوط نظام الأسد لا يزال مبكراً، صحيح أن بشار الأسد سقط وأن الأحداث الجارية تشير إلى انحسار للمد الإيراني في المنطقة، لكن هذين المؤشرين ليسا كافيين للحكم على مصير علاقات البلدين خصوصاً أن موقف نواكشوط الداعم للأنظمة التي تواجه احتجاجات تطالب بسقوطها، ليس بجديد”.
وتابع ألبان، “موريتانيا دعمت رئيس ساحل العاج السابق لوران غباغبو، والزعيم الليبي السابق معمر القذافي إضافة إلى نظامي زين العابدين بن علي في تونس وحسني مبارك في مصر حتى اللحظات الأخيرة، وذلك في أيام حكم الرئيس الموريتاني السابق محمد ولد عبدالعزيز الذي ورّث الحكم والسياسة لخلفه، وعلى امتداد أكثر من عقد من الزمن لم تعر نواكشوط أي اهتمام لعشرات الاحتجاجات التي طالبت النظام بطرد السفير السوري من البلاد وقطع العلاقات الدبلوماسية مع نظام بشار الأسد”.
وبيّن أنه “لا تزال دمشق ونواكشوط ترتبطان بعلاقات دبلوماسية بينية، إذ تواصل السفارة الموريتانية لدى دمشق عملها، كما تمارس السفارة السورية لدى نواكشوط نشاطها”.
واستنتج ألبان أن “بين ماضٍ صديق وحاضر مظلم تبقى موريتانيا تنظر بعين التريث إلى سوريا التي لا تزال تشهد حال فوضى بين الثوار وبقايا النظام، مما يترك مساحة لكي نفهم حقيقةً مستقبل سوريا”.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
خلافات بين المغرب ونظام الأسد
بخلاف الجزائر وموريتانيا، سارع المغرب عام 2012 إلى قطع العلاقات مع سوريا الأسد في امتداد لعدد من المواقف العربية تجاه الانتفاضة التي اندلعت في دمشق.
وعلى رغم ذلك، فإن وزير الخارجية المغربي، ناصر بوريطة، اكتفى في تعليقه عن سقوط الأسد بالقول إن “المملكة المغربية تتابع باهتمام كبيرة التطورات المهمة في سوريا ونأمل أن تسهم هذه المستجدات في تحقيق تطلعات الشعب السوري نحو الاستقرار والتنمية”.
وعلّق الباحث السياسي المغربي، رشيد لزرق، على ذلك بالقول إن “هذا هو المطلوب، لأن تعافي العلاقات المغربية–السورية لا يمكن أن يكون بمجرد سقوط الأسد بل هو رهين حدوث تغيير جذري في سوريا، ووجود إرادة سياسية قوية من الجانبين لتجاوز الخلافات السابقة وبناء علاقات متينة تخدم مصالح البلدين والشعبين”.
وتابع لزرق في تصريح خاص أنه “من الممكن أن يعطي سقوط الأسد بالفعل دفعة قوية للعلاقات بين البلدين ويفتح آفاقاً خصوصاً في ملف إعادة إعمار سوريا لما يملكه المغرب من خبرة، غير أن ذلك يبقى رهن تحقيق شروط أساسية، أهمها موقف دمشق من قضية الصحراء واستقرار الوضع السياسي والأمني في سوريا، وتوافق دولي وإقليمي حول مستقبل البلاد”.
نقلاً عن : اندبندنت عربية