مع إعلان مدير مكتب التحقيقات الفيدرالي (أف بي آي) كريستوفر راي عزمه الاستقالة مع نهاية ولاية الرئيس جو بايدن، عقب تأكيد الرئيس المنتخب دونالد ترمب عزمه تعيين “كاش باتيل” في هذا المنصب ضمن إدارته الجديدة، تدور أسئلة كثيرة حول قدرة الأخير على إحداث تغييرات واسعة في أحد أهم أجهزة الدولة العميقة الأميركية، فهل سيتمكن من النجاح في مهمته؟ وما أهم التغييرات المحتملة؟ وما دور الـ”أف بي آي” وأجندة عمله؟ وكيف يمكن أن يؤثر ذلك في حياة الأميركيين؟
مستقبل غامض
اتخذت الدراما السياسية حول مستقبل مكتب التحقيقات الفيدرالي الأميركي (أف بي آي) منعطفاً جديداً هذا الأسبوع مع إعلان مدير الجهاز الحالي الذي عينه ترمب عام 2017 في دورته الرئاسية الأولى، كريستوفر راي عزمه الاستقالة قبل الـ20 من يناير (كانون الثاني) 2025، على رغم أنه لم يكمل الأعوام الـ10 التي يستغرقها مديرو “أف بي آي” في المنصب وفقاً لقانون أقره الكونغرس عام 1976، بحيث لا يمكن فصلهم إلا لسبب وجيه بغرض منع النفوذ السياسي من الإدارة وتأكيداً لمبدأ الاستقلالية عن البيت الأبيض.
وعلى رغم الضجة التي رافقت الاستقالة من غالبية الديمقراطيين في الكونغرس الذين رغبوا في تحدي ترمب وإجباره على إقالة مدير المكتب لإظهار مخالفته القانون، على اعتبار أن راي ما زال لديه عامان في الخدمة، فإن كريستوفر راي فضل تجنب تحدي رئيسه السابق ترمب بعد أسابيع فقط من إعلان الرئيس المنتخب رغبته في تعيين شخص آخر في هذا المنصب هو كاش باتيل، الحليف المثير للجدل الذي دافع عن المجموعات التي اقتحمت الكابيتول هيل في السادس من يناير 2021، وهدد بطرد عملاء مكتب التحقيقات الفيدرالي وتعهد بالتحقيق مع الصحافيين.
وليس معروفاً بعد ما هو المستقبل الذي ينتظر الـ”أف بي آي” في ظل الغموض الذي يكتنف عملية التصديق على باتيل في مجلس الشيوخ، فخلال وقت حصل فيه باتيل على دعم واسع من الجمهوريين في لجنة القضاء بالمجلس، مما يمهد الطريق أمامه في ظل صعوبة معارضته لاحقاً من أي سيناتور أميركي يحترم المؤسسية، إلا أنه من السابق لأوانه التأكد تماماً من التصديق عليه بالنظر إلى أن مجموعة الأعضاء الذين لا يتمتع ترمب بأي نفوذ عليهم، مثل ميتش ماكونيل وليزا موركوفسكي وسوزان كولينز لم يحددوا مواقفهم بعد بسبب آرائه الاستقطابية العميقة حول تنظيف مكتب التحقيقات الفيدرالي، وما يطلق عليه المنتقدون “قائمة الأعداء” التي يستهدفها. ومع ذلك حاول السيناتور جون كورنين التخفيف من تأثير باتيل المحتمل، إذ توقع التصديق على تعيينه ورفض المخاوف في شأن ما ينوي فعله باعتبار كلماته خطابية ولا تخرج عن كونها مبالغة.
تفكيك الدولة العميقة
يتفق كثرٌ من مؤيدي ومعارضي باتيل على أنه من نوع الرجال الذين يرشحون من قبل الرئيس إذا كان ينوي كسر أو تفكيك شيء ما، وفي هذه الحال فإن المقصود هو ما يسميه الرئيس المنتخب “الدولة العميقة”، وأن المكتب الذي يأمل باتيل في قيادته يجب أن يستعد للأسوأ بعدما صرح الأخير في مقابلات بودكاست أنه سيغلق “مبنى هوفر” التابع لمكتب التحقيقات الفيدرالي في اليوم الأول، ويعيد فتحه خلال اليوم التالي كمتحف للدولة العميقة. وفي كتابه الذي نشره عام 2023، وصف فئة المسؤولين الذين يشكلون “الدولة العميقة” بأنهم “عصابات الحكومة ومخلوقات المستنقع”، وفي مرات أخرى وصفهم بـ”الحاقدين” وحتى “الأوغاد”.
وفي مقابلة أخرى مع بودكاست “غرفة حرب” الذي يقدمه ستيف بانون مستشار ترمب السابق، قال باتيل إن الإدارة القادمة ستجد المتآمرين ليس فقط في الحكومة ولكن في وسائل الإعلام أيضاً، متعهداً بملاحقة جنائية أو مدنية للصحافيين والإعلاميين الذين كذبوا على المواطنين الأميركيين، والذين ساعدوا جو بايدن في تزوير الانتخابات الرئاسية وسيضعهم جميعاً تحت الملاحظة.
قبل عقد من الزمان، كان أي شخص يقول مثل هذه الكلمات يُستبعد من إدارة مكتب التحقيقات الفيدرالي، ولكن بالنسبة للرئيس المقبل فإن عداء باتيل للمؤسسة السياسية والبيروقراطية في واشنطن هو أعظم مؤهل له للحصول على الوظيفة، ويمكن فهم السبب وراء ذلك، وهو أن البيروقراطية الدائمة فعلت كل ما في وسعها لتقويض ترمب خلال فترة ولايته الأولى، من تسريبات لمواد سرية للغاية وتحقيق طويل الأمد لمكتب التحقيقات الفيدرالي في تواطؤ حملة ترمب المزعوم مع روسيا، وانتهاء بتفاخر مسؤول مجهول في وزارة الأمن الداخلي نشر مقال رأي لصحيفة “نيويورك تايمز” بأنه “جزء من المقاومة”، ويعمل على إحباط أجندة ترمب. لذا من المفهوم لماذا يريد ترمب شخصاً يحتقر “الدولة العميقة”.
التغييرات المحتملة
غير أنه مع إقرار بعض بأن باتيل محق إلى حد كبير في أن متاهة بيروقراطيات الأمن القومي التي تشكل الدولة العميقة الأميركية في حاجة ماسة إلى الإصلاح، تتزايد المخاوف من أن وعوده بالانتقام ستخرب جهوده وأنه سيلحق مزيد من الضرر بمؤسسة فقدت جزئياً صدقيتها، كما يقول المدير التنفيذي المساعد السابق لمكتب التحقيقات الفيدرالي كريس بيهوتا، الذي رأى أن كاش باتيل سيواجه مشكلة لأن الـ”أف بي آي” مهم للغاية بحيث لا يمكن وضعه في أيدي شخص ينظر إليه على أنه سياسي ليقوم بتمزيقه.
وتتضمن أفكار باتيل الإصلاحية لمكتب التحقيقات الفيدرالي تغييرات كبيرة على محكمة مراقبة الاستخبارات الأجنبية السرية التي توافق على أوامر التنصت على المواطنين الأميركيين، بعدما كشف عن إساءة استخدام هذه العملية أثناء فضيحة روسيا، ويريد باتيل الذي عمل كمحام عام ومدع فيدرالي جعل محكمة المراقبة السرية أشبه بالمحاكم الأميركية الأخرى، بما يسمح بتوفير محامين مستقلين للجدال ضد أوامر المراقبة ومراجعة الطلبات، والمواجهة نيابة عن الأشخاص الذين يريد مكتب التحقيقات الفيدرالي التنصت عليهم.
لكن الإصلاح الأكثر أهمية الذي من المرجح أن يدفع به باتيل هو الحد من السرية المفرطة للدولة ورفع السرية عن عديد من الوثائق، مثل تلك التي كشفت عن الفضائح المزيفة التي ابتليت بها إدارة ترمب الأولى في أول عامين لها. ويبدو أن باتيل جاد للغاية في شأن رغبته في تجريد الـ”أف بي آي” من مسؤوليات الاستخبارات تماماً حتى يركز فقط على التحقيقات الجنائية، وهو أمر من شأنه أن يشكل ضربة كبيرة لهيبة مكتب التحقيقات الفيدرالي الذي تعقب الإرهابيين والعملاء الشيوعيين بنجاح على مر الأعوام، لكنه أساء أيضاً استخدام سلطات المراقبة الواسعة النطاق ضد مواطنين أميركيين.
ومن المحتمل أن يؤدي ترشيح باتيل إلى إثارة ديناميكية في واشنطن مثل تلك التي ظهرت قبل 50 عاماً، عندما أنشأ مجلس الشيوخ في أعقاب فضيحة “ووترغيت” لجنة خاصة لفحص وكالات الاستخبارات، وكشفت تلك اللجنة عن فضيحة حقيقية بما في ذلك الحرب النفسية لمكتب التحقيقات الفيدرالي ضد داعية الحقوق المدنية مارتن لوثر كينغ جونيور، وتجارب وكالة الاستخبارات المركزية على السجناء والمرضى العقليين باستخدام عقار “أل أس دي”، والتي كانت المرة الأولى والوحيدة التي تتلقى فيها الدولة العميقة الأميركية مثل هذا الفحص المعمق.
مصاعب وعراقيل
ولم يكن هذا ممكناً من دون التعاون الضمني من جانب مدير وكالة الاستخبارات المركزية آنذاك ويليام كولبي، الذي وافق على الإفراج عن كميات هائلة من الوثائق للجنة. وعلى افتراض أن الكونغرس القادم بقيادة الجمهوريين قرر الشروع في مهمة مماثلة وهو ما يبدو مرجحاً، فقد يكون باتيل هو المفتاح لبدء المحاسبة المقبلة لمكتب التحقيقات الفيدرالي.
ومع ذلك، فإن حقيقة أن باتيل تحدث علناً عن السعي إلى الانتقام من مرتكبي الجرائم في الدولة العميقة والصحافيين من شأنها أن تجعل إصلاحاته أكثر صعوبة في التوصل إلى تحسين أداء مكتب التحقيقات الفيدرالي بصورة فعالة، لأنه سيحتاج إلى حلفاء داخل المبنى إضافة إلى التعاون من الكونغرس، وسيحتاج أيضاً إلى التوقف عن لعب دور قاذف القنابل والبدء في لعب دور المصلح الحقيقي، بينما يعتزم تغيير قيادات المكتب وإعادة هيكلته بصورة ستؤثر في أدائه ربما لعقود مقبلة.
وتتمثل المشكلة الأكبر في أن قائمته بأعضاء “الدولة العميقة في السلطة التنفيذية” تشبه إلى حد كبير نوع قائمة الأعداء التي أوقعت الرئيس ريتشارد نيكسون في كثير من المتاعب، كما أنها واسعة النطاق لدرجة أنها قد تجلب نيراناً مضادة، إذ تشمل القائمة وكيل مكتب التحقيقات الفيدرالي السابق بيتر سزتروك الذي عمل على تحقيق ترمب في فضيحة روسيا، فضلاً عن المدعي العام الثاني لترمب، ويليام بار والمتحدثة السابقة باسم وزارة العدل سارة إيسغور.
جدل منذ القدم
وتنكأ محاولات إصلاح مكتب التحقيقات الفيدرالي جراحاً قديمة يعرفها كبار السن في الولايات المتحدة الذين يتذكرون وقتاً كان فيه “جيه إدغار هوفر” يدير الوكالة، والذي استمرت ولايته كمدير للمكتب ما يقارب نصف قرن اشتهر فيها بمضايقة المعارضين السياسيين وإساءة استخدام سلطته، فضلاً عن مراحل أخرى تالية شهدت انتهاكات لحقوق الأميركيين مما أثار مطالب دائمة بالإصلاح، لكنها لم تصل أبداً إلى نهايتها المنشودة.
ووفقاً لموقع الـ”أف بي آي” فإنه لا يعد قوة شرطة وطنية وإنما منظمة للأمن القومي تعمل بصورة وثيقة مع شركاء في الولايات المتحدة وجميع أنحاء العالم، للتصدي لأخطر التهديدات الأمنية التي تواجه الولايات المتحدة، ويتمتع المكتب بالسلطة والمسؤولية للتحقيق في جرائم محددة مخصصة له، وتزويد وكالات إنفاذ القانون الأخرى بخدمات تعاونية مثل تحديد بصمات الأصابع والفحوص المختبرية والتدريب، ويقوم بجمع المعلومات الاستخباراتية وتبادلها وتحليلها لدعم تحقيقاته الخاصة وتحقيقات شركائه، لفهم التهديدات الأمنية التي تواجه الولايات المتحدة ومكافحتها بصورة أفضل.
نشأة وتطور الـ”أف بي آي”
عندما أنشئت وزارة العدل الأميركية خلال عام 1870 لفرض القانون الفيدرالي وتنسيق السياسة القضائية لم يكن بين موظفيها محققون دائمون، واعتمدت على محققين خاصين عندما احتاجت إلى التحقيق في الجرائم الفيدرالية ثم استأجرت محققين من وكالات فيدرالية أخرى، مثل عناصر الخدمة السرية التي أنشأتها وزارة الخزانة عام 1865 للتحقيق في التزوير.
وخلال الـ26 من يوليو (تموز) من عام 1908 عين المدعي العام تشارلز بونابرت وهو نجل شقيق إمبراطور فرنسا نابليون بونابرت عدداً من العملاء الخاصين، ليكونوا قوة التحقيق في وزارة العدل وتطورت هذه المجموعة لاحقاً لتصبح مكتب التحقيقات الفيدرالي.
ووفقاً لموقع “هيستوري” الأميركي، استخدمت الحكومة الفيدرالية المكتب أداة للتحقيق مع المجرمين الذين تهربوا من الملاحقة القضائية، وفي غضون أعوام قليلة زاد عدد العملاء إلى أكثر من 300 عنصر، وركز المكتب على التحقيق في الجرائم الفيدرالية في أمور مثل الابتزاز والاحتيال والفساد العام والمخططات المالية غير القانونية والجريمة المنظمة، غير أن بعض أعضاء الكونغرس كانوا يخشون أن السلطة المتنامية لدى المكتب يمكن أن تؤدي إلى إساءة استخدام السلطة، لكن مع دخول الولايات المتحدة الحرب العالمية الأولى عام 1917 تم تكليف المكتب مسؤولية التحقيق في عمليات التجنيد، وملاحقة مخالفي قانون التجسس لعام 1917، والمهاجرين المشتبه في تورطهم بالتطرف.
وخلال ثلاثينيات وأربعينيات القرن الـ20 ركز مكتب التحقيقات الفيدرالي على الأفراد المرتبطين بقوى المحور ألمانيا وإيطاليا واليابان، ثم تحول نحو الشيوعيين والبلاشفة مع نمو نفوذ الاتحاد السوفياتي أثناء الحرب الباردة. ومع فورة تحمس مكتب التحقيقات الفيدرالي لاستئصال ومنع النفوذ السوفياتي في الولايات المتحدة، بدأ ما يمكن القول إنه الفصل الأكثر قتامة في تاريخ المنظمة.
الفترة المظلمة
خلال عام 1956، أطلق جيه إدغار هوفر برنامجاً سرياً لمكافحة التجسس تحت اسم “كوينتيلبرو” الذي استهدف بداية الحزب الشيوعي الأميركي، لكنه توسع لاحقاً من أجل التسلل ثم تعطيل أية منظمة راديكالية في أميركا. وخلال الستينيات استخدم الموارد الهائلة لـ”كوينتيلبرو” ضد الجماعات الخطرة والعنصرية مثل “كو كلوكس كلان”، لكنه استخدم أيضاً ضد منظمات الحقوق المدنية الأميركية – الأفريقية والمنظمات الليبرالية المناهضة لحرب فيتنام، وكان من بين الشخصيات المستهدفة خصوصاً زعيم الحقوق المدنية مارتن لوثر كينغ الذي تعرض لمضايقات ممنهجة من مكتب التحقيقات الفيدرالي.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
حماية نيكسون
وخلال عام 1969 كانت وسائل الإعلام والجمهور والكونغرس متشككين في أن مكتب التحقيقات الفيدرالي ربما يسيء استخدام سلطته، وللمرة الأولى في حياته المهنية تعرض هوفر لانتقادات واسعة النطاق، ورد الكونغرس بإصدار قوانين تتطلب موافقة مجلس الشيوخ على تعيين مديري مكتب التحقيقات الفيدرالي المستقبليين وتقييد فترة ولايتهم إلى 10 أعوام.
وخلال الثاني من مايو (أيار) 1972 بينما كانت فضيحة “ووترغيت” على وشك الانفجار توفي هوفر بمرض في القلب، بينما كشفت قضية “ووترغيت” لاحقاً أن مكتب التحقيقات الفيدرالي قام بحماية الرئيس نيكسون بصورة غير قانونية من التحقيق. وحقق الكونغرس مع مسؤولي المكتب بدقة، ودفع الكشف عن إساءة استخدام المكتب للسلطة والمراقبة غير الدستورية الكونغرس ووسائل الإعلام إلى أن يصبحوا أكثر يقظة حيال برامج المراقبة المستقبلية، التي يتبعها المكتب.
ما دور مدير الـ”أف بي آي”؟
يعين الرئيس الأميركي مدير مكتب التحقيقات الفيدرالي ويصدق على هذا التعيين من قبل مجلس الشيوخ بالغالبية البسيطة للأعضاء، ومع ذلك لا يعد مدير “أف بي آي” عضواً في مجلس الوزراء الرئاسي، ذلك لأن مكتب التحقيقات الفيدرالي يعد وكالة فرعية تابعة لوزارة العدل يترأسها النائب العام الذي هو عضو في مجلس الوزراء، ويخدم مدير مكتب التحقيقات الفيدرالي لمدة 10 أعوام كاملة بهدف عزل المدير نظرياً عن الضغوط السياسية من البيت الأبيض.
ولا توجد خلفية واحدة تناسب الجميع بالنسبة إلى مدير مكتب التحقيقات الفيدرالي، فقد اختير بعض بسبب معرفتهم بإنفاذ القانون الفيدرالي وكان بعض قضاة سابقين مثل ويليام وبستر، أو مدعين عامين سابقين أو محامين في وزارة العدل مثل جيمس كومي وروبرت مولر وكريستوفر راي، والمرشح الحالي للرئيس ترمب، كاش باتيل، وكان أحدهم وهو لويس فريه عميلاً خاصاً سابقاً لمكتب التحقيقات الفيدرالي.
ويتعين على مدير مكتب التحقيقات الفيدرالي إدارة علاقات متعددة من أجل القيام بواجبات المنصب بصورة فعالة، إذ يقدم المدير تقاريره إلى كل من المدعي العام والرئيس وتشرف عليه لجان القضاء والاستخبارات في الكونغرس، ويتعين عليه الحفاظ على ثقة الشعب الأميركي في التحقيق بالجرائم ومنع التهديدات للأمن القومي.
وفي بعض الإدارات كانت العلاقة بين الرئيس ومدير مكتب التحقيقات الفيدرالي فاترة، وفي تلك الحالات يكون المدعي العام هو الذي يحدد المسار لمكتب التحقيقات الفيدرالي. وهنا يأتي دور الرئيس أو غيره من كبار موظفي البيت الأبيض، فإما أن يثقوا في مدير مكتب التحقيقات الفيدرالي والمدعي العام وما يفعلانه، أو أن الأمر لا يشكل أولوية بالنسبة إليهم.
وفي أوقات أخرى كان الرئيس يريد معرفة ما يفعله مدير مكتب التحقيقات الفيدرالي، والتأكد من أنه يتحرك وفقاً للأولويات التي حددها الرئيس، ولكن يجب أن يقتصر ذلك على البقاء ضمن حدود الدستور والالتزام بالمبادئ التوجيهية الداخلية لمكتب التحقيقات الفيدرالي.
وعلى سبيل المثال كان روبرت مولر يركز بصورة كبيرة على دفع مكتب التحقيقات الفيدرالي كمنظمة إلى عقلية مختلفة على المستوى التنظيمي والبيروقراطي، لمواجهة مشهد التهديد الإرهابي الذي واجهته البلاد بعد أحداث الـ11 من سبتمبر (أيلول) 2001، وهو ما استلزم تحويل مكتب التحقيقات الفيدرالي إلى منظمة يحركها العمل الاستخباراتي، إذ تستخدم المعلومات لمنع حدوث تهديدات الأمن القومي أو تعطيلها، بدلاً من الاستجابة للجرائم والتحقيق فيها بعد وقوعها.
لكن معرفة ما يحدث في الميدان أمر مهم لأن مكتب التحقيقات الفيدرالي ليس مجرد منظمة مقرها واشنطن العاصمة، إذ إن هناك 55 مكتباً ميدانياً في جميع أنحاء الولايات المتحدة وبورتوريكو ويتم توزيع الجزء الأكبر من قوة عمل مكتب التحقيقات الفيدرالي عبر هذه المكاتب، إذ تعد واشنطن العاصمة ومدينة نيويورك ولوس أنجليس أكبر ثلاثة مكاتب إضافة إلى موظفي مكتب التحقيقات الفيدرالي المنتشرين في الخارج، كجزء من برنامج الملحق القانوني أو في مهام موقتة في جميع أنحاء العالم.
ما سلطات المكتب؟
تعد سلطة التحقيق في مكتب التحقيقات الفيدرالي الأوسع بين جميع وكالات إنفاذ القانون الفيدرالية الأميركية، وتنقسم تحقيقاته إلى عدد من البرامج مثل الإرهاب المحلي والدولي ومكافحة التجسس الأجنبي والجريمة الإلكترونية، والفساد بصورة عامة والحقوق المدنية والجريمة المنظمة والمخدرات وجرائم ذوي الياقات البيضاء، والجرائم العنيفة وملاحقة المجرمين الرئيسين والجرائم عبر الولايات.
ولدى مكتب التحقيقات الفيدرالي مجموعة من السلطات القانونية التي تمكنه من التحقيق في الجرائم الفيدرالية وتهديدات الأمن القومي، فضلاً عن جمع المعلومات الاستخباراتية ومساعدة وكالات إنفاذ القانون الأخرى، ويمنح القانون الفيدرالي المكتب سلطة التحقيق في جميع الجرائم الفيدرالية غير المخصصة حصراً لوكالة فيدرالية أخرى.
لكن التغييرات التي يمكن أن يحدثها كاش باتيل ستغير من وجه ودور مكتب التحقيقات الفيدرالي ربما لعقود قادمة إذا قدر له النجاح خلال وقت قصير، لأن احتمالات فوز الديمقراطيين بمجلس النواب في انتخابات التجديد النصفي خلال نوفمبر (تشرين الثاني) 2026 من شأنها أن تعرقل جهود باتيل جزئياً في الأقل.
نقلاً عن : اندبندنت عربية