على مدى 22 شهراً من الحرب الدائرة بين الجيش السوداني وقوات “الدعم السريع”، سطر المتطوعون ملحمة بطولية وأظهروا بسالة على جبهة الإنسانية والصمود لإنقاذ حياة ملايين السودانيين من خلال تقديم خدمات المطابخ الخيرية والمياه والكهرباء، وكذلك توزيع المواد الغذائية والرعاية الصحية وتنظيم عمليات الإجلاء من مناطق القتال إلى المدن الآمنة.
ويخوض المتطوعون معركة من نوع آخر في مواجهة شبح الجوع وتفشي الأمراض وتزايد أعداد جرحى الاشتباكات المسلحة، في وقت يخاطرون بحياتهم يومياً لتقديم المساعدات، ويواجهون الاستهداف من قبل طرفي الصراع، إضافة إلى تعرض عدد منهم للقتل والتوقيف والاعتقال.
مبادرات وعقبات
المتطوع في محلية بحري سالم التوم قال إن “تفاقم الأوضاع الإنسانية وعجز مؤسسات الدولة عن تقديم الخدمات للسكان الموجودين في مناطق النزاع المسلح، جعل المتطوعين يتصدون للمهمة من أجل سد جزء كبير من هذا الفراغ من خلال تقديم المساعدات الضرورية بخاصة خدمات الرعاية الصحية والكهرباء والماء وتوفير الغذاء بدعم من تبرعات المغتربين السودانيين، إضافة إلى بعض المنظمات المحلية والدولية”.
وذكر التوم أن “هناك عقبات أمام إيصال المساعدات والأدوية للمستشفيات والمراكز الصحية، إلى جانب المواد الغذائية، إذ تُوقف في نقاط التفتيش وتُصادر أحياناً قبل أن تصل إلى وجهتها”.
وأوضح أن “كثيراً من المتطوعين يتعرضون للاستهداف من قبل طرفي الصراع، علاوة على تزايد عمليات سلب ونهب المواد الغذائية والأدوية في الطرقات ومن أماكن تأمينها، فضلاً عن احتجاز الجيش السوداني وقوات ’الدعم السريع‘ متطوعين كثراً للاشتباه في تعاونهم مع الطرف الآخر، فضلاً عن تعرض آخرين للتفتيش والاعتقالات، وكذلك حدثت حالات وفاة لبعضهم”.
صمود وتحديات
أشار المتطوع في منطقة الثورات بمدينة أم درمان خطاب دياب إلى أن “مبادرات التطوع ظلت مستمرة لأكثر من 20 شهراً، ولم تقتصر على تقديم الوجبات اليومية وخدمات الكهرباء والماء، إذ تشكلت مجموعات من الأطباء والصيادلة لتوفير الحاجات الأساسية، خصوصاً أدوية الأمراض المزمنة كالسكري والضغط، إضافة إلى متابعة الحالات الحرجة مثل الولادة والعمليات الجراحية الصغيرة، وكذلك انتظام أطباء وممرضين في العمل مجاناً بمستشفى النو في أم درمان”.
وأعرب دياب عن اعتقاده أن الدولة فشلت في التعامل مع الأوضاع الكارثية للسكان، لا سيما بعد تمدد المجاعة وتفشي الأمراض وتزايد أعداد الجرحى نتيجة القصف العشوائي، مما جعل المتطوعين يتصدون للمهمة، على رغم الأخطار اليومية والاستهداف من قبل الجيش السوداني وقوات “الدعم السريع”.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وشكا المتطوع السوداني من أن “انقطاع الدعم والهبات والتمويل للتكايا أدى إلى توقف أكثر من نصف المطابخ الخيرية عن العمل تماماً، بينما تترنح أخريات للأسباب ذاتها، وتقدم القليل منها وجبة واحدة في اليوم، نظراً إلى اعتماد المتطوعين على تبرعات المغتربين ومساهمات الخيرين، فضلاً عن المساعدات العينية من المواد التموينية مثل العدس والدقيق والفاصوليا التي يقدمها بعض التجار من المدن الآمنة”.
شكوك وتخوين
أوضح عضو مفوضية العون الإنساني السودانية السابق جلال محجوب أن “الجيش السوداني وقوات ’الدعم السريع‘ لا يثقان في المتطوعين، ويرجع ذلك إلى وجود أشخاص منهم كانوا أعضاء في لجان المقاومة التي قادت الاحتجاجات خلال انتفاضة ديسمبر (كانون الأول) 2018 التي أطاحت الرئيس السابق عمر البشير”.
ولفت محجوب إلى أن “المتطوعين يعملون في المجال الإنساني منذ اندلاع الحرب ويقدمون خدمات نوعية، لكن تلقي التمويل من المنظمات والمغتربين يضعهم محل شكوك، نظراً إلى أن المجموعات التي تدير هذه المبادرات غير مسجلة لدى الحكومة السودانية وتستخدم في الغالب حسابات مصرفية شخصية وليس هناك أوجه صرف محددة للتمويل”.
وقال “الحكومة تنظر للمتطوعين بأنهم مجرد ناشطين سياسيين لا يدعمون موقفها في الحرب، وكذلك لا تندرج أنشطتهم تحت مظلة العمل الإنساني المتعارف عليه، كما تتهمهم قوات ’الدعم السريع‘ بتلقي أموال من للجيش، لذا تقابل تضحياتهم وصمودهم بالتخوين والشكوك بدلاً من التحفيز والتشجيع لعكس قوة التضامن الإنساني في ظروف الصراع المسلح والأزمات”.
جهود ومواقف
على الصعيد نفسه، لفت المتخصص في التنمية المستدامة هيثم بشري إلى أن “المتطوعين أسهموا في التعاطي بفاعلية مع الوضع الإنساني عقب اندلاع الحرب مباشرة في مدن العاصمة الثلاث بحري وأم درمان والخرطوم، وتمددت المبادرات لتشمل الولايات التي تشهد نزاعات مسلحة في البلاد”.
وبين بشري أن “الاستهداف الذي يتعرض له المتطوعون غير مبرر، نظراً إلى أنهم يعملون لمساعدة الجوعى والمرضى والنازحين من واقع أنهم يعبرون عن المجتمعات التي يمثلونها، لذا فهذه المواقف تؤكد عدم انتمائهم لأي جهة سياسية أو طرف في الحرب”.
وشدد المتخصص في التنمية المستدامة على أهمية دعم الجهود الإنسانية التي أسهمت في إنقاذ حياة ملايين السودانيين، على رغم أخطار القصف العشوائي وانفراط الأمن، إلى جانب الاستهداف من قبل طرفي الحرب تحت ذريعة الانتماء والعمل المباشر لمصلحة الآخر.
أدوار فاعلة
أشاد والي الخرطوم أحمد عثمان حمزة بالدور الريادي الذي يلعبه المتطوعون في تقديم الغذاء والإيواء للمتضررين وتأمين الأحياء وتحسين خدمات الكهرباء والمياه، وكذلك العون الإنساني من أجل تطبيع الحياة.
وتطرق حمزة إلى المجهودات التي قامت بها الولاية عبر غرف الطوارئ والمجموعات الطوعية التي تدير التكايا والمطابخ لتقديم وجبات غذائية للنازحين والعالقين، لافتاً إلى أن “الحرب كشفت الجوانب الإيجابية للشعب السوداني في التكافل والتعاون مما خفف من معاناة المواطنين”.
في حين، قال مدير عام وزارة التنمية الاجتماعية في ولاية الخرطوم (الوزير المكلف)، صديق فريني إن “حكومية الولاية على استعداد كامل للتعاون مع المبادرات الجادة التي تخدم المجتمع بخاصة دور المتطوعين في تقديم الخدمات الضرورية”، داعياً إلى أهمية تضافر الجهود لخدمة المجتمع، لا سيما في ظل الظروف الحالية التي تواجه آلاف السودانيين.
نقلاً عن : اندبندنت عربية