ريال مدريد هو ملك أوروبا، وكان هذا صحيحاً حتى قبل الكأس الـ15.
ربما لم يكن فوز ريال مدريد في يونيو (حزيران) الماضي بلقب دوري أبطال أوروبا للمرة الـ15 في تاريخه والسادسة في 11 عاماً مميزاً مقارنة بالبطولات الأخرى التي تحققت في وجود كريستيانو رونالدو وكريم بنزيما سابقاً، ومع ذلك، بدا أن هيمنتهم وتفوقهم مقدر لهما الاستمرار لعقد ثالث، على رغم امتلاك المنافسين موارد ومزايا مماثلة.
لقد تجلى ذلك عندما وقعوا – مقابل رسوم الوكلاء ومكافآت التوقيع – مع كيليان مبابي مجاناً، لينضم أحد اللاعبين المميزين لجيل لم يصل نظرياً إلى ذروته بعد في أعظم فريق في أوروبا، وفي البداية كان التعاقد الضخم الذي أبرمه النادي، والذي تضمن رسوماً مذهلة بلغت 150 مليون يورو (156.19 مليون دولار)، بمثابة نظرة قاتمة للجماهير التي كانت تأمل في منافسة غير متوقعة على الجائزة الأكبر في كرة القدم الأوروبية في الأعوام المقبلة.
لقد أصبح ريال مدريد عبارة عن آلة، وليس فقط على أرض الملعب، فقد بنى “كولوسيوم” جديداً، في ما قد يكون أعظم ساحة رياضية في العالم، وقادرة على تعظيم إيرادات النادي، والواقع أن رئيس ريال مدريد فلورنتينو بيريز لديه دائماً خطة طوارئ لتوسيع هيمنته، بغض النظر عن النهاية الحتمية لهؤلاء اللاعبين الأسطوريين المذكورين سابقاً.
خذ على سبيل المثال أيضاً توني كروس الذي اعتزل برشاقة في مايو الماضي، وقد طاف المعلم الألماني على عشب ملعب “ويمبلي” للمرة الأخيرة لضمان رحيل بوروسيا دورتموند وهو يشعر بالألم، ومع ذلك، تدفقت دموع الفرح، وليس الحزن أو القلق في شأن احتمال استبدال أعظم لاعب خط وسط في الجيل.
لقد تم التخطيط لهذا الأمر بعناية شديدة، إذ سيظل “لوس بلانكوس” جاهزاً إلى الأبد في حال هرب أي لاعب من نجومه المتألقين إلى أندية أخرى، وهذا من دون إلقاء نظرة متسرعة على الخيار الأكثر عصرية المتاح في ذلك الصدد، الذي ربما أدى إلى ملاحقة لا هوادة فيها لرودري خلال الصيف الماضي كما كان يحدث في الأجيال السابقة في ملعب “برنابيو”.
بعد نهائي الموسم الماضي، كان الثنائي إدواردو كامافينغا (22 سنة) وفيديريكو فالفيردي (26 سنة) جزءاً لا يتجزأ بالفعل وجاهزاً لاعتلاء عرش كروس، بينما يظل اللاعب الخالد لوكا مودريتش، ينثر مزيداً من غبار النجوم على الملعب.
إن القوة الهائلة التي يتمتع بها جود بيلينغهام، كلاعب كرة قدم متكامل يمتلك كل شيء تحت قدميه، لا تزيد إلا من قوة محرك ريال مدريد الهائل، حتى وإن كان يفضل النجاح في الثغرة التي تكون خلف المهاجم رقم “تسعة”.
وهذا قبل أن تفكر في فينيسيوس جونيور، صانع الألعاب القادر على الفوز بالمباريات، وبالنسبة إلى البعض، أفضل لاعب كرة قدم في العالم على مدار الأشهر الـ12 الماضية، إلا أن رودري أفسد حفل فوزه بجائزة الكرة الذهبية بعدما ساعد إسبانيا على الفوز بلقب بطولة “يورو 2024” قبلها بأسابيع فقط.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
على أية حال فإن فينيسيوس جونيور يبلغ من العمر 24 سنة فقط، ورودريغو الذي لا يعرف الأنانية أصغر منه بعام واحد، ويسير في ظلال مواطنه، ومع ذلك فهو قادر دائماً على أن يصبح بطلاً لأي عملاق أوروبي آخر تقريباً إذا كان يتوق إلى الحصول على الإشادات لنفسه فقط.
ثم وصل إندريك البالغ من العمر 18 سنة، وأظهر متقلب المستوى أردا غولر تأثيره المبهر في تركيا خلال بطولة أوروبا، لذلك ففريق ريال مدريد مليء بالإمكانات الهائلة الآن ولأعوام عدة مقبلة، فلماذا إذاً، بعد ستة أشهر فقط، نجد فريق المدرب الإيطالي كارلو أنشيلوتي يعاني ويغادر المباريات وهو يشعر بالندم؟
لم يجبرهم أحد على التعاقد مع مبابي، ومع ذلك بدا المهاجم الفرنسي، على رغم قوته، غير مرتاح.
إن الأهداف الـ14 التي سجلها الفرنسي في 24 مباراة في جميع المسابقات تخفي ألم مبابي، وهي إسهامات سخية على الورق في موسم لا يزال اختبارياً.
سيأمل مبابي أن يلهمه هدفه ضد باتشوكا المكسيكي الذي أسهم في فوز ريال مدريد بكأس القارات للأندية “إنتركونتيننتال”، للوصول إلى آفاق جديدة في أكبر اللحظات، لكن حتى الآن، نادراً ما أشاد زملاء مبابي به أو شارك بصورة أساسية في فترات الهيمنة العابرة لفريقه.
كان الخطر الحقيقي الذي دق ناقوس الخطر في دوري أبطال أوروبا الموسع حديثاً، إذ يحتل الفريق المركز الـ20 بفارق أربع نقاط عن إنهاء الدوري ضمن المراكز الثمانية الأولى التي تؤهل مباشرة إلى دور الـ16، وكانت التجربة المروعة التي مر بها مبابي في ملعب “أنفيلد” ضد ليفربول، وتدخل كونور برادلي المؤلم عليه بمثابة تأكيد آخر على التحدي الذي يواجهه الفريق.
ينتظر ريال مدريد خطر التصفيات النهائية وفترة محمومة لإصلاح مشكلة لا تزال قائمة تتلخص في الإجابة عن السؤال التالي: كيف يمكن حشر مبابي وبيلينغهام وفينيسيوس جونيور في التشكيلة نفسها مع ضمان احتفاظ كل هؤلاء بالحرية دون فقدان التنظيم والمثابرة على غرار الموسم الماضي؟
ربما تظهر أشباح كلود ماكيليلي، بعد التضحية الشهيرة برجل الجهد العالي خلال حقبة النجوم في مقابل ضم ديفيد بيكهام، وهو ما زعزع ديناميكية الفريق بصورة عامة، وبدا أن مدريد تجاوز ذلك بإستراتيجية قاسية للحصول على أفضل المواهب الشابة في العالم ثم الانقضاض على الانتقالات المجانية عندما يصل المنتج النهائي إلى السوق.
كان ديفيد ألابا وأنطونيو روديغر وربما لاعب ليفربول ترينت ألكسندر أرنولد، وبخاصة بعد الإصابة المروعة التي تعرض لها داني كارفاخال، من بين اللاعبين الذين أسهموا في سد الثغرات في الفريق.
ومع ذلك لم تكن هناك حاجة واضحة لمبابي، في الأقل حتى الآن، حتى يتطور أداؤه ليقود الخط الأمامي ويسمح لفينيسيوس جونيور بالتحرك بحرية في مركزه المفضل.
لقد كان الفوز المشجع لريال مدريد بنتيجة (3 – 2) على أتالانتا الإيطالي سبباً في استمراره كحامل للقب دوري أبطال أوروبا حتى عام 2025، وقد لعب جود بيلينغهام خلف مبابي، ويبدو أن هذا هو المزيج الذي سيحدد مصير هذا الفريق في الموسم الحالي.
إن ظهور ليفربول تحت قيادة آرني سلوت، وبرشلونة الأكثر إثارة بقيادة ثلاثي الهجوم الأسطوري روبرت ليفاندوفسكي ورافينيا ولامين يامال، يشكل تهديداً خطراً لتاج ريال مدريد، لكن الفشل في إيجاد هذا الانسجام قد لا يؤدي فقط إلى تخلي “لوس بلانكوس” عن لقبه الأوروبي هذا الموسم، ولكن مع الراتب الضخم الذي يتقاضاه مبابي وتصميمه الشديد على النجاح فقد يعني أن هذه المشكلة ستستمر في الموسم المقبل أيضاً.
لذا فإن الانتقالات في عام 2024 تدور حول مبابي وسعي ريال مدريد غير الضروري إلى الكمال، وسوف يخبرنا الوقت ما إذا كان مدريد سيتحمل درساً مؤلماً آخر تسببت فيه الانتقالات.
نقلاً عن : اندبندنت عربية