طفت على السطح أخيراً خلافات تجارية وصفت بالحادة بين المغرب ومصر أسهمت سلباً في وتيرة وحجم الصادرات بين البلدين، جراء الإخلال ببعض بنود اتفاقية أغادير (مدينة في جنوب المغرب) لعام 2004 التي تربط بين البلدين إضافة إلى تونس والأردن أيضاً.
وفي وقت أفاد فيه مسؤولون تجاريون مصريون بأن المغرب عمد إلى “تعليق” دخول السلع المصرية إلى أسواقه، تمتنع الحكومة المغربية عن التعليق على هذه المستجدات، مع التشديد في إجراءات ولوج البضائع المصرية، كرد فعل على عدم تطبيق القاهرة اتفاقية أغادير بصورة كاملة، ومن ذلك حظر استيراد السيارات المغربية.
مواقف مصرية
خرجت الخلافات التجارية بين المغرب ومصر إلى العلن أخيراً بإطلاق مسؤولين في قطاع التجارة بالقاهرة تصريحات تفيد بأن الرباط قررت حظر ولوج السلع المصرية إلى أسواق المملكة، “على رغم عدم وجود قرار رسمي من الجهات الحكومية خلال الفترة الحالية”.
ونقلت صحيفة “الشروق المصرية” عن الأمين العام لشعبة المصدرين، رئيس لجنة الشؤون الأفريقية بالاتحاد العام للغرف التجارية بمصر، أحمد زكي، قوله إن المغرب علق دخول البضائع القادمة من بلاده منذ أسابيع عدة، وإن هذا القرار هو رد فعل على عدم تطبيق مصر اتفاقية أغادير بصورة كاملة.
ووفق المسؤول في الاتحاد العام للغرف التجارية فإن مصر حظرت استيراد السيارات المغربية، لذلك نهجت المملكة سياسة تعليق الصادرات المصرية من حين لآخر، كوسيلة ضغط للسماح بولوج السيارات المغربية إلى الأسواق المحلية.
وتبعاً لتصريحات المسؤولين المصريين فإن القاهرة حظرت استيراد السيارات المغربية بالنظر إلى السياسة التجارية الحمائية التي تنهجها البلاد لحماية المنتج المحلي، ومنح الأولوية للبضائع الأساس والدواء والمواد الخام.
وفي وقت أرجع فيه بعض المتابعين هذا الخلاف التجاري إلى إخلال بالعمل ببعض بنود اتفاقية أغادير، عزا آخرون ما حصل إلى أن مصر عمدت إلى تعليق صادرات المغرب جراء ضعف جودة المنتجات على مستوى شركات القطاع الخاص.
ووقعت الدول العربية الأربع في الـ25 من فبراير (شباط) 2004 اتفاقية إقامة منطقة التبادل التجاري الحر، بهدف “إيجاد منطقة تجارة حرة بين الدول الأطراف وزيادة التبادل التجاري البيني من ناحية ومع الاتحاد الأوروبي من ناحية أخرى”.
وتهدف الاتفاقية المذكورة إلى زيادة التكامل الصناعي بين الدول العربية المتوسطية (المتشاطئة على البحر الأبيض المتوسط) من خلال تطبيق قواعد المنشأ الأورومتوسطي وتحقيق مبدأ تراكم المنشأ، بما يعزز من قدرة الدول الأعضاء التصديرية للنفاذ إلى أسواق دول اليورو، بما يشجع على مزيد من جذب الاستثمارات الأجنبية المباشرة الأوروبية والعالمية.
الاحتكام إلى الاتفاقية
وفي الجهة المقابلة، لم تصدر وزارة التجارة المغربية أي توضيح حول ما أثير أخيراً في شأن حظر أو تعليق دخول البضائع المصرية إلى أسواق المملكة، كذلك لم تعلق على تصريحات بعض المسؤولين المصريين في الغرف التجارية.
وفي السياق أفاد عضو في غرفة التجارة والصناعة المغربية، طلب عدم الكشف عن هويته لعدم تخويله الحديث إلى الصحافة، بأن المغرب لم يتخذ أي قرار بخصوص منع ولوج السلع المصرية إلى أسواقه، وأن كل ما هناك هو تطبيق الإجراءات الجمركية التي تستلزم احترام معايير الجودة، تنفيذاً لما ورد في اتفاقية أغادير.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وخفف عضو غرفة التجارة المغربية من حدة الخلافات المثارة بين المغرب ومصر، وقال إنها مشكلات قد تحدث ين الفينة والأخرى بين الدول، وإن حلها يعود إلى الاحتكام إلى الاتفاقات المؤطرة للمبادلات، وأيضاً الجلوس إلى طاولة الحوار بين مسؤولي البلدين في هذه القطاعات.
وتصدر مصر إلى المغرب السلع الغذائية، خصوصاً زيوت الطعام وصلصة الطماطم والتمور والبسكويت والشحوم والدهون والسمن، كما تشمل قائمة الصادرات المصرية إلى المملكة الأثاث المنزلي والحديد والأسمنت والأجهزة الكهربائية والإلكترونية.
ويصدر المغرب إلى مصر السيارات بمواصفات عالمية والخضر والفاكهة وكثيراً من المنتجات الغذائية، وأيضاً الملابس والمنسوجات والأسمدة والمنتجات الكيماوية.
وتفيد الأرقام أن حجم التبادل التجاري بين المغرب ومصر يصل إلى ما يربو على 1.3 مليار دولار كل عام، وتوجد في مصر زهاء 300 شركة مغربية باستثمارات تبلغ 230 مليون دولار.
خلافات سابقة
يعلق المتخصص في الشأن الاقتصادي، مدير مركز مختبر البحث حول الممارسات الجديدة للتسيير بجامعة مراكش، فريد شوقي، على الموضوع بقوله إن الإشكال التجاري الحاصل بين المغرب ومصر ليس وليد اللحظة، إذ سبق أن أثير قبل أربعة أعوام في فترة وزير التجارة السابق حفيظ العلمي.
وأوضح شوقي أن الوزير المغربي السابق سبق له أن صرح بأن مصر لا تتعامل مع الصادرات المغربية بالطريقة نفسها التي يتعاطى بها المغرب مع الصادرات المصرية، لافتاً الانتباه إلى وجود إخلال من طرف القاهرة ببعض بنود اتفاقية أغادير.
وكان وزير التجارة المغربي السابق قد صرح علناً بأن “المملكة تصدر السيارات إلى مصر بصورة خاصة، لكن القاهرة ترفض تلك التي رُكبت في مصنع (رينو) بمدينة طنجة”، مضيفاً “إذا عرقلت مصر دخول منتجاتنا المغربية ثلاثة أشهر، فإن المغرب سيفعل الشيء نفسه، أي سيعاملهم بالمثل”.
وأشار إلى أنه في خضم عدم وجود قرار رسمي من الحكومة المغربية بمنع دخول المنتجات القادمة من مصر حالياً، فإن هذه الأخيرة لديها قراءة خاصة بأن الرباط تحظر دخول سلع القاهرة إلى أسواقها، مع العلم أن مصر أوقفت استيراد السيارات المغربية، الشيء الذي يعتبره المغرب إخلالاً باتفاقية أغادير.
وأبرز شوقي بأن كل دولة لديها الحق في تقديم قراءتها الخاصة لهذا الخلاف، غير أن المغرب يبحث عن الحفاظ على مصالحه الاقتصادية، لهذا يطالب بتصحيح الاتفاقية المذكورة واحترام بنودها، مثلما حصل مع تركيا، بالنظر إلى ظروف الاتفاقية ومشكلات المواد الأولية والتضخم التي تدفع أحد البلدين إلى إعادة النظر في بنود الاتفاقية.
ويخشى مراقبون أن تتفاقم هذه الخلافات التجارية المتمثلة في سن إجراءات حمائية عبر منع مصر استيراد السيارات المغربية، و”تعليق” المغرب ولوج البضائع المصرية إلى أسواقه، وتتطور لتشكل أزمة اقتصادية بين البلدين، في وقت يسعيان فيه إلى تعزيز الروابط السياسية بينهما.
نقلاً عن : اندبندنت عربية