من الواضح أن القائد العام لإدارة العمليات العسكرية وزعيم “هيئة تحرير الشام” أحمد الشرع بات رجل المرحلة المقبلة في سوريا الجديدة دون منازع، أو في أقل تقدير بات الطريق معبداً لتوليه رئاسة سوريا في أول انتخابات بعد تنحي بشار الأسد وهربه خارج البلاد.

ما يعطي هذه الشخصية جزءاً مهماً من الشرعية بصورة سريعة بعد الثامن من ديسمبر (كانون الأول) الجاري ليلة سقوط دمشق بقبضة قوات الثوار، وصول الوفود الأجنبية والعربية للقاء الشرع بغية إجراء محادثات تشمل العلاقات الدولية والقضايا المشتركة ولا سيما دول الجوار.

قهوة قاسيون

وعلى رغم إشراعه أبواب القصر الرئاسي لإجراء تلك اللقاءات تفاوتت حفاوة اللقاء بين وفد وآخر في وقت ارتفع رصيد القائد العام للإدارة العسكرية، بعدما خلع لباس العسكرة وارتدى ربطة العنق في مرونة تخطت المظهر إلى المضمون، وبعد أن خيب توقعات المراقبين وتخوفاتهم حول الأفكار الإسلامية المتشددة وباتت تصريحاته تتمحور حول مد يد التسامح لكل السوريين المختلفين بالعقيدة والطائفة والسياسة.

في الأثناء يحاول الشرع توطيد العلاقات الدبلوماسية على أعلى مستوياتها لكن طريقة الاستقبال تكشف إلى أي حد تمتد تلك العلاقات.

 

يرى الباحث الأكاديمي في شؤون العلاقات الدولية مصعب الأرناؤوط أن الوفد التركي الذي زار دمشق أخيراً كان الأكثر حفاوة بين كل الوفود القادمة إلى العاصمة السورية عربية وأجنبية، وهذا له دلالات تتعلق بمدى الدعم التركي للشرع حتى قبل وصوله إلى سدة الحكم في سوريا، ولعل طريقة الاستقبال والوصول إلى جبل قاسيون لاحتساء كوب من القهوة وما سبقها من زيارة وفد دبلوماسي واستخباراتي تركي وقطري شملت جولة منها زيارة الجامع الأموي، وقيادة الشرع للسيارة الخاصة التي كانت تقلهم تدل على أن العلاقة القوية تتخطى كل “البروتوكولات” المرسومة لا سيما مع تلك الدولتين الصديقتين والحليفتين في مسار السياسة الخارجية نحو دول المنطقة وقضاياها، وأن خيوط المصالح السياسية والاقتصادية والعسكرية يمكن حياكتها بصورة أفضل مع سوريا الجديدة.

وفود وصلاحيات

وكانت وفود عدة وصلت إلى العاصمة دمشق منها أردني وسعودي وقطري، وحضر وفد من رجال دين طائفة الدروز الموحدين من لبنان برئاسة وليد جنبلاط، ولعل طريقة كل لقاء اختلفت عن الأخرى، ويفسر الباحث أرناؤوط ذلك بأن دائرة مراسم القصر على رغم حداثة عهدها تركت الأمور تسير بصورة طبيعية، وبخاصة أن الشرع لم يصبح رسمياً رئيساً للجمهورية العربية السورية بعد، بل هو يمارس صلاحيات القائد العسكري والسياسي للبلاد، وتتابع حكومة الإنقاذ تسيير شؤون الدولة بالطريقة ذاتها التي كانت تحكم بها إدلب شمال غربي سوريا.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وعلى نحو غير مألوف أطل القائد العام وزعيم “هيئة تحرير الشام” بلباسه الذي يتبدل أثناء لقاءات متعددة مع إعلاميين ودبلوماسيين، وظهرت صور له مع وفد أجنبي بريطاني في قاعة الاستقبال، بينما ظهر يسير إلى جانب وزير الخارجية الأردني خلال وصوله إلى صالة الاستقبال، وهذا ما كان مختلفاً بصورة تامة حين التقى الزعيم الدرزي من لبنان جنبلاط، إذ أجلسه مع الوفد المرافق له في قاعة الاستقبال وأتى لمصافحته بعد فترة من الانتظار.

وعلى الشق المقابل حضر الشرع مؤتمراً صحافياً مع وزير الخارجية التركي هاكان فيدان، وهو أول المؤتمرات الرسمية التي بث فيها الأخير تطمينات أنقرة بمواصلة الدعم للقطاعات الاقتصادية والسياسية والعسكرية، ومنها نشر قواعد عسكرية ومنظومات دفاع جوية وسط البلاد، في إشارة إلى مساندة تركيا للسوريين بوقف الاعتداءات الإسرائيلية المتتالية، والتي بدأت في الليلة التالية لتنحي الأسد خلال الثامن من ديسمبر الجاري، وسعت خلال غاراتها على مرافق حيوية ومواقع عسكرية في عدة مناطق سورية إلى تدمير السلاح الاستراتيجي للجيش السوري.

 

وفي المقابل أثارت صور الشرع المتلاحقة وطريقة استقباله للوفود الجدل حول ما يحضر له هذا الرجل حيال سوريا والتحديات التي تواجهه داخلياً وخارجياً، ومنها رفع العقوبات الاقتصادية وأبرزها قانون “قيصر” (سيزر) الأميركي خلال منتصف يونيو (حزيران) 2020، وكذلك العقوبات الأوروبية.

المؤتمر والجائزة

لعل الوفد الأميركي الرفيع المستوى كان أبرز تلك الوفود الدبلوماسية، إذ ترأست الوفد مساعدة وزير الخارجية لشؤون الشرق الأوسط باربرا ليف وناقشت خلال زيارتها قضايا متعددة منها رفع “هيئة تحرير الشام” من قوائم الإرهاب، ورفع العقوبات عن الشعب السوري وانتقال السلطة في سوريا والتطورات الإقليمية، وكذلك محاربة تنظيم “داعش” والقضية التي تؤرق الأميركيين وهي اختفاء الصحافي الأميركي أوستن.

وبالحديث عن تفاوت طريقة الاستقبال لم تلتقط المسؤولة الأميركية صوراً تذكارية مع الشرع، في حين وصف متابعون الاجتماع معه بالمفيد والإيجابي، وهذا ما يفسر إلغاء الجائزة المقدرة بـ10 ملايين دولار للإدلاء بأية معلومات حوله، في وقت ألغى الجانب الأميركي مؤتمراً صحافياً كان مقرراً في أحد فنادق العاصمة لأسباب أمنية.

إلى ذلك تتجه الأنظار إلى ما بعد الشهرين المقبلين في تاريخ سوريا لأنها ستكون مفصلية، إذ يتخللها مؤتمر وطني وتشكيل دستور جديد وحكومة تضم مكونات الشعب السوري، من ثم انتخابات رئاسية وعودة للحياة السياسية، وحين حدوث كل هذه التطورات هل يتقيد القائد العام للعمليات العسكرية بالبروتوكول أم سيطوعه بالطريقة التي يراها مناسبة أمام كل وفد وعلاقته المستقبلية مع سوريا؟

نقلاً عن : اندبندنت عربية