على وقع التحديات الأمنية المتصاعدة في المنطقة، احتضنت عمان اجتماعاً رفيع المستوى ضم وزراء خارجية العراق وتركيا والأردن وسوريا ولبنان، في خطوة ترمي إلى بلورة تحالف إقليمي لمكافحة الإرهاب وتعزيز الاستقرار.

ورأى مراقبون أن هذا اللقاء، الذي حمل اسم “اجتماع دول جوار سوريا”، يعكس مقاربة استباقية تهدف إلى تحصين سوريا من تداعيات الفوضى، بخاصة بعد التصعيد الأخير في الساحل السوري، ولم يكن البعد الأمني غائباً عن المشهد، إذ طغت على النقاشات هواجس تتعلق بالتهديدات المشتركة، وعلى رأسها أخطار عودة تنظيم “داعش” إلى الواجهة مجدداً.

تهديدات “داعش” تحدٍّ مشترك

يرى محللون أن الدول المشاركة في الاجتماع تواجه تهديدات إرهابية متقاربة، لا سيما من قبل تنظيم “داعش”، الذي عاد ليطل برأسه مجدداً وفق تقارير استخباراتية في الدول المعنية. وفي هذا السياق يشكل التعاون الإقليمي بين هذه الدول عنصراً حاسماً لتعزيز قدراتها الأمنية والاستخباراتية، مما يتيح لها التعامل بفعالية أكبر مع الأخطار المتزايدة.

وعلى وجه الخصوص يمثل استمرار عدم الاستقرار في سوريا تهديداً مباشراً للأردن، إذ يضع حدوده الشمالية أمام تحدٍّ أمني متصاعد يستدعي مزيداً من التشديد على المراقبة الحدودية، إضافة إلى تعزيز التنسيق الاستخباراتي مع الشركاء الإقليميين والدوليين.

ويرتبط نجاح هذا التحالف بعوامل أساس عدة، أبرزها الالتزام السياسي من قبل دول جوار سوريا، والقدرة على تجاوز الخلافات الأيديولوجية والسياسية التي قد تعوق التنسيق الأمني، في إشارة إلى العراق حيث تحظى بعض الفصائل المسلحة بغطاء سياسي، مما قد يؤثر في انسجام الجهود المشتركة.

إلى جانب ذلك، يبقى مدى فاعلية هذا التحالف في محاربة الإرهاب رهيناً بحجم الدعم الدولي، إذ يمكن للدعم المالي واللوجيستي أن يعزز من إمكاناته، ويوفر الموارد الضرورية لضمان استمراريته وتحقيق أهدافه الأمنية.

خماسية عمان الأمنية

ويصف المتخصص الأمني والعسكري نضال أبو زيد الاجتماع بأنه “خماسية أمنية مهمة وذلك لحضور تركيا فيها، وهو ما قد يؤسس لحالة أمنية واستخباراتية جديدة مع سوريا، فكل الدول المجاورة لدمشق متأثرة بالاضطرابات والانفلات الأمني الحالي فيها، ولذلك جاء هذا الاجتماع بنكهة أمنية وبحضور خمسة وزراء دفاع وخمسة مديرين للاستخبارات من الدول المشاركة”.

يضيف أبو زيد “الاجتماع لم يناقش طروحات تقليدية كملف اللاجئين والحركة التجارية، وإنما ركز على التهديدات الأمنية، والتنسيق حيال هذه التهديدات، مما يجعله تحالفاً أمنياً إقليمياً هو الأول من نوعه، سيوجه بالضرورة الأولى ضد ما تبقى من فلول تنظيم ’داعش‘ في البادية السورية، والمتضرر منها الأردن والعراق وتركيا، وهو ما قد يكون أساساً في إعادة استقرار سوريا الجديدة، لا سيما أن اجتماع عمان الذي يؤطر لحالة أمنية واستخباراتية جديدة في سوريا، يأتي بعد أيام من اجتماع مكة الذي أطر لحالة اقتصادية جديدة في سوريا.

يتحدث أبو زيد أيضاً عن أهداف اجتماع رؤساء أركان جيوش الدول المشاركة في الأردن باتجاه تدعيم وإعادة بناء الجيش السوري الجديد برؤية موحدة لمواجهة أي تهديد إرهابي مشترك، فيما يمثل وجود مديرو الاستخبارات أهمية التشارك والتبادل الاستخباراتي في هذا التوقيت وذلك بعد 48 ساعة من أحداث الساحل السوري، فضلاً عن التغول الإسرائيلي في جنوب سوريا.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

خصوصية أردنية

ومع تصاعد المواجهات في الساحل السوري وجد الأردن نفسه مضطراً إلى اتخاذ خطوات استباقية لحماية أمنه الوطني من أية تداعيات محتملة.

وتراوح التحركات الأردنية ما بين التنسيق الأمني المكثف مع تركيا، وتأكيد دعم الدولة السورية في مواجهة التحديات الداخلية، وسط تطورات إقليمية معقدة.

ويعتقد مراقبون أن الأردن يسعى إلى منع امتداد الفوضى إلى مناطقه الحدودية، عبر استراتيجية تقوم على الاحتواء المبكر والتنسيق مع اللاعبين الإقليميين.

وهو ما يفسر الاجتماع الخاص الذي عقده وزير الخارجية الأردني أيمن الصفدي، ورئيس هيئة الأركان المشتركة يوسف الحنيطي، ومدير الاستخبارات العامة أحمد حسني، مع نظرائهم الأتراك.

فيما جدد العاهل الأردني موقف بلاده الداعم والمنحاز للدولة السورية، معلناً خلال استضافة عمان اجتماع دول الجوار السوري، أن الأردن يقف إلى جانب دمشق في الحفاظ على أمنها واستقرارها ووحدة أراضيها، وحماية مواطنيها من تداعيات النزاع، وهو موقف يعكس حرص الأردن على تجنب سيناريوهات الفوضى في سوريا، التي قد تلقي بظلالها على أمنه الداخلي.

 فالوضع في الساحل السوري يحمل دلالات خطرة للأمن الإقليمي الأردني، كاحتمالية تفكك الحكم الحالي في دمشق، وتمدد الفوضى خارج الساحل بما في ذلك الجنوب السوري القريب من الأردن، وإعادة تنشيط جماعات مسلحة مثل “داعش” أو ميليشيات إيرانية قد تحاول تهديد الاستقرار الداخلي عبر دعم جماعات متشددة أو تحريك خلايا نائمة.

استقرار عربي

يؤكد بدر الماضي المتخصص في مجال العلوم السياسية أهمية استباق تداعيات ما يحدث في سوريا على الأمن الوطني الأردني، وما يمثله الاستقرار لدول جوار سوريا.

ويضيف “يحاول الأردن بجميع أجهزته ومؤسساته أن يواجه هذا العبث بأمن سوريا وشعبها وأن يقيم التوازنات الدقيقة التي تضمن أمنه وأمن مواطنيه والمقيمين على أرضه، وعدم جره إلى أتون الحروب والصراعات التي تخدم أجندة ومصالح خارجية وداخلية مذهبية وطائفية”.

يعتقد الماضي أن “التدخلات الإسرائيلية واعتداءاتها على سيادة سوريا هو تهديد مباشر للأمن الوطني الأردني سواء من الناحية الأمنية أو الاستراتيجية”.

 كما أن المساعي إلى إطالة الأزمة في سوريا والتدخلات الإقليمية وبخاصة الإيرانية منها هي خطط لبقاء الأردن والمنطقة العربية تحت الضغط الأمني، ودعوة لعدم استقرار العالم العربي.

غطاء عربي لدمشق

يرى المحلل السياسي عمر الرداد أن مدى انتظام الأردن والدول العربية في الشأن السوري يرتبط بصورة أساس بما قد يطلبه رئيس الجمهورية السورية أحمد الشرع، بخاصة بعد الدعم السياسي الكبير الذي وفرته العواصم العربية الفاعلة لدمشق، ويؤكد الرداد أن دول جوار سوريا تواجه تحدياً استراتيجياً يتمثل في خطر عودة الإرهاب وتنامي النفوذ الإيراني في المنطقة، وهو ما قد يستدعي دعماً عربياً واسع النطاق، يشمل مختلف الجوانب، لضمان استقرار المنطقة والحد من أي تدخل إيراني عبر وكلائها، أو عودة تنظيمات متطرفة مثل “داعش”.

لذلك جاء البيان الختامي لاجتماع دول جوار سوريا ليؤكد الوقوف إلى جانب الشعب السوري في جهوده لإعادة بناء وطنه على الأسس التي تضمن أمن سوريا واستقرارها وسيادتها ووحدة أراضيها، وتحفظ حقوق جميع أبنائها وسلامتهم، كذلك أكد البيان أن أمن سوريا واستقرارها ركيزتا الأمن والاستقرار في المنطقة، ودان كل المحاولات والمجموعات التي تستهدف أمن سوريا وسيادتها وسلمها.

ومنذ بداية العام الحالي يتعاظم الحديث عن عودة تنظيم “داعش”، إذ تشير تقارير غربية حديثة إلى استمرار نشاطه في المنطقة.

وفق هذه التقارير يقدر عدد مقاتلي “داعش” في سوريا والعراق بنحو 2500 مقاتل، مما يعني أنه لا يزال يشكل تهديداً في سوريا ودول الجوار.

وعلى رغم هزيمة “داعش” وفقدانه السيطرة على الأراضي التي كان يسيطر عليها عام 2019، فإن التقارير تشير إلى تصاعد في هجماته ونشاطاته.

ففي 2024 ضاعفت خلايا التنظيم النائمة من هجماتها في العراق، وبعد انهيار نظام بشار الأسد استغل عناصر “داعش” الفوضى للحصول على أسلحة من مخازن جيش النظام السوري المهجورة.

نقلاً عن : اندبندنت عربية