رغم حال الانهيار السياسي والاقتصادي والإنساني التي يعانيها اليمن فإن هناك أحداثاً يثيرها رجال السياسة بين حين وآخر تبدو منفصلة عن واقع الناس وهمومهم مثيرة جدلاً تلتهب بها مواقع التواصل الاجتماعي كآخر ميادين تبادل الهم اليومي للناس.

أخيراً أثار اليمنيون موضوع الشهادات الأكاديمية العليا التي نالها عدد كبير من المسؤولين والقادة والمقتدرين خلال أعوام الحرب الماضية سواء في جانب الحكومة الشرعية أو جماعة الحوثي عقب إعلان الأخيرة، الأسبوع الماضي، حصول القيادي فيها مهدي المشاط على شهادة الماجستير من جامعة صنعاء وسط اتهامات أكاديمية وجماهيرية بعدم صحتها.

يضاف إلى ذلك إلغاء مجلس إدارة جامعة عدن، الثلاثاء الماضي، قرار منح درجة الماجستير لوكيل محافظة عدن لشؤون الشباب عضو هيئة رئاسة المجلس الانتقالي الجنوبي عبدالرؤوف السقاف، بعد تحقيق أكاديمي كشف “تطابقاً كاملاً بين بحثه ورسالة ماجستير لطالب آخر”. هذا الأمر وصفته الجامعة بأنه يمثل “انتهاكاً صارخاً لمعايير البحث العلمي” مما دفعها أيضاً لإلغاء الدرجة العلمية ومنع السقاف من الالتحاق بأي من برامجها مستقبلاً.

كشف المستور

قرار جامعة عدن جاء بعد تصاعد الجدل حول قضايا “الفساد الأكاديمي” وسط مطالب بفتح تحقيقات في كيفية منح شهادات الماجستير لبعض القيادات والمسؤولين.

وعدّ ناشطون في وسائل التواصل الاجتماعي القرار الذي اتخذته جامعة عدن انتصاراً يحسب لوسائل التواصل الاجتماعي التي أثبتت قدرتها على إحداث تأثير في الرأي العام.

ومع ذلك لم تمنع تقديرات الامتياز و”مرتبة الشرف” المهتمين من تقصي حقائق هذه الشهادات وأهلية المؤسسات العلمية والبرامج الأكاديمية العليا التي تمنحها واتهام بعضها بالتزوير، وهو ما فتح باب المطالبات واسعاً بإجراء تحقيقات شاملة على حملة الشهادات العليا التي يبدو أنه قد أصابها من الاستهلاك والتشوه مما أصاب البلاد كنتيجة لـ10 أعوام من الصراع الذي خلف انهياراً شاملاً في كل مجالات الحياة.

 

 

قال الصحافي أنيس عبدالرحمن أحد الذين أثاروا موضوع الشهادات المزورة، إن الإشكالية تتمثل في بقاء عدد من الكليات التي تتعامل وفق نهج “الدراسة من بعد” بمعايير مختلفة كلياً عن المعمول بها عربياً وعالمياً.

وأوضح أن هذه الكليات “يفترض إعادة النظر إليها من وزارة التعليم العالي والحكومة، وكف التغاضي عنها لمجرد أنها تمنح الجامعة دخلاً مادياً عالياً، ولهذا نجد غالب المتخرجين منها قادة عسكريين ومسؤولين أمنيين وحكوميين وغيرهم”.

وتوقع أنيس عقب ما سماه “الفضيحة الأخيرة الخاصة بمنح الماجستير لمسؤول كانت لشخص آخر”، أن يؤدي ذلك إلى إحجام كثير من المسؤولين والمقتدرين على استخراج شهاداتهم من تلك الكليات كون الأمر بات مفضوحاً.

فضاء مفتوح للادعاء

هذه الوقائع سلطت الضوء على عدد من النشطاء إلكترونياً ممن يدعون دراسة وامتهان الطب أو الطب البديل مستغلين ضعف المؤسسات التعليمية والأكاديمية جراء الصراع وغياب الضبط والمساءلة القانونية.

وكشفت مصادر أكاديمية، أخيراً، عن منح 400 شهادة عليا من مؤسسات أكاديمية في العاصمة صنعاء لقيادات حوثية مع تنامي القلق من سحب الاعتراف بالجامعات اليمنية الذي بدأته الكويت قبيل أيام مع منع الطلبة الكويتيين من الدراسة في جميع برامج الجامعة، بسبب عبث ميليشيات الحوثي بالتعليم، وتحويل الجامعة من مؤسسة تعليمية إلى ساحة للتجنيد والتدريب العسكري.

وجاء القرار الكويتي الذي نشرته الصحيفة الرسمية، بعد أيام من إصدار جامعة صنعاء (كبرى الجامعات اليمنية) درجة الماجستير للقيادي مهدي المشاط رئيس ما يسمى المجلس السياسي الأعلى للمليشيات، وبعد أشهر على منح الناطق الرسمي للميليشيات يحيى سريع درجة مماثلة.

قادة الميليشيات “دكاترة”

وعرف عن جماعة الحوثي سيطرة الفكر العقائدي القائم على تقديس قادتها ممن تصفهم بـ”أعلام الهدى” مع التبعية المطلقة والانقياد لما يقولونه، ولهذا أثار حصول المشاط على الماجستير سخرية وتندراً يمنياً ضجت بهما مواقع التواصل الاجتماعي، وعدوه دليلاً على تزوير التعليم الذي يكرس الجهل ويؤكد العبث الحوثي بالقطاع الأكاديمي خصوصاً، والقطاع العلمي والأكاديمي الذي يعاني في الأساس تردياً وإهمالاً بعكس المكانة التي يحظى بها التحشيد التعبوي المسلح الذي تنتهجه الميليشيات ويحض على القتال وتقديس زعيمها وفكرها الطائفي.

ولم يكن المشاط القيادي الحوثي الوحيد الذي يمنح شهادة عليا، فهناك قادة آخرون جرى منحهم شهادات تنوعت بين الماجستير والدكتوراه منهم القيادي عبدالمحسن الطاووس، الذي حصل عليها مطلع العام الحالي وقاسم الحمران حامل صفة نائب وزير الإدارة المحلية في حكومة الجماعة المدعومة من إيران، الذي أعلن قبل أسبوع حصوله على درجة الدكتوراه من كلية الآداب والقيادي نايف أبوخرفشة الذي حصل على درجة ماجستير بامتياز عن بحث طائفي يعزز مفهوم ولاية الميليشيات، وكذلك أحمد يحيى راصع حامل صفة رئيس مؤسسة الثورة للصحافة (كبرى المؤسسات الصحافية اليمنية) الذي حصل على ماجستير بامتياز في بحث يعزز مكانة “آل البيت” التي تحاول الحوثية بموجبها تشكيل الوعي الجمعي لمصلحة مشروعها الطائفي.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

في المجمل رأى مراقبون أن الهدف من وراء السعي الحوثي المحموم لوصم قادته بـ”الدكاترة” يسعى إلى تغيير الصورة النمطية عن الجماعة ونهجها الميليشياوي وتجميلها أمام المجتمع بهذه الطريقة التي تتهدد المكانة التعليمية المقدسة.

وإزاء ذلك نبه المراقبون إلى أهمية وقف عملية الترقيات الوظيفية والأكاديمية في مؤسسات الدولة لحاملي الشهادات المزورة أو غير المطابقة للمعايير الأكاديمية العامة حتى تتبين الجهات الحكومية أهليتها وتضع حداً لحال التزوير وبيع الشهادات الوهمية التي تزايدت وتيرتها أخيراً.

بين نهجين

لم يخلُ الأمر من عقد المقارنات التي أجراها رواد مواقع التواصل بين رد فعل الحكومة الشرعية والمؤسسات التابعة لها، وسلطة الأمر الواقع التابعة للميليشيات الحوثية في المناطق الخاضعة لسيطرتها.

وأكد الإعلامي عبدالإله الحود أن “جامعة صنعاء منحت المشاط الماجستير، فكان آخر مسمار في سمعة الجامعة الأعرق في اليمن، وجامعة عدن تلغي ماجستير وكيل عدن عبدالرؤوف السقاف المحسوب على الانتقالي وتفرض عقوبات أكاديمية”. وأضاف، “جامعة صنعاء أوصت بطباعة نشرة المشاط وجامعة عدن وصفتها بالسرقة العلمية”.

وقال الصحافي فهمي العليمي، إن جامعة عدن فعلت ما يجب أن تفعل في موضوع السرقة العلمية، لكن ذلك لا يعفيها من المسؤولية في الوصول إلى هذه الحال المتردية وغير السوية لأعرق مؤسسة أكاديمية في اليمن.

وأوضح أن “انتهاك المعايير الأكاديمية للبحث العلمي جريمة ما كان لها أن تكون لو لم تغفل رئاسة الجامعة عن واجباتها ومسؤولياتها الأكاديمية والعلمية”.

نقلاً عن : اندبندنت عربية