أربكت الرسوم الجمركية التي هدد الرئيس الأميركي دونالد ترمب بفرضها على أوروبا أسواق المعادن الثمينة، مما دفع أسعار الذهب إلى مستويات قياسية وأدى إلى ظهور فجوة كبيرة في قيمته بين مركزي التداول الرئيسين نيويورك ولندن.
وحالياً، فإن سعر الذهب في نيويورك أعلى بكثير من سعره في لندن، مما أشعل أكبر حركة عبر الأطلسي للسبائك المادية منذ أعوام، ويتسابق التجار من البنوك الكبرى لاستعادة الذهب من خزائن لندن العميقة ومن مصافي الذهب السويسرية ونقله عبر المحيط.
في حين أن أرخص طريقة لنقل هذه السلعة القيمة بأمان هي عبر عنبر الشحن في الطائرات التجارية،
وشهدت العقود الآجلة للذهب في نيويورك زيادة 11 في المئة هذا العام، إذ أغلق سعره أمس الأربعاء عند 2909 دولارات للأوقية، ويتوقع بعض المحللين أن يصل السعر قريباً إلى 3000 دولار للأوقية للمرة الأولى.
ويعتبر كثير من المستثمرين الذهب ملاذاً آمناً في أوقات الأخطار المتزايدة، ومع ذلك تراجعت الأسعار في لندن 20 دولاراً للأوقية منذ أوائل ديسمبر (كانون الأول) عام 2024، مما أرجعه التجار إلى تأثير التهديدات بالرسوم الجمركية في الحدود الأميركية.
التدافع لنقل الذهب إلى نيويورك
وبحسب المشاركين في السوق والمحللين، فإن مجموعة من البنوك التي تملك إمدادات ضخمة من الذهب مثل “جي بي مورغان تشيس” و”أتش أس بي سي” تتمتع بوضع قوي للاستفادة من هذه الفجوة في الأسعار، بينما يتطلع آخرون للانضمام إلى هذه الحركة، إذ تسعى مجموعة “سيتي غروب” التي تعتبر بالفعل لاعباً مهماً في سوق الذهب، إلى الانضمام لـ “جي بي مورغان” و”أتش أس بي سي” في النادي الحصري للبنوك المسموح لها بتخزين سبائك عملائها في خزائن لندن، وفقاً لأشخاص مطلعين على المداولات.
لكن بنوكاً عدة وصناديق تحوط قد تواجه صعوبة إذا لم تتمكن من الحصول بسرعة على الذهب الذي يسمح لها بالخروج من الصفقات الخاسرة في نيويورك، وفي إشارة إلى الضغوط التي يتعرض لها بعض اللاعبين في السوق، ارتفعت أسعار الفائدة على اقتراض الذهب بصورة كبيرة.
وأحد الأسباب الرئيسة لهذه الزيادة في الأسعار هو التدافع لنقل الذهب إلى نيويورك، مما أدى إلى “طابور طويل” لسحب السبائك من مخزونات بنك إنجلترا.
وقال أشخاص مطلعون على الأمر إن المسؤولين المكلفين مراقبة سوق السبائك في لندن تلقوا مكالمات قلق من المصرفيين يطالبون بتعطيل النظام، وردّ بنك إنجلترا أنه يجب عليهم انتظار دورهم.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
ويظهر اندفاع الذهب كيف أن خطوات ترمب نحو إعادة تشكيل التجارة العالمية تتأثر بالأسواق الدولية، إذ قال أخيراً إن موقف أوروبا التجاري تجاه الولايات المتحدة كان “فظيعاً”، ووعد بفرض رسوم عقابية على المنطقة.
ولم يتضح بعد تأثير الرسوم الجمركية في الذهب بصورة مباشرة، فاتسع الفارق في الأسعار بعدما كشف ترمب عن تعريفات جمركية واسعة النطاق على الألمنيوم والصلب هذا الأسبوع.
وقال الرئيس التنفيذي للشركة التي تقرض شركات السلع الأساسية “كيلو كابيتال” ويد برينان لصحيفة “وول ستريت جورنال” إن “الشركات المصنعة التي تستخدم الذهب تكافح لتسعير منتجاتها بسبب ذلك”، مضيفاً أن “الوضع مربح للغاية في الأمد القريب لبعض اللاعبين، مثل بنوك المقاصة والمصافي خصوصاً”، وتدفق المعدن الأصفر إلى نيويورك بعد فوز ترمب بالانتخابات.
ويتداول المستثمرون والبنوك والمناجم والصاغة عقود الذهب في بورصة “كومكس” في نيويورك، إحدى المحاور الرئيسة لعالم الذهب، وفي الوقت نفسه كانت بريطانيا المكان الرئيس لشراء السبائك المادية لقرون عدة، وعادة ما تتحرك السوقان بصورة متزامنة، لكن عندما لا يحدث ذلك، يعرف المتداولون أنه يمكنهم نقل الذهب إلى السوق حيث تكون الأسعار أعلى.
نشاط خالي من الأخطار تقريباً
وتدير البنوك مراكز كبيرة تعوض بعضها بعضاً، إذ تمتلك سبائك ذهبية في لندن، وتقوم بإقراضها لكسب العوائد، وتحمي من أخطار انخفاض الأسعار من خلال بيع العقود المستقبلية في نيويورك، ويُعدّ “جي بي مورغان” و”أتش أس بي سي” من أكبر اللاعبين في أميركا، إذ يصفون تعاملات الذهب وتخزين السبائك للبنوك الأخرى في لندن.
ويعتبر هذا النشاط خالياً من الأخطار تقريباً ما دام أن الفجوات السعرية بين السوقين كانت ضيقة، ولكن عندما ارتفعت الأسعار في “كومكس” عن لندن في نهاية العام الماضي، نتيجة للتعريفات الجمركية المتوقعة، أصبحت العقود التي باعتها البنوك في نيويورك غير مربحة، ومما يزيد الوضع تعقيداً أن الخسائر الكبيرة تتطلب من البنوك تخصيص رأسمال إضافي على طاولات السلع الخاصة بها، مما يحد من قدرتها على العمل بصورة مربحة لأعوام.
ويمكن للبنوك إغلاق الصفقة عن طريق شراء العقود الآجلة في نيويورك، لكن مثل هذه الخطوة تعني تحقيق تلك الخسائر، وهناك بديل آخر، وهو نقل الذهب المادي الذي تملكه في لندن إلى نيويورك وتسليمه بدلاً من ذلك إلى أصحاب العقود الآجلة، كما قال المدير التنفيذي المتقاعد لتجارة الذهب روبرت غوتليب الذي أصبحت منشوراته على موقع التواصل “لينكد إن” في ظل الفوضى الحالية مطلوبة للقراءة في السوق.
ويخطط “جي بي مورغان” لتسليم ذهب بقيمة أربعة مليارات دولار هذا الشهر، وفقاً لبيانات “كومكس” التي لم تفصح عن مقدار الشحنة أو الربح والخسارة.
وحتى بالنسبة إلى بنوك مثل “جي بي مورغان”، فإن إرسال الذهب إلى نيويورك ليس أمراً بسيطاً، وتنقل شركات الأمن السبائك إلى المطار في لندن مستخدمة شاحنات ذات قوة حماية عالية.
وتتطلب عقود “كومكس” حجماً مختلفاً من السبائك، لذا يحتاج المتداولون إلى إرسال الذهب إلى مصافي الذهب السويسرية لإعادة تشكيله قبل أن يشحن إلى الولايات المتحدة، وفي بعض الأحيان يتجنبون المرحلة الأولى بتسليم الذهب في لندن إلى المصافي مقابل السبائك بالحجم المناسب، أو نقل السبائك من أستراليا بدلاً من ذلك.
وكان آخر تشويش كبير في سوق الذهب حدث عام 2020، عندما أغلق وباء كورونا المصافي السويسرية وأدى إلى توقف الرحلات الجوية.
نقلاً عن : اندبندنت عربية