تزخر ليبيا بإمكانات اقتصادية هائلة من قبيل الموقع الجغرافي المتميز والثروات الطبيعية التي تؤهلها لتصبح اقتصاداً عربياً واعداً لولا بعض التحديات التي تحرمها تبوُّء تلك المكانة، وتسلب الأجيال الحالية والقادمة رغد العيش والرفاه المعيشي، بحسب ما يتجلى لدى كثير من المتخصصين.

يتحدث الممثل لمجموعة البنك الإسلامي للتنمية في ليبيا، أسامة منصور، عن الإمكانات الاستثنائية التي تتمتع بها بلاده، والتي تتنوع ما بين امتلاكها ثروات طبيعية هائلة مثل النفط والغاز والمعادن، وموقعها الاستراتيجي المتميز بحكم قربه الجغرافي من أوروبا وتوسطه شمال أفريقيا، وذلك من بين عديد من الأسباب التي دفعت صندوق النقد الدولي إلى تقدير نمو الاقتصاد الليبي في عام 2025 عند 13.7 في المئة، وهو ما يمثل أعلى معدل نمو متوقع بين الدول العربية، مدفوعاً بشكل رئيس بانتعاش قطاع النفط.

أكبر احتياطات نفطية

في حديثه إلى “اندبندنت عربية” يقول منصور إن ليبيا تمتلك أكبر احتياطات نفطية في القارة الأفريقية، إلى جانب احتياطات ضخمة من الغاز الطبيعي، مما يجعلها اللاعب المحوري في سوق الطاقة العالمية، علاوة على تمركزها بالمرتبة السادسة عربياً في احتياطات الذهب.

ويشير منصور إلى امتلاك بلاده احتياطات من النقد الأجنبي تتجاوز 80 مليار دولار، فضلاً عن استثمارات ليبيا الخارجية المتنوعة، وخلوها التام من الديون الخارجية، لافتاً إلى ثراء ليبيا بإمكانات هائلة غير مستغلة من قبيل الأراضي الزراعية الخصبة والسواحل الممتدة على البحر الأبيض المتوسط، إلى جانب إمكانات استثنائية في مجال الطاقة المتجددة، خصوصاً الطاقة الشمسية وطاقة الرياح، مما يفتح آفاقاً واسعة للتنوع الاقتصادي والتنمية المستدامة.

دعم التنوع الاقتصادي

كل هذا يؤمِّن لليبيا رافعة لتحقيق التنمية المستدامة شريطة تنفيذ إصلاحات جوهرية تقضي بتوفير وضمان حوكمة رشيدة تحقق العدالة في توزيع الثروات وتدعم التنوع الاقتصادي لخدمة الأجيال القادمة، بحسب ما يقول أسامة منصور.

من منظور المسؤول الليبي، فإن هذا كله لا يعني أن بلاده بلا تحديات، إذ توجد في واقع الأمر تحديات كبيرة للغاية، أولها الاعتماد الكامل على النفط بنحو 95 في المئة من إجمال الصادرات النفطية و60 في المئة من الناتج القومي المحلي، فضلاً عن وجود تحديات مؤسساتية.

تقادم شبكة النقل

من بين التحديات التي عددها منصور في حديثه لنا “غياب السياسات الاقتصادية الموحدة، وضعف الحوكمة في المؤسسات، وضعف الشفافية، وتعدد وتكدس المؤسسات المالية والنقدية، وعدم التآزر والتنسيق في ما بينها، وهو ما يشكل عائقاً كبيراً”.

وينبه منصور بأن البنية التحتية وتقادم شبكة النقل والمواصلات ومحدودية الخدمات اللوجيستية وضعف البنية التحتية الرقمية بشكل كبير من بين التحديات التي تواجهها ليبيا، إلى جانب ما يتعلق بالإشكالات التي تواجه القطاع المصرفي في البلاد بفعل الانقسام الذي لا يزال نوعاً ما موجوداً بين المؤسسات المصرفية، مع ضعف الخدمات المالية الحديثة ومحدودية التمويل المخصص للقطاع الخاص.

من بين التحديات التي أشار إليها المتحدث ما يتعلق برأس المال البشري، إذ يقول إن ثمة فجوة في المهارات بالسوق بصورة عامة، وضعفاً في مخرجات التعليم والتدريب، ومحدودية في الابتكار والتطوير، مضيفاً “أي دولة مثل ليبيا يمكن أن تقدم أو تتبنى بعض الإصلاحات… إصلاحات استراتيجية لتحقيق النهضة الاقتصادية والتحول الاقتصادي والتنويع”.

مناطق اقتصادية خاصة

ويعود المتخصص الليبي للإشارة إلى القطاعات الاقتصادية المختلفة ذات الفرص الواعدة، ويقول إنه يتعين الاستثمار في الزراعة الذكية، وتطوير قطاع السياحة مع التركيز فقط في الأقل على السياحة الثقافية والصحراوية، وإنشاء مناطق اقتصادية خاصة مع حوافز استثمارية جاذبة.

يأتي الإصلاح المالي والنقدي وتوحيد المؤسسات من بين ما يسرده منصور حول الإصلاحات الاقتصادية المفتقر إليها للنهوض بالاقتصاد الليبي بصورة كبيرة، ويضيف “تحتاج ليبيا إلى توحيد المؤسسات المالية وتوحيد سعر الصرف وتطوير سوق مال متطورة وتشجيع الإدراج في البورصة، إلى جانب تحديث النظام المصرفي وتطوير الخدمات المالية الرقمية وإصلاح نظام الدعم وتوجيهه للمستحقين، مع تطوير نظام ضريبي عادل وفعال، وتعزيز الحوكمة والشفافية خصوصاً في قطاع النفط”.

نظام إلكتروني للمشتريات الحكومية

ويكمل ممثل المؤسسة الدولية، مضيفاً إلى قائمة الإصلاحات المطلوبة “تحديث الأطر القانونية والتنظيمية للاستثمار، وتطوير نظام إلكتروني للمشتريات الحكومية، وتعزيز استقلالية القضاء، وتحديث النظام القضائي، وإصلاح شامل للنظام التعليمي، مع التركيز على المهارات المستقبلية، وإنشاء مراكز في التعليم التقني والمهني، وتطوير برامج ريادة الأعمال والابتكار، وتحديث نظام الرعاية الصحية مع التركيز على الوقاية”.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

بالنسبة إلى البنية التحتية، يرى منصور أن بلاده تحتاج بشكل كبير إلى تطوير شبكة نقل متكاملة، تشمل الموانئ، وفي المطارات والطرق أيضاً، مع الاستثمار في البنية التحتية الرقمية والتقنية، وتكنولوجيا الـ”5G”، مع تطوير مشاريع الطاقة المتجددة على نطاق واسع، وتحديث شبكات المياه والصرف الصحي، وإنشاء مدن ذكية ومستدامة.

القطاع الخاص في ليبيا

وينظر منصور إلى القطاع الخاص باعتباره أحد محركات النمو الاقتصادي، ويرى أنه بحاجة إلى تبسيط إجراءات وتأسيس الشركات، وتسهيل ممارسة الأعمال، وتيسير إنشاء صناديق وهيئات داعمة وممولة للمشاريع الناشئة والصغيرة والمتوسطة، مع تطوير برامج الشراكة ما بين القطاعين العام والخاص، وهو ما من شأنه تشجيع الاستثمار الأجنبي المباشر مع نقل التكنولوجيا ودعم الصناعات التصديرية وتعزيز التنافسية.

ولم يغفل المتحدث التطرق إلى الاستدامة البيئة والاقتصاد الأخضر، ويعتقد أن بلاده بحاجة إلى استراتيجية وطنية للاقتصاد الدائري، والاستثمار في تقنيات الهيدروجين الأخضر وتطوير برامج إدارة تدوير النفايات، وحماية التنوع البيولوجي ومكافحة التصحر، وتحسين إدارة الموارد المائية.

رأس المال البشري

ويدعو منصور إلى تفعيل الشراكات الدولية والإقليمية، بما في ذلك تطوير التعاون مع الاتحاد الأوروبي ودول شمال أفريقيا، وتنمية التجارة البينية مع الدول الأفريقية، والاندماج في سلاسل التوريد العالمية وإقامة شراكات مع دول مبادرة الحزام والطريق.

ويخلص الممثل لمجموعة البنك الاسلامي للتنمية في ليبيا إلى أن بلاده تتمتع بفرص اقتصادية هائلة قد تجعلها نموذجاً للتنمية المستدامة والتقدم الاقتصادي في المنطقة، لكن استغلال هذه الإمكانات يتطلب تبني رؤية استراتيجية شاملة تشمل إصلاحات اقتصادية ومالية ونقدية، وتطوير البنية التحتية والاستثمار في رأس المال البشري، وهذا ليس بالأمر الصعب أو المستحيل خصوصاً مع وجود الإمكانات المالية، وتحقيق هذه الأهداف لا يسهم فحسب في تحقيق التنويع الاقتصادي، لكن يعزز أيضاً العدالة الاجتماعية والاستقرار السياسي مما يمهد الطريق لبناء مستقبل مزدهر ومستدام للأجيال القادمة.

Listen to “ليبيا… اقتصاد ثري الإمكانات لكن يفتقر إلى الإصلاحات” on Spreaker.

نقلاً عن : اندبندنت عربية