أعادت محاولة اغتيال وزير الدولة لشؤون مجلس الوزراء في حكومة الوحدة الوطنية (غرب) عادل جمعة، أمس الأربعاء أثناء استقلاله سيارته على الطريق السريع في العاصمة طرابلس، شبح الاغتيالات السياسية إلى أذهان الليبيين، لا سيما أن البلد يتخبط في مستنقع الصراعات المسلحة والانقسامات السياسية منذ سقوط نظام الرئيس السابق معمر القذافي عام 2012.
وتعرضت سيارة وزير الدولة لشؤون مجلس الوزراء لإطلاق نار بعدد 14 رصاصة استقرت اثنتان منهما في إحدى قدميه لينقل على إثرها إلى مستشفى “أبوسليم” للحوادث في طرابلس، قبل أن يغادر فجر اليوم الخميس، إلى إيطاليا لاستكمال العلاج هناك.
وشهدت طرابلس اغتيالات سياسية سابقاً كان آخرها اغتيال عبدالرحمن ميلاد الملقب بـ”البيدجا”، وهو آمر معسكر الأكاديمية البحرية الحربية، بالرصاص داخل سيارته في سبتمبر (أيلول) عام 2024، وسبقتها محاولة اغتيال رئيس هيئة السلامة الوطنية عبدالمجيد مليقطة عبر سيارة مفخخة في فبراير (شباط) 2022، مما أسفر عن إصابته بجروح خطرة، إضافة إلى محاولات اغتيال رئيس حكومة الوحدة الوطنية عبدالحميد الدبيبة في يونيو (حزيران) 2022.
ودانت حكومة الوحدة الوطنية برئاسة الدبيبة محاولة الاغتيال التي طاولت جمعة من قبل مجموعة مسلحة وصفتها بـ”المجهولة”، وقالت في بيان لها إن “الأجهزة الأمنية المختصة باشرت على الفور تحقيقاتها المكثفة للكشف عن ملابسات الحادثة وتعقب الجناة”، مؤكدة استمرار جهودها لتعزيز الأمن وفرض سيادة القانون.
إدانات دولية
وعبرت بعثة الاتحاد الأوروبي والبعثات الدبلوماسية للدول الأعضاء في الاتحاد لدى ليبيا عن قلقها تجاه محاولة اغتيال وزير الدولة لشؤون مجلس الوزراء عادل جمعة أمس في طرابلس.
ودعا البيان الصادر عن البعثة اليوم، “السلطات المختصة إلى إجراء تحقيق سريع وشفاف وشامل في هذه الحادثة وضمان تحديد هوية المسؤولين عنها وتقديمهم إلى العدالة”.
ورفض البيان “جميع أشكال العنف ذات الدوافع السياسية التي تؤدي إلى انعدام الأمن وتقوض الجهود الجارية لاستعادة الاستقرار السياسي والوحدة الوطنية في ليبيا”.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
ودانت البعثة الأممية للدعم لدى ليبيا من جانبها محاولة الاغتيال، داعية عبر منشور لها على صفحتها الرسمية في موقع “فيسبوك” إلى فتح تحقيق سريع يضمن تقديم الجناة إلى العدالة ومشددة على أنه “لا يوجد أي مبرر لاستخدام العنف ضد المسؤولين الحكوميين أو أي مدنيين آخرين، فهذه الاعتداءات تقوض الاستقرار والأمن في طرابلس وعموم البلاد”.
ويتخوف حقوقيون من غرق العاصمة السياسية طرابلس في مستنقع الصراعات والاغتيالات مع سيطرة المجموعات المسلحة وانتشار السلاح المقدر بـ29 مليون قطعة خارج الأطر القانونية، وفق تقديرات أممية، إذ يقول عضو مجلس الدولة (طرابلس) عادل كرموس إن الإفلات من العقاب هو السبب الرئيس في تنامي ظاهرة الاغتيالات، منوهاً إلى أن هذا النزيف لن يتوقف إلا بذهاب البلد نحو توحيد السلطة التنفيذية تحت حكومة واحدة تبسط سيطرتها على كامل أراضيه.
ويردف أن الوضع الأمني الهش في كل ليبيا شرقاً وغرباً وجنوباً يدعو إلى القلق والخوف بسبب الانفلات الأمني وعدم سيطرة الدولة على السلاح وانتشاره بصورة واسعة.
ويضيف كرموس أن ما حدث مع وزير شؤون مجلس الوزراء يحصل في أحيان كثيرة مع المواطنين في كل أنحاء ليبيا، بالتالي فإن الأمر غير مستبعد الحدوث مستقبلاً مع أي مواطن أو مسؤول آخر، منوهاً إلى ضرورة تحمل الحكومة والأجهزة الأمنية مسؤولياتها في الكشف عن الجناة ومحاسبتهم لضمان عدم إفلاتهم من العقاب.
الحقوقي في المنظمة الليبية لحقوق الإنسان جابر أبو عجيلة يؤكد أن “محاولة اغتيال جمعة لا تحمل بصمات أي تنظيم من التنظيمات المتطرفة لأنه لو كان الأمر كذلك لما نجا من عملية الاغتيال”، موضحاً أنها “مجرد محاولة لخلط الأوراق فقط، خصوصاً أن طرابلس تشهد منذ مدة استقراراً أمنياً، ومن المرجح أن من يقف وراءها مجموعة عبثية هدفها تصفية حسابات شخصية”.
وبخصوص إمكان عودة الاغتيالات السياسية العشوائية، استبعد ذلك، بخاصة أن الاوضاع الأمنية مستقرة منذ زمن في العاصمة طرابلس، كما أن المجتمع الدولي منكب على العملية السياسية، ولن يسمح بذهاب طرابلس في هذا الاتجاه باعتبارها الحاضنة لجميع البعثات الأجنبية.
خصومات سياسية
ويؤكد الحقوقي أكرم النجار بدوره أن “محاولة اغتيال جمعة لن تفتح الباب لعودة شبح الاغتيالات السياسية لمطاردة الليبيين مجدداً، فالعملية جاءت فقط لإرباك حكومة الدبيبة من قبل أطراف أخرى مهمتها عدم ضمان استمرارية حكومة الوحدة الوطنية في العمل، بخاصة إثر فشلها في دفع رواتب الموظفين مما يعني أن سلاح المال لم يعُد في يدها لإرضاء أطراف الصراع وعلى رأسها المجموعات المسلحة”.
ويتساءل النجار عن صحة تصريحات وزير الداخلية عماد الطرابلسي الذي يؤكد في كل مرة استقرار الوضع الأمني بالعاصمة طرابلس، والواقع أن الطرقات العامة تشهد محاولات اغتيال لأحد وزراء الحكومة، فكيف الحال بالمواطن الليبي؟.
وحول ذهاب بعضهم إلى أن عملية الاغتيال جاءت لإرباك عمل اللجنة الاستشارية التابعة لبعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا، المنكبة على وضع حلول للعقبات التي تحول دون عقد الانتخابات، يوضح النجار أنه “حتى لو تم التشويش عليها وفشلت في مهمتها، فإن المبعوثة الأممية للدعم لدى ليبيا حنا تيتيه ستستأنف العمل على تجاوز الانقسامات السياسية والأمنية للذهاب بالبلد نحو انتخابات وطنية”، منوهاً إلى أن محاولة اغتيال جمعة هدفها تغيبه عن المشهد باعتباره “الصندوق الأسود” لحكومة طرابلس، بالتالي فإن العملية جاءت في إطار تصفية خصومات سياسية.
وتتنافس حكوماتان على الأرض في ليبيا، واحدة يقودها عبدالحميد الدبيبة في الغرب، وأخرى يترأسها أسامة حماد في الشرق الليبي، وهو انقسام سياسي صعّب مهمة المجتمع الدولي لعقد انتخابات وطنية تنهي المراحل الانتقالية التي باتت مناخاً ملائماً لنمو الميليشيات المنتفعة من استمرار الفوضى.
نقلاً عن : اندبندنت عربية