يتضمن الملف السري لمراسلات وزارة الخارجية البريطانية، المصنف تحت رقم FCO 93/8010 لقاء أمين عام جامعة الدول العربية الدكتور عصمت عبدالمجيد مع السفير البريطاني لدى القاهرة كريستوفر ويليام لونغ، نهاية فبراير (شباط) 1994.

في هذا اللقاء جرت مناقشة عدة مواضيع، مثل انتقادات الدول الغربية لليبيا واتهامها بالتورط في الإرهاب، وتحديات محاكمتها في محكمة محايدة. وجرى الحديث عن إصلاحات في جامعة الدول العربية بما في ذلك تعديل مبدأ الإجماع إلى الغالبية، وإنشاء محكمة عدل عربية، وتأكيد أهمية الحلول القانونية للقضايا الإقليمية وأهمية تعزيز التفاهم بين الدول العربية.

محادثات حول مذبحة الخليل وملف ليبيا

جاء في تقرير السفير البريطاني لدى القاهرة والمرسل إلى مرجعيته في لندن بتاريخ الـ28 من فبراير 1994، ما نصه “قمت بزيارة الأمين العام لجامعة الدول العربية الدكتور عصمت عبدالمجيد في الـ27 من فبراير. وكان الدكتور ناصيف حاضراً. وجرى تضمين ما ذكره حول مذبحة الخليل في رسالتي رقم 98. ثم أشار إلى ليبيا. وقال إن السيد بشاري اشتكى له خلال الأيام الأخيرة من أن الأميركيين والبريطانيين ألقوا خطباً تنتقد ليبيا بوصفها دولة إرهابية، وطالبوه بمتابعة الموضوع عند توافر الفرص. وقال للسيد بشاري إن الليبيين سيكونون في وضع جيد إذا تجنبوا تصعيد الوضع. وتحدثوا عن محاكمة في محكمة محايدة، وقال إنه (بصفته محامياً!) اقترح على الليبيين أنهم قد يضيفون فكرة اتباع القانون الاسكتلندي واستخدام كوادر قانونية اسكتلندية.

قلت إنني على علم بخطاب أميركي حول ليبيا في المعنى المذكور، لكن ليس لدي علم بأي خطاب بريطاني مشابه. ومع ذلك، كانت وجهة نظرنا أن ليبيا دولة ترعى الإرهاب، وكان هناك دليل على ذلك في خطب القذافي الأخيرة التي دعا فيها جميع أنواع الجماعات الإرهابية للقدوم إلى ليبيا والعمل فيها. قد يكون هذا خطاباً بلاغياً، لكن إذا كان الأمر كذلك فهو خطاب أحمق وخطر. أما فكرة المحاكمة في دولة محايدة، فقد قمنا بدراستها بعناية ولم نعتقد أنه يمكن تنفيذها. وسيتطلب الأمر تشريعاً أساساً في الدولة التي تقام فيها المحاكمة، لتوفير أساس قانوني للمحاكمة، كما سيتطلب تشريعات إضافية لتنفيذ العقوبة في حال الإدانة. كانت هناك مشكلات إجرائية متنوعة. كما كان ذلك سيوفر فرصة للدفاع.

 

اعترف الدكتور عبدالمجيد بهذه النقاط، وقال إنه في كل الأحوال كان الأمر افتراضياً نظراً إلى عدم وجود يقين بأن الليبيين سيفون بتعهداتهم، وافترض أن النقاط القانونية التي ذكرتها يمكن ربطها من الناحية النظرية بمعاهدة خاصة (من المحتمل أن تكون بين المملكة المتحدة وليبيا والدولة الثالثة المعنية)، تحت سلطة مجلس الأمن. لكنه لم يحاول متابعة هذا الموضوع أكثر.

أكدت أننا لا نرى مشكلة لوكيربي كمشكلة سياسية بل كمشكلة جنائية يجب حلها لمصلحتنا ومصلحة المنطقة والعالم بأسره. وكان الليبيون هم الذين جعلوا منها مشكلة سياسية، ولم تكن لدينا أجندة خفية لكن المشكلة لن تختفي. ويجب على الليبيين أن يبتعدوا من الإرهاب، وطالما استمروا في رفض ذلك سيستمر التوتر”.

المصالحة العربية وإصلاحات ميثاق جامعة الدول العربية

في هذا الجزء يتحدث التقرير عن التحضير لاجتماع مجلس جامعة الدول العربية المقرر في أواخر مارس (آذار) 1994، إذ يأمل الدكتور عبدالمجيد في نقاش جوهري حول مبادرته للمصالحة العربية، التي تلقى ردوداً إيجابية من بعض الدول. وجرى طرح قضايا جديدة مثل غزو العراق الكويت وعودة الأسرى الكويتيين. أيضاً، جرى التطرق إلى اقتراح إصلاح ميثاق الجامعة وتحقيق القرارات بغالبية الثلثين، إضافة إلى مناقشة إنشاء محكمة عدل عربية.

“سألت عن آفاق اجتماع مجلس جامعة الدول العربية المتوقع في أواخر مارس. وأخبرني السيد حتى مسبقاً أن الموعد جرى تقديمه من الـ27 إلى الـ26 من مارس، وأن الاجتماع سيستمر من الـ26 إلى الـ28 من مارس. وقال الدكتور عبدالمجيد إنه يأمل في أن يكون هناك نقاش جوهري حول مبادرته للمصالحة العربية. وقد أعطاني نسخة أخرى من مبادرته المرفقة خلال أبريل (نيسان) 1993.

 

لقد تلقى 13 رداً إيجابياً، ويجري بذل جهود للحصول على مزيد. وأثمرت بعض النتائج بالفعل، إذ تُطرح المشكلات علناً. وفي مناقشة حديثة، ألقى الوزير العراقي خطاباً قوياً قال فيه إن غزو الكويت لم يكن خطأ العراق، بل كان خطأ الكويت بسبب تصرفات النظام الكويتي خلال الأعوام السابقة، مثل سرقة النفط العراقي وما إلى ذلك. وأصبحت المواضيع المحرمة الآن تناقش، وهذا مفيد. وكان هناك أيضاً مسألة عودة الأسرى الكويتيين.

سألت عن إصلاح ميثاق جامعة الدول العربية، قال إنه منذ الأيام الأولى لوجود سبعة أعضاء فحسب، كان هناك مبدأ الإجماع. وكان اللبنانيون أصروا على ذلك لحماية أنفسهم من إخوتهم الكبار. والآن مع وجود 22 عضواً أصبح ذلك عقبة كبيرة. وكان يقترح أن يجري اتخاذ القرارات بغالبية الثلثين، أي 15 عضواً. وأشار إلى أنه خلال وقت غزو العراق الكويت، صوتت غالبية الثلثين (14 عضواً) في الثاني – الثالث من أغسطس (آب) 1990 لإدانة الغزو، مع اعتراض العراق فقط وامتناع ست دول عن التصويت، الأردن واليمن وليبيا والسودان وموريتانيا ومنظمة التحرير الفلسطينية. وفي ذلك الوقت كان عدد الأعضاء 21.

كانت هناك مقترحات ثانية في الاجتماع المقرر خلال مارس، بما في ذلك إنشاء محكمة عدل عربية. وكان هذا جرى اعتماده في الميثاق الأصلي لعام 1945 لكن لم يتم تنفيذه أبداً، وإضافة إلى ذلك سيكون الموضوع الرئيس هو العراق، لكن لن يتوقع حدوث أي تقدم خاص، ومع ذلك سيكون من المثير للاهتمام سماع تقرير وزير الخارجية العراقي حول تنفيذ العراق لقرارات مجلس الأمن”.

تأجيل المقاطعة العربية ومناقشة قضية لوكيربي

يستعرض تقرير السفير البريطاني رقم 143 المرسل من القاهرة إلى لندن بتاريخ الـ30 من مارس 1994 تفصيل اجتماع مجلس جامعة الدول العربية الذي عقد يومي الـ26 – الـ27 مارس 1994، إذ جرى دعم ليبيا في قضية لوكيربي مع تأجيل مناقشة موضوع المقاطعة العربية وتعديل الميثاق. وجرت مناقشة قضايا أخرى مثل النزاعات الإقليمية وأزمة البوسنة، إضافة إلى عملية السلام في الشرق الأوسط.

وجاء في هذه الوثيقة ما نصه “عقد مجلس جامعة الدول العربية دورته الـ101 خلال الفترة من الـ26 إلى الـ27 مارس في القاهرة على مستوى وزراء الخارجية. وفي الجلسة الافتتاحية قام الرئيسان المنتهية ولايته والقادم (موريتانيا واليمن) بالتوقيع على محاضر الجلسات، تلاهما مداخلة خطابية من قدومي من منظمة التحرير الفلسطينية، وخطاب افتتاحي من وزير خارجية جزر القمر. وأشار الأمين العام (عصمت عبدالمجيد) في خطابه إلى التضامن العربي والأمن، والحاجة إلى أن تتوافق الدول الكبرى الثلاث مع مرونة ليبيا (كما قيل) في شأن لوكيربي، وتحديات اتفاق التجارة العامة (GATT) وإصلاح مجلس الأمن ودعم العرب للإمارات العربية المتحدة في نزاعها حول الجزر مع إيران، والصومال، واليمن، والبوسنة، وجنوب السودان، وإسرائيل، والحوار الأوروبي العربي، إضافة إلى إنشاء محكمة عدل عربية (وهي فكرته الخاصة).

 

وقرر المجلس عدم مناقشة مقاطعة العرب، أو إنشاء محكمة عدل عربية، أو التعديلات المقترحة على الميثاق التي كانت ستسمح للجامعة بالتحرك في النزاعات بين الدول العربية، التعديلات كانت مجمدة بسبب قاعدة الإجماع. وكان اقتراح الأمين العام هو إقرار قرار بغالبية الثلثين بدلاً من ذلك.

في ما يتعلق بالمقاطعة، شكر المجلس مكتب المقاطعة في دمشق على عمله، ولم يشر إلى الطلبات المتعلقة برفع المقاطعة الثانوية والثالثية. وقال وزير الخارجية السوري فاروق الشرع لاحقاً إن العرب اتفقوا على عدم مناقشة إنهاء المقاطعة حتى تنتهي الأسباب التي أدت إليها، وهي الاحتلال الإسرائيلي للأراضي العربية.

وحول عملية السلام، حثَّ المجلس الولايات المتحدة وروسيا على منع توقف العملية بعد مذبحة الخليل. وعُين السفير الدائم لمنظمة التحرير الفلسطينية لدى القاهرة سعيد كمال مساعداً للأمين العام لشؤون فلسطين، وجرى استبدال مساعد الأمين العام للشؤون الاقتصادية عبدالرحمن الصيباني وهو سعودي آخر بالدكتور يوسف نعمان الله الذي تقاعد خلال وقت سابق هذا العام لأسباب صحية.

إحاطة عبدالمجيد لسفراء الاتحاد الأوروبي

في هذا الجزء من الوثيقة، يناقش المجلس دعم ليبيا في قضية لوكيربي، إذ جرى تأييد اقتراح ليبي يتعلق بمحاكمة اسكتلندية في محكمة العدل الدولية. وجرت الإشارة إلى إحاطة عصمت عبدالمجيد لسفراء الاتحاد الأوروبي حول التوترات بين العراق والكويت وقبول الحاجة لمتابعة عملية السلام. وتمحور الاجتماع حول القضايا الروتينية مع تأجيل الموضوعات المثيرة للجدل لتفادي التصعيد، مما يعكس غياب الإرادة السياسية لتفعيل جامعة الدول العربية بصورة أكبر.

“وحول لوكيربي، دعم المجلس آخر مقترح ليبي في شأن محاكمة اسكتلندية في مبنى محكمة العدل الدولية. وفي قراره الختامي، حث مجلس الأمن على أخذ هذا الاقتراح الجاد والجديد في الاعتبار في البحث عن حل سلمي لمنع التصعيد الذي قد يزيد من التوتر داخل المنطقة”.

 

وقدم عبدالمجيد إحاطة لسفراء الاتحاد الأوروبي خلال الـ29 من مارس، وقال إن الجو كان مريحاً إلى حد ما وكان مرتاحاً من انخفاض التوتر بين العراق والكويت. وكان هناك قبول واسع لضرورة متابعة عملية السلام، وطلب مني ومن زملائي الفرنسيين والأميركيين أن نقوم بزيارة خلال الـ31 من مارس لتلقي ملاحظة رسمية في شأن لوكيربي.

كانت جلسة روتينية، وجرى تأجيل القضايا المثيرة للجدل مما ساعد في الحفاظ على الجو الودي المزعوم، على رغم الحديث بين موظفي الأمانة العامة حول الانتقادات التي وجهها الشرع والأمير سعود الفيصل في شأن عدم فعالية جامعة الدول العربية كمؤسسة.

إن القرار في شأن ليبيا غير مفيد، لكنه نموذجي تماماً بالنسبة إلى دعوات جامعة الدول العربية المتكررة بأن تتماشى الدول الكبرى الثلاث مع “مرونة ليبيا”.

نقلاً عن : اندبندنت عربية