قال أمين عام منظمة الدول المصدرة للنفط “أوبك” هيثم الغيص إن الوصول لـ”صافي انبعاثات صفرية” يعني تحقيق التوازن ما بين الانبعاثات التي يسببها الإنسان في الغلاف الجوي وتلك التي تُزال أو تُحتجز.

وأكد الغيص في مقال حديث له أن هذا المفهوم لا يعني الوصول إلى عالم خال من الانبعاثات، أو اعتبار الوقود الهيدروكربوني شراً مطلقاً، أو نبذ التقنيات الناشئة مثل احتجاز الكربون واستخدامه وتخزينه، أو احتجاز الكربون من الهواء مباشرة.

وذكرت الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ “IPCC” أن صافي الانبعاثات الصفرية يعرف بأنه حال تتحقق عند توازن الانبعاثات بشرية المنشأ مع إزالة أو احتجاز البشر لهذه الانبعاثات خلال مدة محددة.

على ذات الصعيد، كشف تقرير “تقييم جهود صافي الانبعاثات الصفرية لعام 2024” أن 148 دولة وضعت أهدافاً وطنية لتحقيق صافي انبعاثات صفرية تشمل 88 في المئة من سكان العالم. 

وكشف مسح أجرته الحكومة البريطانية نشر خلال يوليو (تموز) 2024 أن 91 في المئة من المشاركين في الاستطلاع قالوا إنهم لم يسمعوا عن مصطلح “صافي الانبعاثات الصفرية” لكن 17 في المئة يعرفونه.

وأشار الغيص إلى أن هناك أعداداً قليلة كانت على دراية حقيقية به، وهو ما أظهرته أيضاً استطلاعات عدة أجريت في دول أخرى وبنتائج مشابهة.

وكان مفهوم صافي الانبعاثات الصفرية اكتسب أهمية إثر التقرير الخاص الذي أصدرته الهيئة في شأن الاحترار العالمي بمقدار 1.5 درجة مئوية عام 2018، بعد تأكيد أن وقف الاحترار العالمي طويل المدى يستدعي الوصول إلى صافي انبعاثات صفري واستمراره.

وعام 2021، أصدرت وكالة الطاقة الدولية تقرير “صافي انبعاثات صفرية بحلول عام 2050 خريطة طريق لقطاع الطاقة العالمي”.

مع ذلك، تزامنت زيادة الاهتمام هذه مع تزايد الارتباك، إذ روج عدد من سياسات صافي الانبعاثات الصفرية لمهل غير واقعية، أو لم تعط اهتماماً يذكر لأمن الطاقة، أو القدرة على تحمل كلفته، أو إمكانية تحقيقه.

الكلف المقدرة

وفي السياق ذاته، أشار مقال نشرته صحيفة “ذا إيكونوميست” خلال نوفمبر (تشرين الثاني) 2024 إلى أن الكلف المقدرة لتحول الطاقة تراوح ما بين 3 تريليونات و12 تريليون دولار سنوياً. 

وأوضح الغيص أن اتفاق باريس لعام 2015 لم يذكر صافي الانبعاثات الصفرية، وتهدف المادة الثانية إلى الإبقاء “على ارتفاع متوسط درجات الحرارة العالمية أقل من درجتين مئويتين فوق مستويات ما قبل الثورة الصناعية”، مشيراً إلى أن المادة 4.1 من الاتفاق تدعو إلى تحقيق التوازن بين الانبعاثات وإزالتها أو احتجازها خلال النصف الثاني من هذا القرن، وذلك على أساس الإنصاف وفي سياق التنمية المستدامة والجهود الرامية إلى القضاء على الفقر.

إجراءات أخرى

وأكد أن هناك إجراءات أخرى أغفلت قيوداً مادية مثل الصعوبة الواضحة في زيادة إنتاج المعادن الحرجة، وعدم توضيح الخطر في حق مليارات الأشخاص الذين يعيشون في فقر الطاقة في الدول النامية للحصول عليها بأسعار ميسورة وموثوقة ومستدامة وحديثة، بموجب الهدف السابع من أهداف التنمية المستدامة، لافتاً إلى أن الإجراءات الأولية لتحقيق صافي انبعاثات صفرية صاحبت في الغالب دعوات لوقف الاستثمار في النفط والغاز والفحم، من دون اعتبار يذكر لتأثير ذلك في أمن الطاقة، موضحاً أنه لا تزال مصادر الطاقة هذه تشكل أكثر من 80 في المئة من مزيج الطاقة العالمي عام 2025، مثلما كانت منذ الثمانينيات. 

وتتوقع “أوبك” أن يؤدي وقف الاستثمار في قطاع التنقيب والإنتاج على مستوى العالم اليوم إلى حدوث نقص هائل في سوق النفط يبلغ 23 مليون برميل يومياً بحلول 2030.

ضرر بالغ

وأكد مدير عام “أوبك” أن عدم الاستقرار الناجم عن ذلك سيؤدي إلى ضرر بالغ بقطاعات رئيسة مثل النقل والمواصلات وخدمات الطوارئ، والبناء والتصنيع وإنتاج الأغذية والرعاية الصحية والبنية التحتية من بين قطاعات كثيرة أخرى، موضحاً أن صافي الانبعاثات الصفرية يأتي في عالم نتوقع فيه أن يتجاوز الطلب العالمي على النفط حاجز 104 ملايين برميل يومياً هذا الربع، مما يمثل مستوى قياسياً جديداً.

نمو متوقع للطلب العالمي 

وذكر الغيص أن ذلك يأتي أيضاً في ظل نمو متوقع للطلب العالمي على النفط بمقدار 1.4 مليون برميل يومياً خلال عام 2025، ويأتي ذلك أيضاً في عالم بلغ فيه استهلاك الغاز الطبيعي العالمي أعلى مستوى على الإطلاق عام 2024 بحسب وكالة الطاقة الدولية، موضحاً أن ذلك يأتي في عالم أعلنت فيه وكالة الطاقة الدولية أخيراً عن ارتفاع استهلاك الفحم لمستوى قياسي عند 8.7 مليار طن عام 2024، على رغم توقعها السابق بالوصول إلى ذروة الطلب على الفحم عام 2014. 

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وبيَّن أمين عام منظمة الدول المصدرة للنفط “أوبك” أن المطالبة بصافي الانبعاثات الصفرية تأتي في ظل توقعات أن يرتفع الطلب العالمي على الطاقة 24 في المئة بحلول عام 2050، وأن يزيد حجم الاقتصاد العالمي أكثر من الضعف وأن يصل عدد سكان العالم إلى 9.7 مليون شخص، مؤكداً أن هناك مبالغة في تصنيف مصادر الطاقة المتجددة على أنها مصادر “طيبة” بينما يُصنف الوقود الهيدروكربوني على أنه مصادر “شريرة” باسم صافي الانبعاثات الصفرية، موضحاً أن هذا التصنيف غير واقعي بينما يجب أن تكون البيانات الواقعية أساس وضع السياسات.

“أوبك” لا تدعم خفض الانبعاثات

ولفت الغيص إلى أن من بينها ما يتعلق بصافي الانبعاثات الصفرية ومسارات تطوير الطاقة في المستقبل، مؤكداً أن هذا لا يعني أن “أوبك” لا تدعم خفض الانبعاثات، بل على العكس تماماً.

وعلى ذات الصعيد، نشرت صحيفة “فايننشال تايمز” خلال الآونة الأخيرة تقريراً يفيد بأن منطقة الشرق الأوسط أصبحت سوق الطاقة المتجددة الأسرع نمواً خارج الصين، إذ تقود الإمارات عبر شركة “مصدر”، والسعودية عبر “أكوا باور”، ودول أخرى في “أوبك” مسيرة التطور والابتكار”.

وأكد أمين عام منظمة الدول المصدرة للنفط أن هذه الجهود تكمل ولا تخالف الإسهامات الحيوية للدول الأعضاء في المنظمة وشركاتها الوطنية للنفط في الحفاظ على أمن الطاقة والقدرة على تحمل كلفته وخفض الانبعاثات.

وأوضح أن “أوبك” تدرك أن التغلب على تحديات الطاقة التي يواجهها العالم حالياً ومستقبلاً يتطلب استثماراً هائلاً في كل أنواع الوقود والتقنيات، مشيراً إلى أن الدول الأعضاء أثبتت أنه يمكن أن نكون رواداً للطاقة المتجددة ومركزاً للتطوير التكنولوجي، لافتاً إلى أنها تنتج النفط الذي يحتاج إليه العالم الآن، وسيحتاج إليه لفترة طويلة في المستقبل.

وأكد الغيص أن أي حديث عن صافي انبعاثات صفرية لا يجب أن يكون مبهماً أو غير حاسم، ولا يمكنه أيضاً تجاهل كل البيانات والتوجهات الواقعية.

 

وكشف أمين عام “أوبك” عن أن الأعوام الماضية شهدت إدراك صناع السياسات مجدداً لضرورة تحقيق أمن الطاقة وخفض الانبعاثات معاً، مشيراً إلى أن مستقبل الطاقة لا يزال يتطلب قدراً كبيراً من الواقعية والعملية، مؤكداً أن هذا يعني الاستثمار في مصادر الطاقة المتجددة والتقنيات. 

وقال الغيص “نحن كمنظمة يجب أن نعترف ونحمي الدور الحيوي الذي يؤديه الوقود الهيدروكربوني في دعم القطاعات الأساس وسبل المعيشة في جميع أنحاء العالم”.

النهج المتوازن 

وختم الغيص “إذا تبنى صناع السياسات هذا النهج المتوازن للوصول إلى صافي انبعاثات صفرية، فلن يشهد العقد المقبل تحقيق خفض ملموس في الانبعاثات فحسب بل سيضمن أيضاً مستقبل طاقة مستقراً وآمناً لنا جميعاً”.

نقلاً عن : اندبندنت عربية