ماري ديجيفسكي | صمت بريطانيا عن استخدام صواريخها بعيدة المدى قد يكون قاتلا

أين الغضب… أو في الأقل القلق؟

في أعقاب قيام كييف بإطلاق عدد غير معروف حتى الآن من صواريخ “ستورم شادو” Storm Shadow البريطانية الصنع نحو عمق الأراضي الروسية، لم يتسبب هذا التصعيد الواضح في دعم المملكة المتحدة لأوكرانيا في إحداث سوى ردود فعل طفيفة في أوساط الراي العام البريطاني، باستثناء بعض المكالمات القلقة إلى البرامج الحوارية والمشاركات المتفرقة على وسائل التواصل الاجتماعي، ويبدو أن الأمر كان قد تُرك للمناصر الدائم للسلام [رئيس حزب العمال السابق] جيريمي كوربين للتعبير عن السخط، ولكن في هذه الأيام يبدو أن مواقفه أصبحت سهلة التهميش.

ذلك الهدوء العام يوازيه بصورة كبيرة صمت المسؤولين البريطانيين على رغم أن استخدام صواريخ “ستورم شادو” لا يمكن أن يعني سوى أحد أمرين: إما أن أوكرانيا خرقت بشكل أحادي شروط الاستخدام التي وضعتها بريطانيا والولايات المتحدة، أو أن بريطانيا قامت بالسير على خطى الرئيس جو بايدن من خلال منح أوكرانيا الضوء الأخضر الذي سعى إليه فولوديمير زيلينسكي لاستخدام الصواريخ الغربية بعيدة المدى ضد الأراضي الروسية.

وفي كلتا الحالين فإن الأمر يستوجب إعلانًا رسمياً، ويفضل أن يكون من رئيس الوزراء نفسه نظراً إلى التداعيات المحتملة.

ألا ينبغي طرح أسئلة حول ما إذا كانت القوات البريطانية في أوكرانيا قد ساعدت في إطلاق الهجوم على كير ستارمر في مجلس العموم؟

كان الصمت الرسمي أكثر وضوحاً وبخاصة في ضوء خفض عدد القوات المسلحة التي أعلن عنها وزير الدفاع جون هيلي هذا الأسبوع، فكل صاروخ “ستورم شادو” يكلف نحو مليوني جنيه إسترليني (2.5 مليون دولار أميركي)، ومع إطلاق أوكرانيا صواريخ عدة منها في وقت واحد فهذا يعني أن الفاتورة تبلغ 10 ملايين جنيه إسترليني.

وقد تكون تداعيات استخدام أوكرانيا لصواريخ كروز بريطانية الصنع بعيدة المدى ضد الأراضي الروسية كبيرة للغاية، وإذاً لماذا كانت الاستجابة العامة محدودة للغاية؟

لقد حذرت روسيا أكثر من مرة من أنها ستعتبر ضرب أراضيها بصواريخ بعيدة المدى أميركية أو بريطانية الصنع عملاً عدائياً من قبل تلك الدول، وكان المستشار الألماني رفض بدوره تزويد أوكرانيا بصواريخ من نوع “توروس” Taurus المماثلة، على أساس أنه سيتحتم في حينه على القوات الألمانية الحضور في الميدان لتقديم الدعم للأوكرانيين من أجل نجاح عمليات الإطلاق.

ربما كان أحد أسباب غياب النقاش داخل المملكة المتحدة هو أن التعاطف الشعبي مع أوكرانيا قد ظل قوياً إلى حد بعيد، إلا أن هذا قد يتغير قريباً، فوصول دونالد ترمب إلى البيت الأبيض يهدد بإثارة مشكلة بالنسبة إلى الموقف البريطاني، فإذا واصلت المملكة المتحدة لعب دور أبرز داعمي أوكرانيا، وإن لم تكن أكبر الدول المانحة للمال والعتاد العسكري، فإنها تخاطر بفقدان قدرتها في التأثير في الأمور الجارية.

ويبدو على نحو متزايد أن تفاخر الرئيس المنتخب ترمب بإنهاء الحرب الروسية – الأوكرانية في غضون 24 ساعة قد يكون أمراً حقيقياً، أولاً لأنه أفضل تنظيماً في عهده الرئاسي الثاني وهو مصمم جداً على هذه القضية، وثانياً لأن بعض أعدائه السابقين أصبحوا أقل نفوراً من فكرة إجراء محادثات لإنهاء الحرب مما كانوا عليه في السابق، ويرجع ذلك جزئياً إلى التقدم الذي تحققه القوات الروسية على الأرض. 

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

ويمكن أيضاً ملاحظة تحول طفيف في سياسة روسيا مع احتمال إجراء محادثات قد تبدأ في وقت ما خلال يناير (كانون الثاني) المقبل، وقد ربط تخفيف بايدن المفاجئ للشروط المفروضة على استخدام أوكرانيا للصواريخ الأميركية الصنع بمحاولة تحسين فرص أوكرانيا قبل وصول الرئيس ترمب إلى البيت الأبيض.

أما في المملكة المتحدة فلم يحدث حتى الآن أي تحول ملموس على الإطلاق في المواقف العلنية التي تتخذها الحكومة في ما يتعلق بالملف الأوكراني، فالخطاب لا يزال يدور حول سبل دعم أوكرانيا “مهما تطلب الأمر”، مع التأكيد بأنه على أوكرانيا أن تنتصر وأنه يمكنها أن تحقق ذلك، وإذا لم تحقق النصر، هكذا تقول الحجة، فإن النظام الديمقراطي الليبرالي بأكمله سيتعرض للخطر، وقد تتشجع الصين على الاستيلاء على تايوان، كما ستوجه روسيا أنظارها نحو دول البلطيق وما بعدها.

ومع ذلك فهناك إجماع غير معلن حتى الآن إلى حد كبير مبني حول الشروط التي يمكن أن تنهي الحرب في أوكرانيا، وتشمل هذه الشروط تجميد الصراع عند خطوط الجبهة الحالية أو قربها، والسماح ببعض المكاسب الإقليمية التي حققتها روسيا من دون الاعتراف بها رسمياً، واتفاق تعود أوكرانيا بموجبه للحياد الدستوري المنصوص عليه في دستورها بين عامي 1991 و2014، وبعبارة أخرى لا عضوية في حلف الأطلسي، لنقل لمدة 20 عاماً على سبيل المثال.

من البديهي أن أياً من هذه الشروط أو جميعها سيكون صعباً للغاية بالنسبة لأوكرانيا. لكنه سيكون صعباً أيضاً على المملكة المتحدة، ما لم تبدأ في تعديل توقعاتها وطريقة التعبير عنها.

هناك عوامل عدة قد تساعد في تسهيل هذه العملية، وأحدها هو الواقعية المتزايدة بين الخبراء العسكريين ووسائل الإعلام في شأن حال الحرب، فقد قُدم تقرير طويل وغير تقليدي شاركت في إعداده جهات عدة ونشرته وحدة تدقيق المعلومات  BBC’s Verify unit في هيئة الإذاعة البريطانية (بي بي سي)، حول الأخطار التي قد تترتب على انهيار أوكرانيا، إضافة إلى أمور أخرى ينبغي أن تدفع كثيرين للتفكير في سيناريوهات عدة محتملة للحدوث.

عامل آخر هو استطلاع رأي حديث أظهر أن نسبة مماثلة من الأوكرانيين والروس قد أصبحت تؤيد إنهاء الحرب الآن، وعلى رغم اللغة المبالغ فيها فهناك الآن مسافة أكبر بين المملكة المتحدة وزيلينسكي الذي عبّر أخيراً عن خيبة أمله من حال العلاقات.

قد يكون هناك عامل آخر يتمثل في إعادة تعريف النصر والهزيمة، فقد سُلط الضوء في بعض التقارير البريطانية على انفتاح روسيا المعلن على إمكان إجراء محادثات في يناير المقبل كإشارة إلى تنازلات روسية بل وهزيمة، وهذه مجرد دعاية، لكن مع اقتراب موعد تنصيب ترمب قد يتيح ذلك بدء الدبلوماسية.

نقلاً عن : اندبندنت عربية