في إحدى مراحل حياته، كان إيلون ماسك يطمح في حدوث “انتفاضة شعبية” ضد استخدام الوقود الأحفوري، ولكن بعد تحول طرأ على موقفه السياسي وانحيازه إلى التيار اليميني, تغيرت آراؤه في شأن أزمة المناخ أيضاً.
كثيراً ما كانت فكرة إنتاج سيارة منخفضة الكلفة جزءاً من الإستراتيجية التي وضعها ماسك لشركة “تسلا” في سياق التصدي لأزمة المناخ وذلك من خلال “تسريع تحول العالم إلى الطاقة المستدامة”. ولكن عندما اجتمع مع المسؤولين التنفيذيين في الشركة في مدينة بالو ألتو بولاية كاليفورنيا الأميركية [مقر تسلا]، في وقت سابق من العام الحالي لعرض الفكرة عليه، رفضها الملياردير، وفق صحيفة “واشنطن بوست”.
وبدلاً من ذلك، اتخذ ماسك قراراً بالموافقة على صفقة بقيمة مليارات الدولارات لشراء رقائق كمبيوتر بهدف إدخال تحسينات على سيارات “تسلا” الفاخرة. وتكشف محادثات حول ما كان يُعرف باسم “تسلا موديل 2” Tesla Model 2 عن تغير في نهج ماسك تجاه أزمة المناخ مع تعمقه بصورة كبرى في فريق انتقال الرئيس المنتخب دونالد ترمب.
هذا التحول في موقفه قد يسهم في تعزيز التدابير المناهضة للطاقة النظيفة وربما حتى السيارات الكهربائية في العاصمة الأميركية.
ماسك كان دعا إلى “انتفاضة شعبية” ضد صناعة الوقود الأحفوري في فيلم صدر عام 2016، أي العام الذي شهد انتخاب ترمب للمرة الأولى رئيساً للبيت الأبيض. وقال للممثل ليوناردو دي كابريو آنذاك إن “العالم يتجه بصورة حتمية نحو مستوى معين من الضرر، وكلما أسرعنا في التحرك، قلّت الأضرار الناتجة”.
وذكر في تغريدة نشرها على “تويتر” في عام 2019: “تعمل تسلا جاهدة للمساعدة في مكافحة ظاهرة الاحترار العالمي”، وأخبر متابعيه أيضاً أن العالم يتجه نحو “كارثة بسبب تغير المناخ”.
في أوقات سابقة، كانت جميع الشرائح التوضيحية المتعلقة بشرح المعلومات والمفاهيم والخطط في “تسلا” تتضمن بيانات مأخوذة من “حقيقة مزعجة”An Inconvenient Truth، فيلم وثائقي من تقديم آل غور، نائب الرئيس الأميركي السابق بيل كلينتون، والتي تشير إلى ارتفاع ثاني أكسيد الكربون في الغلاف الجوي، وذلك لتذكير الموظفين بالأهداف [البيئية] التي تسعى “تسلا” إلى تحقيقها وتأكيد التزامها، وفق صحيفة “واشنطن بوست”. ولكن على النقيض من ذلك، لم تعد المعلومات الواردة من الفيلم مطلوبة الآن في العروض التقديمية.
كذلك يبدو أن أزمة المناخ لم تعد في مقدمة أولويات ماسك واهتماماته. في أغسطس (آب) الماضي، شارك في بث مباشر على منصة “إكس” مع ترمب، قال فيه: “ليس علينا التسرع” في إيجاد حلول لأزمة المناخ. وذكر أيضاً أنه لا بد من بذل الجهود في التصدي لتغير المناخ إنما من دون “شيطنة الناس” [من دون إلقاء اللوم على الأفراد والمجموعات أو محاولة تجريمهم في حال كان موقفهم مختلفاً تجاه قضايا المناخ]، مضيفاً أن “الخطر ليس محدقاً إلى حد أنه يستدعي التصرف الفوري”.
ونقلت “واشنطن بوست” عن مقربين من ماسك قوله إن أزمة المناخ ما زالت تمثل مشكلة حقيقية في رأيه، ولكنه يعتقد أنه جرى تضخيم الحجم الحقيقي للأخطار المرتبطة بالكوارث المناخية.
وكتب على منصة “إكس” في مايو (أيار) 2023إن “خطر الاحترار العالمي مبالغ فيه على المدى القصير، ولكنه كبير على المدى الطويل”.
وقال خمسة أشخاص مقربين من ماسك للصحيفة إن آراءه تأثرت بعالم الإعلام الرقمي الذي يروج للآراء والمواقف اليمينية السياسية، وبفترة إقامته في الولاية الأميركية تكساس [المعروفة بتوجهاتها السياسية اليمينية].
وفي الآونة الأخيرة، أصبح مولعاً بالحلول التكنولوجية لأزمة المناخ، من قبيل الطاقة النووية واحتجاز الكربون. ونادراً ما يتحدث عن أزمة المناخ بوصفها تهديداً وشيكاً يلوح في الأفق. الآن، يصب تركيزه على تطوير الروبوتات والذكاء الاصطناعي، وإيجاد حلول لتراجع عدد السكان، والوصول إلى المريخ، باعتبارها اتجاهات وحلولاً أكثر أهمية لاستمرار البشرية.
حتى أن بعض المديرين التنفيذيين في “تسلا” غادروها بسبب التحول في آراء ماسك، بينما شن ترمب حملة لإنهاء الإعفاء الضريبي على السيارات الكهربائية الذي كان ساعد في دعم وتعزيز الوضع المالي والتنافسي للشركة في السوق. كذلك أشار ماسك إلى ضرورة إلغاء الإعفاء أيضاً للمستخدمين الذين يشترون هذا النوع من المركبات. ولكن من المقرر أن يتناقش مع ترمب في شأن أهمية دعم جميع مشاريعه، مثل “سبيس إكس” SpaceX “ستارلينك” Starlink، وليس التركيز على “تسلا” فقط، حسبما أخبر أحد المقربين منه “واشنطن بوست”.
وقال خمسة مقربين من ماسك للصحيفة إن التحول في مواقفه لم يكن مفاجئاً بل حدث تدرجاً على مدى سنوات عدة، مضيفين أن هذا التغير قد ظهر بعد انغماس قطب الأعمال في صراعات مع دعاة حماية البيئة، وبعد علاقة مليئة بالخلافات مع إدارة جو بايدن، وتحول في آرائه المرتبطة بجائحة كورونا نحو اليمين السياسي.
كذلك قال أحد هؤلاء للصحيفة: “كان ماسك يتبنى مواقف وآراء الحزب الديمقراطي، وكان يعتقد أن كل ما قيل له في شأن أزمة المناخ صحيح. أما الآن، فيفكر بصورة مستقلة ويدرك أن تغير المناخ، نعم، حقيقة واقعة، ولكنه ليس من بين المشكلات الرئيسة في الوقت الحالي”.
في عام 2020، بدأت الجائحة في تغيير آراء ماسك، إذ أغلق مصنع “تسلا” الرئيس أبوابه بسبب عمليات الإغلاق في البلاد. وأشارت الصحيفة إلى أن ماسك أقدم على تمزيق ملصقات تدعو إلى ارتداء الكمامات الواقية.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وكشف ماسك في مايو 2020 أن المقر الرئيس لشركة “تسلا” سيغادر كاليفورنيا. وفي الوقت نفسه تقريباً، تلقت ابنة ماسك المتحولة جنسياً فيفيان جينا ويلسون مجموعة من العلاجات لمساعدتها في الشعور بتوافق بين هويتها الجنسية وجسمها، إذ قال المقربون من ماسك إنه كان في حال شديدة من الحزن والصدمة بسبب تحول ابنته جنسياً.
هكذا، دفعته الجائحة والتحول الجنسي لابنته إلى الابتعاد عن الديمقراطيين وكل ما يمثلونه، بما في ذلك وجهات نظرهم في شأن تغير المناخ.
“كل ما يقوله التيار السياسي اليساري كان بالنسبة إليه تآمرياً وهراء”، قال أحد المقربين منه لصحيفة “واشنطن بوست”.
وفي العام التالي، شعر ماسك بغضب شديد بعد استبعاد “تسلا” من حضور مؤتمر حول السيارات الكهربائية في البيت الأبيض.
هكذا، بدأ ماسك في مناقشة قضايا المناخ مع آخرين يتبنون وجهات نظر متشككة في شأن التنبؤات المناخية، مثل المؤسس المشارك لشركة “بالانتير” للتكنولوجيا جو لونسديل، وحاكم ولاية فلوريدا رون ديسانتيس.
وعلمت الصحيفة من روبرت زوبرين، الذي يتعاون مع ماسك في بعض المشاريع، إن الأخير قرر الانضمام إلى هذا المعسكر، وكانت هذه الخطوة أكثر أهمية بالنسبة إليه من قضية المناخ برمتها. قال زوبرين: “لقد قرر أن يكرس نفسه تماماً لهذا الاختيار”. وأضاف: “أعتقد أن هذه السمة التي تميز ماسك، إذ عندما يعتزم القيام بشيء ما، فإنه يلتزمه بالكامل”.
في العام الماضي، التقى ماسك مع رائد الأعمال فيفيك راماسوامي الذي كان مرشحاً للفوز بتمثيل الحزب الجمهوري في انتخابات عام 2024. يتولى الثنائي الآن مسؤولية اللجنة الخارجية لوزارة الكفاءة الحكومية، أو “دوج” DOGE، التي من المقرر أن توصي بخفضات كبيرة في الإنفاق الحكومة الفيدرالي.
في لمحة عما سيحدث لاحقاً، نشر ماسك الشهر الماضي على وسائل التواصل الاجتماعي أسماء وألقاب أربعة أشخاص يشغلون وظائف حكومية متواضعة ذات صلة بقضايا المناخ، مما أدى إلى ردود فعل غير إيجابية وانتقادات وتعليقات سلبية من بعض المستخدمين، وحمل واحدة من تلك النساء الأربع على حذف حساباتها على المنصات الاجتماعية.
نقلاً عن : اندبندنت عربية