أعلن الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون الخميس أنه سيسمي رئيساً جديداً للوزراء “في الأيام المقبلة” بعد استقالة ميشال بارنييه إثر حجب الثقة عن حكومته في الجمعية الوطنية.
وفي خطاب إلى الأمة، مدته عشر دقائق، رفض ماكرون أي دعوات إلى استقالته، مؤكداً أنه سيبقى رئيساً “في شكل تام، حتى انتهاء الولاية” في عام 2027، ومهاجماً “اليمين المتطرف” و”اليسار الراديكالي” اللذين اتهمها بأنهما اتحدا ضمن “جبهة مناهضة للجمهورية” بهدف إسقاط حكومة بارنييه.

وبعد حجب الثقة عن الحكومة، قدم رئيس الوزراء الفرنسي ميشال بارنييه استقالته للرئيس ماكرون، في محاولة لتحديد الوجهة في مرحلة عدم اليقين التي تزيد أزمة الموازنة من حدتها.

وقد تترافق هذه العاصفة السياسية مع أخرى اجتماعية. فمن المدرسين إلى المراقبين الجويين، يشهد اليوم تعبئة وإضراباً في صفوف الموظفين الرسميين مع عشرات التجمعات المتوقعة في كل أرجاء البلاد، وطلب الطيران المدني من الشركات الجوية خفض برامج رحلاتها.

ووصل ميشال بارنييه المفوض الأوروبي السابق الذي ينتمي إلى صفوف اليمين عند الساعة 10:00 (09:00 ت. غ) إلى قصر “الإليزيه”، وخرج منه بعد ساعة دون أن يدلي بأي تصريح.

وأعلنت الرئاسة أن ماكرون “أخذ علماً” باستقالة رئيس الوزراء الذي سيتولى مع حكومته تسيير الأعمال حتى تسمية خلف له.

ويوجه رئيس البلاد كلمة إلى الفرنسيين عند الساعة 20:00 بالتوقيت المحلي (19:00 ت. غ)، وفق ما أفاد مكتبه.

وقال قصر “الإليزيه” في بيان اليوم إن الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون طلب من رئيس الوزراء ميشيل بارنييه وحكومته البقاء لتصريف الأعمال، حتى ترشيح رئيس وزراء جديد.

لا خيارات لماكرون

وثمة ضرورة لحصول تحرك عاجل نظراً إلى عمق الأزمة السياسية المستفحلة منذ قرر ماكرون حل الجمعية الوطنية خلال يونيو (حزيران) الماضي بعد الخسارة الكبيرة التي مني بها معسكره في الانتخابات البرلمانية الأوروبية أمام اليمين المتطرف.

وأفضت الانتخابات التشريعية المبكرة إلى جمعية وطنية مشرذمة وموزعة على ثلاث كتل هي تحالف اليسار ومعسكر ماكرون واليمين المتطرف، من دون أن يكون لأي منها الغالبية المطلقة.

وبعد مداولات استمرت 50 يوماً شكلت حكومة تضم وزراء من اليمين والوسط مطلع سبتمبر (أيلول) الماضي. وبعد ثلاثة أشهر على ذلك سقطت الحكومة أمام الجمعية الوطنية بموجب مذكرة حجب ثقة للمرة الأولى منذ عام 1962. وهذه أقصر ولاية لحكومة في ظل الجمهورية الفرنسية الثانية التي أعلنت عام 1958.

وطلبت رئيسة الجمعية الوطنية يائبل برون بيفيه من ماكرون صباح اليوم تعيين رئيس جديد للوزراء “سريعاً”.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

واستقبل رئيس الدولة برون بيفيه ومن المقرر أن يستقبل رئيس مجلس الشيوخ جيرار لارشيه.

وتناول ماكرون أيضاً الغداء اليوم في “الإليزيه” مع زعيم حزب “الحركة الديمقراطية” فرنسوا بايرو الذي يتم تداول اسمه ليحل محل بارنييه، بحسب مصدر مطلع.

في الأثناء، امتنعت أوساط الرئيس الذي تراجعت شعبيته إلى أدنى مستوى، عن تقديم أي جدول زمني للخطوات التالية، لكن مقربين منه أشاروا إلى أنه ينوي التحرك بسرعة وربما اعتباراً من مساء اليوم، وأكد أحدهم “لا خيار له”.

ويبدو الانقسام واضحاً بين اليسار والوسط واليمين، للاتفاق على حكومة ائتلافية جديدة.

وحذرت زعيمة مجموعة نواب حزب فرنسا الأبية اليساري الراديكالي اليوم، من أن حزبها لن يعطي الثقة في الجمعية لأي رئيس للوزراء لا ينتمي إلى تحالف اليسار المعروف باسم “الجبهة الشعبية الجديدة”، الذي يضم الخضر والاشتراكيين والشيوعيين واليسار الراديكالي.

واعتمدت مذكرة حجب الثقة بتأييد 331 نائباً فيما كانت تحتاج إلى 289 فقط لإسقاط الحكومة، مما يجعل الضربة مؤلمة أكثر على السلطة.

غموض في الأفق

ولحجب الثقة عن الحكومة صوت نواب اليسار وحزب التجمع الوطني اليميني المتطرف وحلفاؤه دعماً للمذكرة، التي تتناول مسائل الموازنة فيما تعاني فرنسا مديونية مرتفعة.

وسارع اليسار الراديكالي إلى المطالبة باستقالة رئيس البلاد والدعوة إلى انتخابات “رئاسية مبكرة”.

واعتمدت زعيمة اليمين المتطرف مارين لوبن موقفاً أكثر اعتدالاً مقارنة باليسار الراديكالي، مؤكدة أنها ستفسح المجال أمام رئيس الحكومة المقبل “للعمل على بناء موازنة مقبولة للجميع بصورة مشتركة”. وقالت “لا أطالب باستقالة إيمانويل ماكرون”.

واستبعد الرئيس الفرنسي الذي انتخب عام 2017 لولاية أولى وعام 2022 لولاية ثانية الاستقالة.

ومع أن سقوط حكومة ميشال بارنييه كان متوقعاً فإن الصحافة أعربت عن قلقها اليوم من “مرحلة الغموض التي تلوح في الأفق”.

وانقسم الفرنسيون حول الوضع، فأيد 53 في المئة قرار النواب فيما أعرب 82 في المئة عن قلقهم من تبعاته، وفق استطلاع للرأي أجراه معهد “تولونا هاريس انتراكتيف” لحساب “آر تي أل”.

وأعرب مواطنون استطلعت وكالة الصحافة الفرنسية آراءهم في أرجاء البلاد عن قلقهم من “الغموض” و”الحلقة المفرغة” و”الطريق المسدود”.

ويتطلب وضع الموازنة في ثاني أكبر اقتصاد داخل منطقة اليورو، تشكيل حكومة بأسرع وقت.

ويتوقع أن يبلغ العجز العام 6.1 في المئة من إجمال الناتج المحلي العام الحالي، أي أكثر بكثير من 4.4 في المئة كانت متوقعة خلال خريف 2023 فيما سيؤثر عدم اليقين السياسي على كلفة الدين والنمو.

وقالت وكالة “موديز” للتصنيف الائتماني في مذكرة نشرتها مساء أمس، إن سقوط الحكومة الفرنسية “يقلص احتمال تعزيز المالية العامة”.

على رغم ذلك ظلت الأسواق هادئة، فبعد الافتتاح على انخفاض طفيف (-0.28 في المئة) أمس، ارتفعت بورصة باريس قليلاً منتصف النهار (+0.22 في المئة). وبعيداً من الارتفاع فإن معدل فائدة الاقتراض الفرنسي في الأسواق كان يتجه نحو الانخفاض.

نقلاً عن : اندبندنت عربية