ما العدد الحقيقي للمهاجرين المرحلين خلال عهود أوباما وترمب وبايدن؟

هدد دونالد ترمب باستخدام الجيش لتنفيذ عمليات ترحيل جماعي بعد أن جعل من موضوع الهجرة غير الشرعية إحدى سياساته الرئيسة خلال الحملات الانتخابية عام 2024، إذ قال إنه سيطرد ملايين الأشخاص من البلاد.

وكان ترمب قد أعرب عن فخره بأنه يقوم بالتخطيط لإحدى “أكبر عمليات الترحيل في تاريخ الولايات المتحدة”، قائلاً إنه لا يهمه كم ستكون كلفة تنفيذ ذلك المخطط. كما أن المسؤول المكلف ملف الحدود [والهجرة] الذي قام باختياره لشغل المنصب في إدارته المقبلة هو توم هومان، الذي يعتبر من المتشددين، إذ وعد بخطوات “صادمة ومرعبة” سيقوم بها عندما يبدأ عمله، واصفاً سياسة الحكومة الحالية بشأن الهجرة بأنها تعكس “انتحاراً وطنياً”.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

لكن، وبعيداً من المبالغة، كم عدد المهاجرين الذين سيتعين على ترمب إبعادهم عن الولايات المتحدة الأميركية حتى يصح إطلاق وصف “أكبر عملية” تشهدها الولايات المتحدة على الإطلاق على خطته؟

في ما يلي سنلقي نظرة على سجل إنجازات آخر ثلاثة رؤساء أميركيين، بما في ذلك سجل ترمب خلال ولايته الأولى، بما يتعلق بعدد الأشخاص الذين تم ترحيلهم بالفعل:

كم عدد الأشخاص الذين يعيشون بشكل غير قانوني في الولايات المتحدة الأميركية، وكيف تتم عمليات الترحيل؟

وفقاً لمعهد “بيو” للأبحاث، هناك ما يقدر بنحو 11 مليون مهاجر غير مسجلين في الولايات المتحدة. ومن بين هؤلاء، هناك نحو 8.3 مليون ممن لديهم وظائف، وهم يشكلون نحو 4.8 في المئة من إجمالي نسبة اليد العاملة في الولايات المتحدة.

يصل عدد قضايا الهجرة المتراكمة في الدوائر الرسمية إلى 4.3 مليون قضية، وفقاً لأحدث الأرقام الصادرة عن دوائر الهجرة والجنسية الأميركية التي نشرت في سبتمبر (أيلول) الماضي. معلوم أن نظام المحاكم الفيدرالية هو الجهة المولجة النظر في قضايا الهجرة، حيث يناط بقضاتها حق الأمر بإبعاد شخص ما عن أراضي الولايات المتحدة.

من بين هذه القضايا، وصل عدد القضايا المتراكمة المتعلقة بطلب اللجوء إلى 1.1 مليون قضية في عام 2024، وفقاً لمركز تبادل السجلات المعاملاتية في سيراكيوز. بالنسبة لطالبي اللجوء، عادة ما يكون وقت المعالجة نحو ستة أشهر؛ على رغم أن البعض ينتظرون لفترة أطول بكثير للحصول على قرار، حتى 10 سنوات.

 

ويمكن “إعادة المهاجرين غير الشرعيين” من الولايات المتحدة من خلال طريقتين رئيسيتين: الإبعاد أو الإعادة.

“الإبعاد” هو أول ما قد يتبادر إلى الذهن عند التفكير في مسألة ترحيل المهاجرين. وهذا قد يتطلب أمر إبعاد تنفذه دائرة الهجرة والجمارك، أو دوائر الجمارك وحرس الحدود، وهذا إجراء لا يتم بشكل طوعي، ويحمل في طياته عواقب جنائية في حال عودة المبعد إلى الولايات المتحدة من جديد. قرارات الإبعاد تعتبر أشد أشكال الإعادة قسوة إلى البلد التي يصل منها المهاجر غير الشرعي.

كما تتم إعادة نسبة كبيرة من المهاجرين غير الشرعيين إلى أوطانهم في شكل “إعادة”، وهذا عادة ما يتم عبر عدة طرق، من دون أن تكون هناك قيود على العودة إلى الولايات المتحدة. عمليات الإعادة القسرية عادة ما تتم بحق المهاجرين الذين يعبرون الحدود بشكل غير قانوني، ولكنهم عادة يغادرون طوعاً من دون الحاجة إلى أمر إبعاد رسمي.

ويمكن أن تشمل حالات الإعادة الإدارية حالات مثل المواطنين الذين يصلون إلى المطارات، أو الموانئ من دون تأشيرات دخول، أو عندما يتم رفض طلبات التأشيرة التي وصلوا على أساسها وإلغائها.

كم بلغ عدد الأشخاص الذين تم ترحيلهم في عهد الرئيسين ترمب وأوباما؟

خلال ولاية الرئيس ترمب الأولى، جرى ترحيل ما يقرب من 1.2 مليون شخص من خلال أوامر الإبعاد. كما عاد طوعاً 805770 شخصاً آخرين، أو رفض دخولهم عند المعابر الحدودية بين السنوات المالية الممتدة بين 2017 و2020.

وكانت قرارات ترحيل المهاجرين إبان ولاية الرئيس ترمب الرئاسية أقل مقارنة بفترتي ولاية رئاسة أوباما. فقد تم إبعاد ما يقرب من 1.57 مليون و1.49 مليون مهاجر في السنوات المالية لعهد رئاسة أوباما الأولى والثانية على التوالي.

في الواقع، كان الرئيس أوباما قد أشرف على أعلى نسبة عمليات ترحيل مقارنة بأي رئيس أميركي آخر في التاريخ.

بين الأعوام 2009 و2016، وصل مجموع أوامر الترحيل التي صدرت في تلك الفترة إلى أكثر من ثلاثة ملايين أمر إبعاد، وهذا الرقم لا يشمل عمليات “الرحيل الطوعي” وعمليات الإعادة عند النقاط الحدودية المختلفة.

ولدى احتساب جميع عمليات الإعادة إلى الوطن، نجد أن 5.24 مليون مهاجر كان قد أبعدوا أو عادوا خلال تلك السنوات.

في تلك الفترة، كانت إدارة أوباما قد ركزت بشكل خاص على “التهديدات التي تطاول الأمن القومي، ومسائل أمن الحدود والسلامة العامة”، من خلال استهداف المجرمين المدانين لترحيلهم أو إبعادهم. ففي عام 2015، على سبيل المثال، كان 91 في المئة من الأشخاص الذين تم إبعادهم بموجب قرارات الترحيل من أصحاب السوابق الجنائية.

ولاحقاً قام الرئيس ترمب وبشكل صريح بإلغاء هذا الإجراء، والمتعلق بأولوية ترحيل أصحاب الإدانات الجنائية بمجرد تسلمه منصبه، وذلك لسبب هو أنه “لا يمكننا تنفيذ قوانين الهجرة في الولايات المتحدة بأمانة، إذا قمنا باستثناء طبقات أو فئات من الأجانب القابلين للإبعاد من القانون الذي يمكن أن يشملهم أيضاً”.

وبالمقارنة مع ما سبق، فإن 41 في المئة فقط من عمليات الترحيل بقرارات إبعاد عام 2019، كانت موجهة ضد مجرمين مدانين.

هل كان بايدن صارماً بشأن الهجرة غير الشرعية؟

كان الرئيس ترمب قد وجه انتقادات لإدارة جو بايدن بسبب تساهلها مع مسألة ضبط الحدود، وتباطئها في عمليات الترحيل. لكن الواقع لا يعكس صورة واضحة.

يبلغ العدد الإجمالي لعمليات الإعادة خلال عهد إدارة بايدن حتى الآن نحو 4.7 مليون شخص، وهو رقم يعتبر أعلى بكثير من الأرقام المسجلة إبان عهدي كل من رئاسة ترمب وباراك أوباما على حد سواء، ولكن ذلك لا يمكن اعتماده من دون الأخذ في الاعتبار عامل أساسي مهم.

ويعود السبب الأساسي في الارتفاع إلى البند رقم 42، [البند 42 من قانون الصحة العامة لعام 1944] الذي صدر إبان جائحة كورونا، والذي تم اعتماده من بداية مارس (آذار) عام 2020، (أي خلال عهد ترمب الرئاسي) وصولاً إلى عام 2023.

ومكّن البند 42 من إجراء عمليات طرد لأسباب متعلقة بالصحة العامة، وتم تطبيقه بشكل خاص لمنع عمليات الدخول عند الحدود الأميركية- المكسيكية، وهو ما أدى إلى إلغاء القدرة على طلب اللجوء. حاول بايدن إنهاء العمل بمفاعيل ذلك التشريع عام 2022، لكن الجمهوريين رفعوا دعوى قضائية ضد إدارته متذرعين بمخاوف تتعلق بأمن الحدود.

وعندما تم رفع حالة الطوارئ الوطنية الخاصة بجائحة كورونا في شهر مايو (أيار) عام 2023، تم رفع قيود البند 42 أيضاً، وهو ما أدى إلى تسجيل تدفق كبير للمهاجرين العابرين للحدود الجنوبية مع اقتراب انتهاء مفاعيل تلك السياسة.

وبعد إيقاف العمل بمفاعيل تلك السياسة، لجأ الرئيس بايدن إلى البند الثامن التقليدي المعمول به لإعادة أو إبعاد نحو مليون و969 ألف مهاجر غير شرعي.

ومع ذلك، وعند النظر فقط إلى قرارات إبعاد المهاجرين، وهي عمليات الترحيل غير الطوعية التي تمنع إعادة الدخول إلى البلاد، فإن تلك الأرقام خلال عهد بايدن الرئاسي كانت قد سجلت انخفاضاً بشكل ملحوظ.

لقد كان هناك ما يقرب من 649 ألف عملية ترحيل لأشخاص يعيشون بشكل غير قانوني في الولايات المتحدة، من خلال قرارات إبعاد منذ بداية السنة المالية لعام 2021.

 

وهذا عدد يزيد قليلاً على نصف عدد عمليات الإبعاد والترحيل التي بلغت نحو 1.2 مليون عملية إبعاد والتي كانت قد تمت طوال عهد ترمب الرئاسي من عام 2017، إلى عام 2020، عندما كانت إدارة ترمب على رأس السلطة في البلاد.

عمليات الترحيل الأكثر صرامة كانت قد انخفضت في عهد الرئيس بايدن، وهي عمليات الترحيل التي يواجه أصحابها عواقب جنائية في حال العودة ومحاولة الدخول إلى الولايات المتحدة، على رغم أن استخدام البند 42، كان قد أتاح في الوقت نفسه إبعاد أعداد كبيرة من الأشخاص الذين تم ترحيلهم من عند النقاط الحدودية.

وفي الوقت نفسه، أحبط الجمهوريون في الكونغرس جهود بايدن لتقديم تشريع حزبي مشترك يتعلق بإنجاز اتفاقية أمنية.

الأولوية للمجرمين

تتصدر المكسيك باستمرار قائمة قرارات الترحيل لرعاياها بموجب أوامر الإبعاد، تليها دول أخرى في أميركا الوسطى مثل هندوراس وغواتيمالا.

في السنوات الخمس الماضية، يبدو أن نسبة المجرمين الذين كانوا قد واجهوا أوامر إبعاد قد انخفضت.

في السنة المالية لعام 2023، كانت نسبة المهاجرين غير الشرعيين الذي صدرت بحقهم أوامر إبعاد، وكان لديهم سجل إجرامي نحو 32 في المئة فقط من مجموع المرحلين. في عام 2024، وحتى الآن، شكلت عمليات ترحيل المهاجرين غير الشرعيين لأفراد مدانيين جنائياً ما نسبته واحد من كل خمس حالات إبعاد.

وكان كل من الجمهوريين والديمقراطيين قد ركزوا على المدانين عندما كان الأمر يتعلق بمعالجة مسألة الهجرة غير الشرعية.

واستغل بعض الجمهوريين عامل الجريمة في أوساط المهاجرين غير الشرعيين لتبرير سياساتهم المبنية على مناهضة الهجرة. من ناحية أخرى، حث الديمقراطيون على ضرورة إعطاء الأولوية لمحاربة المجرمين بدلاً من اعتماد سياسات ترحيل شاملة.

وبغض النظر، فإن الأرقام الأخيرة الصادرة خلال ولاية بايدن تظهر أن عمليات ترحيل المهاجرين غير الشرعيين لم تقتصر على أصحاب السوابق الجنائية فقط.

كم ستبلغ تكلفة تطبيق خطط ترمب؟

في حين أن العدد الدقيق للأشخاص الذين سيتم ترحيلهم لم يتضح بعد، إلا أنه ليس هناك شك في أن خطط الرئيس المنتخب ترمب ستترتب عنها تكاليف باهظة تقع على كاهل دافعي الضرائب من الأميركيين.

فوفقاً لوكالة إنفاذ قوانين الهجرة والجمارك، يمكن أن تكلف رحلة جوية واحدة كاملة من المهاجرين غير الشرعيين لإعادتهم إلى بلدهم الأصلي نحو 250 ألف دولار. وعلى أقل تقدير، تكلّف عمليات الترحيل التي تقوم بها وكالة إنفاذ قوانين الهجرة والجمارك دافعي الضرائب 10854 دولاراً لكل مهاجر غير شرعي، وفقاً لأرقام تعود لعام 2016 بثتها قناة “سي أن أن” الإخبارية.

وكان تقرير صادر عن مجلس الهجرة الأميركي قد قدر تكلفة إعادة وترحيل لمرة واحدة جميع المهاجرين غير الشرعيين الذين لا يتمتعون بوضع قانوني بما لا يقل عن 315 مليار دولار أميركي.

ووفقاً للتقرير، فإن خطة طويلة الأجل تشمل ترحيل مليون شخص سنوياً ستكلف ما متوسطه 88 مليار دولار سنوياً، أي ما مجموعه 968 مليار دولار بشكل إجمالي.

نقلاً عن : اندبندنت عربية