ما انعكاسات الفيتو الروسي على حرب السودان؟

استخدمت روسيا حق النقض ضد مشروع قرار في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، اقترحته بريطانيا، لوقف الأعمال العدائية في السودان والتمهيد لحوار يؤدي إلى خفض التصعيد، والاتفاق على وقف لإطلاق النار، وحماية المدنيين من الحرب المشتعلة هناك منذ أبريل (نيسان) 2023 بين قوات الجيش بقيادة الفريق عبدالفتاح البرهان، وقوات “الدعم السريع” بقيادة محمد حمدان دقلو (حميدتي).
وفي حين تعرض الفيتو الروسي لانتقادات، منها وصف وزير الخارجية البريطاني ديفيد لامي بأنه “مشين ويظهر مجدداً للعالم الوجه الحقيقي لروسيا”، تعللت روسيا بمخاوفها في شأن انتهاك السيادة الوطنية للسودان وسلامة أراضيه. كما انتقد نائب المندوب الروسي الدائم لدى الأمم المتحدة، ديميتري بوليانسكي، القرار وشكك في فاعليته. ورأى أنه لا ينبغي للمجلس أن يفرض هذا الاتفاق بطريقة “متبلة بنكهة استعمارية”، وأنه سيعمل على تفويض السلطة إلى جهات فاعلة غير حكومية، مما يعد تقويضاً للحكومة السودانية “الشرعية”.
وهذه ليست المرة الأولى التي تتخذ فيها روسيا موقفاً سلبياً ضد قرارات مجلس الأمن المتعلقة بالسودان هذا العام، إذ امتنعت عن التصويت على قرارين سابقين أيدتهما 14 دولة. الأول، في مارس (آذار) الماضي، وكان قد دعا إلى وقف فوري للأعمال القتالية خلال شهر رمضان. والثاني في يونيو (حزيران) الماضي، وكان قد طالب بوقف حصار قوات “الدعم السريع” لمدينة الفاشر عاصمة ولاية شمال دارفور. وطالب القراران معاً بإتاحة وصول المساعدات الإنسانية بصورة كاملة وسريعة وآمنة ومن دون عوائق.

عرقلة التحركات

 حين تساءل ديفيد لامي “كم عدد السودانيين الذين يجب قتلهم، وكم عدد النساء اللاتي يجب اغتصابهن، وكم عدد الأطفال الذين يجب حرمانهم من الطعام قبل أن تتحرك روسيا؟”، كان نحو 25 مليون شخص، أي نصف عدد سكان السودان، يحتاجون إلى مساعدات مع انتشار المجاعة في مخيمات النازحين، بحسب ما أوردت الأمم المتحدة. وقدرت من فروا من منازلهم بنحو 11 مليوناً، منهم 3 ملايين لجأوا إلى بلدان أخرى.
يذكر أنه في سبتمبر (أيلول) الماضي كان مجلس الأمن الدولي قرر تمديد العقوبات المفروضة على السودان منذ عام 2005، لمدة عام آخر، ونص القرار 1591 على “فرض حظر على الأسلحة، وعقوبات ضد بعض الأفراد والمؤسسات المشاركة في الصراع في دارفور”. وحظي مشروع قرار التمديد الذي قدمته الولايات المتحدة بإجماع الأعضاء الـ15 في مجلس الأمن. ونص على “تمديد العقوبات التي تشمل حظر الأسلحة على البلاد، وحظر سفر بعض الشخصيات والمؤسسات، وتجميد الأصول حتى الـ12 من سبتمبر 2025.

انتقاد أميركي

وربطت مندوب الولايات المتحدة الدائم لدى الأمم المتحدة ليندا توماس غرينفيلد بين هذا القرار والقرارات السابقة، قائلة إنه “من المذهل أن روسيا استخدمت حق النقض ضد جهود إنقاذ الأرواح، على رغم أنه ربما لا ينبغي لها ذلك”. وأضافت أن “روسيا عرقلت وأعاقت على مدى أشهر تحرك المجلس لمعالجة الوضع الكارثي في السودان ولعبت على كلا جانبي الصراع، لتعزيز أهدافها السياسية على حساب أرواح السودانيين”.
أما مشروع القرار البريطاني فدعا طرفي النزاع إلى “احترام الالتزامات التي تم التعهد بها في عام 2023 لحماية المدنيين، وعدم استخدام العنف الجنسي كتكتيك حرب، والسماح بوصول المساعدات الإنسانية بسرعة وأمان وبلا عوائق”. وطالب مشروع القرار قوات “الدعم السريع” بوقف هجماتها فوراً في مختلف أنحاء السودان، كما طالب الطرفين المتحاربين بوقف الأعمال القتالية فوراً.
وعلى غير المتوقع، أيدت الصين حليفة روسيا مشروع القرار، وأشار السفير الصيني لدى الأمم المتحدة فو كونغ إلى الخسائر المتزايدة في الحرب والوضع الإنساني “المزري بصورة متزايدة”. وقال “تؤيد الصين تحقيق وقف إطلاق النار الفوري وتهدئة الوضع من أجل حماية المدنيين. لذلك، صوتنا لمصلحة مشروع القرار”.

دوافع روسيا

وعكس حق النقض (الفيتو) الروسي ضد مشروع قرار مجلس الأمن نهج الكرملين الاستراتيجي الأوسع، إذ ظل يقاوم القرارات المدعومة من الغرب ويعدها تدخلية. وفي الغالب، عمدت موسكو إلى ذلك، لتعزيز علاقاتها السياسية والاقتصادية مع قوات الجيش السوداني بعد تذبذبها خلال وقت مضي، ما بينه وبين “الدعم السريع”.

يرجع المتخصص في مجال السياسة الخارجية بالجامعات السودانية، عبدالرحمن أبو خريس، لجوء روسيا إلى استخدام حق النقض، إلى عوامل عدة بعضها يرتبط بالداخل السوداني وأخرى ذات طابع خارجي.
ويشير أبوخريس إلى أنه “على مستوى العلاقات الثنائية السودانية – الروسية فقد أصبح لدى روسيا مصالح وتطلعات معلومة ترتبط بمشروعات كبيرة في مجالات الموانئ والذهب والبترول، إلى جانب مشروعات إعادة الإعمار ما بعد الحرب”.
أما على المستوى الخارجي بحسب أبو خريس، فقد سعت روسيا من خلال استخدامها الفيتو في مواجهة جميع أعضاء مجلس الأمن إلى تعزيز مكانتها الدولية وبدت أكثر تعاطفاً مع الدول الأفريقية بما يكسبها أرضية كبيرة في القارة الأفريقية وهو بالضبط ما تبحث عنه في هذه المرحلة. وتابع “يبدو أن روسيا أجرت حسابات كثيرة وكبيرة وجيدة بالنسبة إلى مستقبل علاقاتها الخارجية بالسودان وأفريقيا عموماً في استخدامها حق النقض في مواجهة مشروع القرار البريطاني، مستفيدة من التغييرات التي أفرزتها الانتخابات الأميركية وفوز الرئيس الجمهوري دونالد ترمب المعروف بصداقته مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، وموقفه المعلن من الحرب الروسية – الأوكرانية وتوجهاته الإيجابية تجاه روسيا، وهو ما سيشجع روسيا على التمدد في القرن الأفريقي، كون الإدارة الجمهورية الجديدة لا تمانع في التمدد الروسي بالمياه الدافئة شريطة ضمان مصالحها”.
وأشار أبو خريس إلى أن “استخدام حق النقض يهيئ لروسيا المسرح السوداني الداخلي ويفتح الأبواب مبكراً أمام شركاتها، ويجعل الملف السوداني الخارجي ضمن أجندة السياسة الخارجية الروسية مستقبلاً، وتبدو في ذلك وكأنها قرأت الساحة السياسية السودانية الداخلية بصورة جيدة في دفاعها عن سيادة الدولة الحالية وشرعية الحكومة القائمة”. وأضاف الأكاديمي أن “المندوب الروسي استفاد من التناقضات التي تضمنتها صياغة المشروع البريطاني، وقدم مسوغات تبدو منطقية لقرار بلاده استخدام حق النقض في إجهاض مشروع القرار، كونه يلمح إلى عدم الاعتراف بالحكومة القائمة حالياً في السودان، بينما هي المنوط بها التعاون في تنفيذ القرار حال مروره”.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

كسب الوقت

وجاء ترحيب الجيش السوداني باستخدام روسيا حق النقض في مجلس الأمن معبراً عن الإشادة بموسكو أكثر من كونه “التزاماً بمبادئ العدالة واحترام سيادة الدول والقانون الدولي” كما جاء في ثنايا حديث السفير السوداني لدى الأمم المتحدة، الحارث إدريس، الذي قال إن الخرطوم مستعدة للتعاون مع جميع الدول المستعدة لإدانة قوات “الدعم السريع” والميليشيات المتحالفة معها، ووقف تدفق الأسلحة إليها، و”احترام سيادة السودان من خلال تنفيذ خطة لحماية المدنيين”. وأضاف أن “السودان في معركة وجودية إذ الخيارات محدودة. إما أن يظل السودان حراً ومستقلاً وموحداً، أو يختفي”.
من جانبه قال الصحافي كمال الطيب إنه “منذ أن نفذ الفريق عبدالفتاح البرهان انقلابه على الحكومة المدنية بقيادة رئيس الوزراء عبدالله حمدوك في أكتوبر (تشرين الأول) 2021، ظل يبحث عن الشرعية، ويمكن للفيتو الذي استخدمته روسيا أن يمكن الجيش ويعزز وجوده باعتباره سلطة أمر واقع”. وأضاف الطيب، “كما يمكن أن يستفيد الجيش من كسب الوقت لإحكام سيطرته على البلاد، خصوصاً أن هناك مناطق تسيطر عليها قوات ’الدعم السريع‘، ويأمل الجيش أن تمتد سيطرته لاستعادتها والتحرك بحرية، وأن يكون مسؤولاً عن فتح مسارات آمنة لمرور المساعدات وتوزيعها من دون تدخل ’الدعم السريع‘، مما يسمح له باستخدامها كوسيلة ضغط في الصراع. ومن شأن الفيتو الروسي أن يعوق هذه الرقابة حتى يحقق تقدماً على ’الدعم السريع‘”.
وأشار الطيب إلى أن “المطلب الحالي للجيش هو إبعاد شبح نشر قوات أممية سواء للسماح بمرور المساعدات أم الإشراف على وقف إطلاق النار”. ورأى أن “أفضل من يدعم الجيش في منع التدخلات الدولية هي روسيا، فإضافة إلى استخدام الفيتو، يساعد دعمها الجيش على مقاومة العقوبات المحتملة أو العزلة الدولية، والحفاظ على قدراته العملياتية والاقتصادية”. وأضاف أن “الفيتو الروسي يمنع أو يؤجل التدقيق على موارد الجيش، خصوصاً بعد استعادة العلاقات الدبلوماسية مع إيران، والعلاقات الاقتصادية والعسكرية أيضاً، تمثلت في مد طهران الجيش السوداني بطائرات مسيرة، رصدت خلال الاشتباكات بين طرفي النزاع قبل أشهر في مدينة أم درمان”.

عزلة دبلوماسية

في المقابل، استنكرت تنسيقية القوى الديمقراطية المدنية “تقدم” الفيتو الروسي، ووصفته بأنه يشكل غطاءً لاستمرار المذابح في السودان، ويعوق جهود التصدي لأكبر مأساة إنسانية في العالم، ويترك الشعب السوداني يرزح تحت شبح الجوع والمرض والفقر.
وأوردت المحامية وصال عبدالله هذه الخسائر في أن “الفيتو يمنع فك حصار ’الدعم السريع‘ المفروض على مناطق مثل مدينة الفاشر، مما يعوق وصول المساعدات الإنسانية إليها”. ورأت أنه “إذا لم ينجح المجتمع الدولي في أكثر المناطق حاجة إلى هذه المساعدات، فإن تصاعد الأزمة الإنسانية سيؤدي إلى تآكل الدعم المدني الذي تتمتع به قوات ’الدعم السريع‘، ولن تكون مصدر ثقة بالنسبة إلى بعض القوى السياسية التي كانت تعول عليها لمساندتها في القضاء على تنظيم الإخوان المسلمين، كما سيتلاشى الوضع المنوط بـ’الدعم السريع‘ إذا كان المجتمع الدولي يضعه في كفة واحدة مع الجيش، عندما كان هناك أمل في عقد حوار يفضي إلى وقف إطلاق النار”. وواصلت عبدالله، “من ناحية أخرى، على رغم استعداد قوات ’الدعم السريع‘ لمتابعة القتال، لكن بعض القيادات بدأت ترى في طول أمد القتال مزيداً من الخسائر، لا سيما مع نضوب مواردها واحتمال فرض عزلة دبلوماسية عليها، إذا فقدت تعاطف القوى المدنية، ومن ثم قدرتها على الدفاع عن الديمقراطية”.

مناهضة القرارات

ويؤشر الفيتو الروسي واستخدام موسكو الدائم له إلى انقسامات عميقة داخل مجلس الأمن، كذلك فإن دفاع روسيا عن موقفها وتبريره بأحاديث عن السيادة يندرج ضمن إطار مواجهتها النفوذ الغربي، إذ إن منع المبادرات المدعومة من الغرب يسمح لروسيا بجذب دول الجنوب المناهضة للاستعمار الحديث. وقد يكون تعطيل القرار مستهدفاً به الغرب وبريطانيا أكثر من الوقوف مع السودان، ورسالة روسيا هنا هي أنه يمكنها أن تعمل كل ما بوسعها للرد على الغرب وحلف الناتو لموقفهم من الحرب الروسية – الأوكرانية، لا سيما أن موسكو في هذا التوقيت نفذت هجمات أخرى.
وتخشى موسكو أن الموافقة على قرار وقف إطلاق النار ستسمح بدخول قوات أممية تشرف على العملية إذا لم يمتثل طرفا النزاع إلى تنفيذه، وذلك يعني تهديد الوجود الروسي ليس في السودان وحسب، وإنما في أفريقيا خصوصاً جنوب الصحراء، لا سيما بعد تكوين تحالف بين بوتين وجنرالات دول الساحل الثلاث (النيجر ومالي وبوركينا فاسو). كما أنها تطمح إلى ترسيخ قاعدة لدى السودان وغيره من الدول الأفريقية قائمة على مناهضة قرارات مجلس الأمن لا سيما إن كانت تتعارض مع مصالحها في القارة السمراء.

نقلاً عن : اندبندنت عربية