قريباً بعد تنصيبه، سيلقي دونالد ترمب خطاباً في المنتدى الاقتصادي العالمي بدافوس. سيحتفي بمشاركته المتحمسون لمنتدى دافوس بوصفها علامة بارزة على أهمية التجمع، ودليلاً على أن التجمع مهم حقاً، لكن حقيقة أن الرئيس الأميركي الجديد سيتحدث افتراضياً يجري تجاهلها، وكذلك الحقيقة أنه ستكون هذه المرة الثالثة التي يتحدث فيها في القمة. الأهم، مع ذلك، سيكون طريقة إلقائه للكلمة. ستكون محاضرة، حديثاً مباشراً، إذ سيخبرهم ترمب تماماً بما يراه وما يمكنهم توقعه من فترته الثانية. وإذا كانت الرسوم الجمركية التي يلوح بها هي الإجراء الذي يقلقهم، فلا تتوقعوا تحديات قوية من الحاضرين.
في الحقيقة لا يحتاج ترمب إليهم، لا يملك أحد من قادة الأعمال الحاضرين له تأثير فيه، سيفعل ما يريد وعليهم تقبله.
ومع ذلك، ينظر إلى خطاب ترمب بوصفه دليلاً على أن منتدى دافوس تجمع حيوي. تنبيه: ليس الأمر كذلك، ولم يكن كذلك ولن يكون، بغض النظر عن مدى رغبة المشاركين في أن نصدق ذلك. هم يقدمون مناقشاتهم السنوية بوصفها حدثاً ذا أهمية عالمية كبيرة، بوصفها مؤتمراً يعيد تشكيل الكوكب، ويؤثر في الاتجاهات السياسية والاقتصادية والاجتماعية، لكنه ليس كذلك على الإطلاق.
هذا العام، أدرج الحاضرون الحروب وظروف المناخ القاسية والمعلومات المضللة باعتبارها كبرى مخاوفهم. يبدو ذلك عظيماً، لكن هذه المسائل هي ما سيذكره عدد من الناس العاديين إذا طلب منهم التفكير في المسائل العالمية، وكما أن هؤلاء لا يستطيعون كبح التحديات المرافقة لهذه المسائل، كذلك الأمر بالنسبة إلى أولئك الذين يجتمعون في منتجع التزلج الواقع في جبال الألب.
ليس هذا هو ما سيقوله أولئك الذين يتوجهون إلى سويسرا ويصعدون الجبال لحضور المنتدى، سيصرون على أن مناقشاتهم تحمل وزناً حقيقياً، وأن العالم وقادته السياسيين يتابعون كل كلمة يقولونها.
صحيح أن عدداً من قادة العالم هذا العام، كما في الأعوام السابقة، سيتحملون عناء المشاركة شخصياً أو التحدث، كما سيفعل ترمب، عبر الكاميرات. لكن ذلك ليس إلا واجهة، ليس إلا بريقاً، مصمماً لجعل منتدى دافوس يبدو أكثر أهمية مما هو عليه حقاً.
سيقوم السياسيون الكبار بذلك لأنهم يستطيعون التواصل في مكان واحد مع بعض أغنى الأشخاص في العالم، ذلك أفضل من الاضطرار إلى مقابلتهم في صورة فردية. إنها فرصة لعرض حججهم، لترك انطباعات جيدة، لعرض أجنداتهم على الحاضرين في القاعة وعلى الجمهور الأوسع الذي يتابع المجريات. إنها فرصة أيضاً، كما تفعل ريتشل ريفز، وزيرة الخزانة البريطانية المحاصرة بالضغوط والانتقادات، للتشديد على حججها لصالح زيادة الاستثمار الأجنبي في بلادها.
لكن على صعيد إعادة تشكيل الأحداث والاتجاهات الدولية، ليس المنتدى مفيداً كثيراً. يتصدر العظماء والأقوياء عناوين وسائل الإعلام لإعطاء منتدى دافوس سبباً للوجود، ولاسيما في نظر رؤساء الشركات الذين يعملون لإدارة النفقات وزيادة انبعاثات الكربون المتزايدة بالفعل.
بخلاف ذلك، سيعاود منتدى دافوس التركيز على غرضه الأساس، كجهة منظمة لحفلة دولية ضخمة مخصصة لإقامة العلاقات، يرافقها بعض التزلج.
هذا هو السبب الحقيقي لاهتمام الحضور، قبل أن يحزم ملوك القطاعات وملكاتها حقائبهم، يتأكدون من أنهم جمعوا ما يكفي من بطاقات العمل (business cards). يتحققون من دفاتر مواعيدهم المليئة بمآدب الفطور والغداء والعشاء وجلسات القهوة والاستقبالات. إذا كانوا مهمين بما يكفي ليمتلكوا حاشية، يجري إطلاعهم على الترتيبات وينظرون فيمن يرغبون في مقابلتهم، ومن يرغبون في رؤيتهم، وأي أحداث يرغبون في أن يظهروا فيها.
على غرار أية مناسبة من هذا النوع، سيكون هناك لقاءات غير متوقعة، لقاءات لم يكن مخططاً لها. هذا جزء من جاذبية المنتدى. من المدهش عدد المرات التي يسمع فيها المرء المشاركين في دافوس المتحمسين وهم يتحدثون عما حصلوا عليه من منتدى هذا العام، فيقولون: “أنتم لن تصدقوا، لكنني التقيت بفلان وفلان خلال حفلات كوكتيل ليلية رافقها عزف على البيانو. اتفقنا على الاجتماع لاحقاً، في لندن”.
سيكون لمنتدى دافوس صدى أكبر بكثير إذا كان حاملو التصاريح المرموقة، الذين يحملون درجات من الرتب العليا، ينظرون في أنفسهم ويركزون على تحسين معايير مجتمعات أعمالهم والتصورات التي يحملها الناس عنهم.
بدلاً من الانشغال بالحروب وظروف الطقس القاسية والمعلومات المضللة، التي لا يستطيعون تغييرها قيد أنملة، يمكنهم: تسمية المصرفيين، ومديري صناديق الاستثمار الخاصة، ومديري صناديق التحوط الذين يحصلون على مكافآت ضخمة ويتصرفون بتهور بأموال كسبها آخرون بشق الأنفس، وفضحهم. والتعهد بعدم الاستفادة من الهياكل الضريبية الخارجية والملاذات السرية، والالتزام بذلك. والموافقة على دفع مزيد من المال إلى عامليهم البسطاء، وعدم استخدام العمالة الرخيصة. ووضع ترتيبات تقاعد أفضل لموظفيهم جميعاً. وفضح أولئك الذين يبيعون أسلحة إلى بعض من أكثر الحكومات إثارة للبغضاء في الكوكب.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
سيكون ذلك مجرد البداية، إن قائمة المسائل التي يختارون عدم القيام بأي شيء حيالها، مفضلين التغاضي عنها، قائمة طويلة.
بالطبع، سيكون ذلك قريباً من دوائرهم أكثر مما ينبغي، وغير مريح أكثر مما يجب، ومهدد لهوامش الربح أكثر مما يتحتم. قد يبدو ما ورد وكأنه قائمة أمنيات يسارية، هكذا سيصفونه من دون شك، وبالتالي يمكنهم تجاهله، لكنه ليس كذلك. قد لا يكون سوى ما سيقوله الناس إذا استوقفهم أحد في الشارع وسألهم عما يرغبون في أن يحققه منتدى دافوس.
هناك فارق بين ما يمكن أن يفعله منتدى دافوس إذا توافرت لديه النية، وما يفضل منتدى دافوس فعله. إنه حدث منتظم متخصص في التغاضي، في عدم فعل كثير على الإطلاق.
سيقرع ترمب المشاركين، وستنفرج بفخر أسارير المشاركين بسمرتهم المكتسبة بكلفة باهظة، سيكون الطرفان على وفاق: زعيم العالم الحر وأولئك الذين يحبون أن يخبرونا أنهم مشاركون أيضاً في القيادة.
نقلاً عن : اندبندنت عربية