من بين جميع البريطانيين الذين التقوا أدولف هتلر، لا شك أن يونيتي ميتفورد هي الشخص الذي قابله أكثر من أي شخص آخر، مما يعني أنها ربما كانت تعرفه أفضل من أي فرد آخر من هذه البلاد. ولهذا السبب تحديداً، تحظى مذكراتها المنشورة حديثاً بأهمية تاريخية كبيرة. غالباً سيكون الأمر مدهشاً لو أنها التقت به نحو 20 مرة، لكنها في الحقيقة قابلت الفوهرر الألماني في 139 مناسبة، مما يجعل مذكراتها أكثر تشويقاً.

فتيات عائلة ميتفورد الست، بمن فيهن الأخت الرابعة يونيتي، في غنى عن التعريف. فالأخت الكبرى نانسي روائية وكاتبة سيرة ذاتية، اشتهرت برواياتها مثل “السعي وراء الحب”، في حين أن الأخت الثالثة، الجميلة ديانا، كانت فاشية وتزوجت من زعيم الفاشيين في بريطانيا السير أوزوالد موسلي.

أما الأخت السادسة، ديبورا، فقد أصبحت دوقة ديفونشاير ويبدو أنها قضت معظم الأعوام الأخيرة من حياتها في كتابة رسائل إلى كاتب الرحلات باتريك لي فيرمور.

هناك سلسلة إنتاج كاملة مرتبطة بهؤلاء الأخوات البائسات. على مدى عقود من الزمان، اضطررنا إلى تحمل عدد لا يحصى من السير الذاتية والمذكرات والرسائل والروايات والأفلام السينمائية المقتبسة من الروايات، وكذلك مقالات المجلات والصحف، عن هؤلاء النساء الست المتوفيات وعائلاتهن المضطربة والبغيضة إلى حد كبير.

لا شك أن مذكرات يونيتي ستكون موضع اهتمام عميق من قِبل الأشخاص المهووسين بعائلة ميتفورد، التي كانت في الحقيقة مجموعة من النساء التافهات والمحظوظات جداً والمبالغ في تقديرهن، واللواتي كن مضطربات وبغيضات وفاشيات إلى حد كبير.

كتبت ديانا ميتفورد عام 1985 “لا بد من أن أعترف، لو لم أكن واحدة من عائلة ميتفورد، لأصابني الجنون”. كان ذلك قبل وقت طويل من تفاقم الهوس بعائلة ميتفورد وانتشار عدد غير محدود من القصص عن الغرائب ​​الوحشية لوالدهن المريب، لورد ريديسديل الملقب بـ”فارفي” المنفر – الذي كان يشترك مع زوجته “موف” المملة في حبهما الفاشية.

 

دائماً ما يعترض عشاق عائلة ميتفورد على وصف الأسرة بالفاشية، لكن الحقيقة المزعجة هي أن كثيرات منهن كن بالفعل فاشيات فاسدات، أما اللواتي لم يكن كذلك فقد كن إما شيوعيات أو لا مباليات بالسياسة.

خلال العقد الثالث من القرن الـ20، كان اللورد ريديسديل عضواً في “نادي اليمين” وهو نادٍ معروف ببشاعته، يديره نائب محافظ بغيض ألف نشيداً بعنوان “أرض المخدرات واليهود”، الذي ينتهي بالتحريض على شنق اليهود.

على رغم ذلك، تجاوز تفاني يونيتي للفاشية بسهولة تفاني والدها، خصوصاً لأن تفانيها كان معززاً بمعاداة وحشية للسامية، التي جعلتها تكتب رسالة إلى صحيفة نازية صرحت فيها بالقول: “نتطلع إلى اليوم الذي سنعلن فيه بكل قوة وشجاعة أن إنجلترا للإنجليز! اليهود خارجاً! يحيا هتلر! يونيتي ميتفورد. ملاحظة: يرجى طباعة اسمي بالكامل حتى يعرف الجميع أنني أكره اليهود”.
تكشف مذكراتها عن أن هذه الكراهية كانت حقيقية بالفعل. ففي إحدى المدونات التي تعود إلى عام 1935، تسجل حادثة صعودها إلى قطار في باريس، حيث وجدت أن هناك شخصاً يهودياً في مقصورة الدرجة الثالثة، لتعرب عن استيائها لكونه حصل على أكثر المقاعد راحة.

كتبت في مذكراتها: “الجمعة، الـ20 من ديسمبر (كانون الأول): محطة غار دو لاست. ركبت للتو [القطار]، بعد الركض بسرعة. وصلت إلى عربة الدرجة الثالثة المكتظة جداً. جلستُ إلى جانب يهودي. أقرأ وأتصفح كتب الفوهرر. لا أتمكن من النوم لأنني لست في المقعد الجانبي”. (اليهودي بالطبع هو من حصل على المقعد الجانبي). [يظهر هذا استياءها الشديد لمجرد وجود شخص يهودي إلى جانبها في مقصورة القطار، وتلميحها إلى شعورها بالاستحقاق في الحصول على المقعد الأكثر راحة. الجملة “اليهودي بالطبع هو من حصل على المقعد الجانبي” تعكس اعتقادها بأن اليهود يحصلون دائماً على الأفضل، وتعبّر عن استيائها من ذلك].

ولكن ما جعل يونيتي ميتفورد استثنائية للغاية هو حقيقة افتتانها بأدولف هتلر. في منتصف الثلاثينيات من القرن الماضي، بدأت تقضي كثيراً من الوقت في ميونيخ، وكانت تتردد على المطعم القريب من شقة الفوهرر سعياً إلى فرصة لمقابلته. وأخيراً في السبت التاسع من فبراير (شباط) عام 1935، تحققت أمنية الفتاة البالغة من العمر 20 سنة، وجاء رد فعلها، كما كشفت يومياتها، مليئاً بالنشوة والبهجة:
“غداء في [مطعم] أوستريا الساعة الثانية والنصف. يصل الفوهرر الساعة 3.15 بعدما أنهيت الغداء. بعد نحو 10 دقائق، أرسل ويرت [المالك] ليطلب مني الذهاب إلى طاولته. ذهبت وجلست إلى جانبه بينما تناول غداءه وتحدثنا. كان أروع يوم في حياتي. كتب شيئاً لي على بطاقة. بعدما ذهب، أخبرتني روزا [النادلة] أنه لم يدعُ أحداً بهذه الطريقة من قبل”.

 

ما يحدث بعد ذلك هو أكثر من مجرد إعجاب، بل هو افتتان كامل يجعل من المغري وصف يونيتي بأنها النسخة النازية من غزالي المدلل [في إشارة إلى مسلسل “غزالي المدلل” الذي يتحدث عن قصة امرأة تطارد رجلاً بشكل شخصي وكذلك على الإنترنت لدرجة تدفعه إلى إبلاغ الشرطة]. في إحدى المرات، قضت ما يقارب الساعة مع هتلر، ثم ودعته “مدة طويلة جداً”. بعد ذلك بوقت قصير، انتظرت مدة ساعتين في محطة القطار حتى منتصف الليل على أمل رؤيته مجدداً. هذا تصرف يمكن وصفه بجنون الملاحقة. وفي أحد المواضع في يومياتها، تذكر أنها بكت “حتى غلبها النوم” بعد إدراكها أنها قد لا تراه مرة أخرى فترة من الزمن.

على رغم أن ما استُخرج من المذكرات لغاية الآن لا يوفر لنا فرصة لمراجعة ما نعرفه عن يونيتي، فإنه يكشف عن أنها كانت مفتونة بهتلر أكثر مما يعتقده كثير من مؤرخي دولة الرايخ الثالثة. فهي تُظهر مشاعر التقديس والهوس والتعلق العاطفي، كذلك فإن ولاءها له كان أشبه بإيمان ديني، إذ كانت تراه شخصية ذات فضائل لا يدركها الآخرون”.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

في نهاية المطاف، تبدو حال يونيتي العقلية والعاطفية متأثرة بشدة بتعلقها بهتلر، وهناك نوع من الانفصال عن الواقع بشكل كبير. يهيمن هتلر على حياتها، وتُظهِر في المذكرات حاجة ماسة إلى التقدير، حين تفسر حتى الإيماءات الصغيرة من هتلر كإثباتات عميقة لأهميتها.

تكشف كتاباتها عن تقلبات عاطفية شديدة؛ إذ تجد سعادة شديدة عندما تحظى باهتمامه، وهبوطاً عاطفياً عميقاً عندما تشعر بالتجاهل. يتغير منظورها للعالم ليصبح انعزالياً، إذ تتداخل هويتها مع قربها من هتلر وأيديولوجيته النازية. هذه السمات تشير إلى حال عاطفية غير مستقرة وقابلة للتأثر.

قد يقول ناقد قاسٍ إن أي شخص يتصرف كما فعلت يونيتي ميتفورد يحتاج إلى فحص عقله، ولكن لسوء الحظ، فإن رصاصة أطلقتها هي نفسها على الجزء نفسه من جسمها [رأسها] وضعت حداً لأي تحقيق مشابه.

بلا شك ما ستظهره بقية مذكراتها هو كيف اقتادها اعتمادها المفرط على هتلر إلى الحديقة الإنجليزية في ميونيخ في سبتمبر (أيلول) 1939 حيث حاولت قتل نفسها بمسدس أعطاها إياه محور شغفها [هتلر].

بعد إعادتها إلى وطنها، توفيت يونيتي في اسكتلندا في مايو (أيار) 1948 بسبب التهاب السحايا الذي تسبب فيه الورم حول الرصاصة التي كانت – مثل هتلر – عالقة في رأسها.

نقلاً عن : اندبندنت عربية