منذ وصول حافظ الأسد إلى حكم سوريا بشكل غير مباشر عبر اللجنة العسكرية لـ”حزب البعث العربي الاشتراكي” عام 1963 عقب الانفصال عن مصر، وكجزء من تلك اللجنة بدأ يبني سياسته الخاصة وفق مفاهيمه الأمنية المتشددة التي لن تسمح لاحقاً بخروقات أمنية تهدد مصير الضابط الحالم، الذي سرعان ما أقصى رفاق دربه في اللجنة بين المنافي والسجون.

ممارسات أمنية شكلت وجه سوريا الوليدة

قبل ذلك تمكن الأسد من استغلال رفاق لجنته العسكرية، سبعة أعوام كاملة، ومن بينهم الضابط عبدالكريم الجندي، الرئيس العام لأجهزة الأمن، رئيس مكتب الأمن القومي التابع لـ”حزب البعث”، إذ تولى الجندي خطف وتعذيب وإخفاء وتغييب معارضي الحزب والسلطة الوليدة، وظلت الحال هكذا حتى انقلاب نوفمبر (تشرين الثاني) عام 1970 الذي نفذه حافظ الأسد وصولاً إلى تسلمه مقاليد السلطة في مارس (آذار) عام 1971، مستخدماً قبضة أمنية من حديد، حكمت وتحكمت في مصير سوريا وشعبها أمنياً واقتصادياً واجتماعياً وثقافياً ودينياً وهيكلياً، حتى تعدت مفاهيم إنشائها لتتدخل في العلاقات الأسرية والسلطوية وتتجاوز المهام التي أنشئت لأجلها، في مشهد يعكس صورة البلد الذي يحكمه ديكتاتور بأذرع أمنية متصلة، منفصلة، تشكل مع بعضها بعضاً مشهد الولاء التام للقائد.

 

أكثر راديكالية

بشار الأسد لم يغير من سياسة أبيه، بل اتبع نهجاً أكثر راديكالية في تعميم مفاهيم الأمن وتغلغلها في الحياة الاجتماعية، حتى بات يقال مقابل كل مواطن سوري هناك مخبر أمني، وهذا المخبر كان يحدد، عبر السلطة، لمواطنيها واجباتهم بمعزل عن حقوقهم وتطلعاتهم.

وقد كانت المؤسسات الاستخباراتية تلك إضافة إلى وزارتي الداخلية والدفاع خطوط الدفاع والتماسك في وجه أي عاصفة قد تهب في وجه النظام، بافتراض حصول عاصفة كانت مستبعدة حتى ثورة عام 2011 التي عرت الأمن وأوضحت ملامح الخلل والفساد داخل بنيته التكوينية.

صراع الأخوين

كانت المؤسسة الأمنية تقوم على عاملين لا ثالث لهما، الولاء الأعمى والمطلق لشخص الرئيس، والتعيينات الطائفية التي تضمن بدورها ولاءً إضافياً لا يمكن زعزعته، كما كان يعتقد.

وبالعودة قليلاً إلى الوراء وتحديداً إلى ثمانينيات القرن الماضي اتضح دور تلك المؤسسة في خلاف الشقيقين، حافظ ورفعت، على تفتيت البلد والصراع الدامي الذي قام بينهما، إذ كان رفعت على شفا حفرة من إطاحة أخيه، قبل أن يستنهض الأخير قواته ويتمكن من شقيقه معيداً هيكلة مؤسستي الجيش والأمن وضبط موازين القوى فيهما ضماناً لوقف أي تحرك مستقبلي من أي جهة كانت، متوقعة أو غير متوقعة.

سطوة استخباراتية وصرف نفوذ

وسمح إعلان قانون الطوارئ الذي اتفق عليه في ثورة الثامن من مارس 1963، وتعديلات الدستور العام عام 1973 في عهد حافظ، لأجهزة الأمن السورية بتخطي صلاحيتها نحو أضعاف ما كان منصوصاً عليه، مستفيدة من قانوني الطوارئ والأحكام العرفية اللذين ظلا سائدين حتى الثورة السورية، وكانت تدعم كل ذلك مراسيم وقرارات وتوجيهات شفهية.

تلك التوجيهات والدعم المغذي للأمن أطلقت يده في الشارع السوري تعذيباً وتنكيلاً وقمعاً وتقييداً للحريات ومصادرة الرأي العام الشعبي، وفي وسائل الإعلام المقيدة أساساً بالخطاب الخشبي السلطوي، مما تسبب، مع تتالي السنين، بانتكاسات وردود فعل عنيفة ناتجة من الرفض المستميت في السحق لمصلحة أجهزة الاستخبارات في مقابل شعب أعزل كان يكفي تقرير كيدي واحد ليقوده نحو غياهب السجون، ولينجو منها إن حالفه الحظ بعد أعوام، أو يموت بين جدرانها ويصير مأواه مقابر جماعية تكشفت العشرات منها بعد سقوط النظام خلال الشهر الجاري.

وهي العوامل ذاتها التي قادت الغضب في الشارع السوري نحو ثورة مارس 2011، بعد أن ضاق الناس ذرعاً بالممارسات الأمنية التي كانت تتدخل في أبسط شؤون حياتهم الإدارية والخدمية والمعيشية، بل والتي كانت تتحكم في عدد أنفاسهم، حتى بالكاد يمكن أن يوجد سوري لم يعان، ذات مرة، خلافاً أمنياً أو سطوة استخباراتية أو صرف نفوذ واستغلال سلطة طُبق ضده.

 

المهام والهيكلية

تتألف أجهزة الاستخبارات والأمن السورية من خمس إدارات، وهي: إدارة الاستخبارات العامة (أمن الدولة) وشعبة الاستخبارات العسكرية وإدارة الاستخبارات الجوية وشعبة الأمن السياسي وإدارة الأمن الجنائي، والأخيرة هي الأقل نفوذاً وتخضع لرقابة صارمة من جهاز الأمن السياسي الذي يتبع والأمن الجنائي وزارة الداخلية، ومهمته حفظ الأمن الداخلي ومتابعة أرباب السوابق ومكافحة الجريمة.

إدارة الأمن الجنائي هي جهة مدنية تتمتع بالحقوق المدنية الكاملة، وتجري محاكمة أفرادها وضباطها أمام القضاء المدني العادي خلاف بقية الإدارات والشعب التي تصدر القرارات المتعلقة بها من القضاء العسكري.

وتتبع مختلف الجهات الأمنية في سوريا مكتب الأمن الوطني المركزي، الذي كان يديره حتى العام الماضي اللواء علي مملوك، الذي صار في ما بعد مستشاراً للرئيس الأسد لشؤون الأمن الوطني، وليحل بديلاً عنه اللواء كفاح ملحم، الذي كان رئيساً لشعبة الاستخبارات العسكرية، ويتولى مكتب الأمن الوطني بروتوكول التنسيق بين الجهات والإدارات الأمنية، إلا في حالات قليلة يجري فيها التواصل مباشرة من قبل الإدارات من رئيس النظام السابق أو المقربين منه في الدوائر المغلقة، كشخص مدير مكتب القائد العام الذي كان يشغله اللواء طلال مخلوف، قائد الحرس الجمهوري سابقاً، الذي انتشرت مقاطع مصورة له خلال الأيام الماضية وهو يجري تسوية أمنية لمصلحة قيادة العمليات الجديدة في سوريا.

إدارة الاستخبارات العامة

وكانت تسمى في السابق إدارة أمن الدولة، وترتبط مباشرة برئاسة الجمهورية من دون تبعية لأي وزارة أو جهة أخرى، وقد أنشئت عبر المرسوم 14 عام 1969، وعُدل شكل وجودها بالقانون 495 عام 1971 إبان سيطرة الأسد على الحكم، ويطلق عليها عموماً في الأوساط الأمنية المتخصصة لقب الوحدة 1114.

وتضم الإدارة 12 فرعاً أمنياً مركزياً وأفرعاً في عموم المحافظات، وتضم أيضاً المعهد العالي للإدارة الأمنية الذي استحدث عام 2007، والهدف منه إخضاع أفراد أمن السفارات الموفدين للخارج لدورات أمنية مكثفة في شؤون عملهم. وما يميز هذه الإدارة كثافة المدنيين المتعاقدين معها، الذين يرأسون أقساماً مختلفة كقسمي الأحزاب والطلبة وسجلات المخبرين والتعاملات الخارجية وغيرها، أما ضباطها وعناصرها النظاميون فيُنتدبون إليها عبر وزارتي الداخلية والدفاع ليشكلوا نواتها الأمنية.

وفي سياق استحداث هذه الإدارة نص مرسوم تشكيلها على أن تكون إدارة مدنية إلا أنها سرعان ما تحولت إلى إدارة عسكرية بضباطها وجنودها ومهامها، ويتبع أفرادها شكلياً ومالياً الجهة التي انتُدبوا منها، أما المدنيون فيخضعون لقوانين الموظفين العامين في الدولة.

وفي قانون النسبة والتناسب فإن هذه الإدارة تمثلها ألوان طائفية متعددة من المجتمع السوري، وآخر من قادها قبل سقوط النظام اللواء حسام لوقا، وهو سني من القومية الشركسية ينحدر من بلدة خناصر في ريف حلب، وقد جاء خلفاً للواء ديب زيتون على رأس واحدة من أهم الإدارات الأمنية، كما اضطلع لوقا بملفات دولية حساسة إبان فترة وجوده، ومنها مفاوضات مع الأجهزة الأمنية العربية والغربية وتمثيل سوريا في كثير من المحافل الدولية في الآونة الأخيرة، وما زال مصيره مجهولاً بعد سقوط النظام.

بنية أمن الدولة

ويجري تعيين رئيس الجهاز من قبل رئيس الجمهورية بصورة مباشرة، يليه أكثر من نائب ومعاون يُعينون أيضاً بمراسيم جمهورية، وكان أشهرهم خلال الحرب اللواء محمد خلوف واللواء زهير حمد.

-فرع مكافحة الإرهاب 295: ويعرف أيضاً باسم فرع “نجها” نسبة إلى منطقة في ريف دمشق حيث يوجد مقرها الرئيس، ومن ضمن اختصاصات هذا الفرع تدريب عناصر الإدارة العسكريين ومكافحة الإرهاب والمداهمة والاختطاف وتنفيذ عمليات الاغتيال، وكان من أول الأفرع التي تحركت لتقمع تظاهرات درعا وبانياس عام 2011.

-فرع مكافحة التجسس 300: ويعنى هذا الفرع، وفق مهامه، بمتابعة الشخصيات الأجنبية على الأراضي السورية والتعامل مع من يظنهم مشبوهين في الأجندة والتوجه، كما يراقب المؤسسات الحكومية والخاصة التي يقتضي تعاملها وجود علاقات خارجية إضافة إلى مراقبة الشخصيات السياسية العامة بالتنسيق مع شركات الاتصالات.

-فرع المعلومات 255: مهمة فرع المعلومات هي مراقبة القطاعات الدينية والحزبية والإعلامية، والحصول على المعلومات السياسية، ويعد خزاناً للمعلومات الواردة من بقية الأفرع كلها في الإدارة ذاتها بما فيها أفرع المحافظات.

-فرع التحقيق 285 والفرع 279: مهمتهما متابعة التحقيق بالمعلومات الواردة من الأفرع الأمنية أو المخبرين، ويتولى فرع التحقيق مهمة توقيف المعتقلين والتحقيق معهم، أما الفرع الخارجي فمهمته إدارة السفارات الخارجية والقنصليات والوفود والبعثات ومراقبة وزارة الخارجية وأداء عملها ومراقبة السوريين المغتربين ونشاطاتهم.

-الفرع الفني 280: وهو جهاز أمني مهمته تختص بعمليات التنصت والتشويش والمراقبة الفنية، إضافة إلى دعم الأفرع بالمستلزمات الفنية والتقنية كافة.

-الفرع الداخلي 251: يعد أخطر أفرع الإدارة، وهو مسؤول عن مراقبة العمل الأمني داخلياً وخارجياً، وله صلاحيات كاملة في اختيار المسؤولين المدنيين والعسكريين وصولاً إلى وزراء في الحكومة، ويوجد داخل الفرع الذي كان يديره اللواء أحمد ديب قبل سقوط النظام قسم يسمى “قسم الأربعين”، وكان الأكثر توحشاً وعدوانية، ويديره العقيد حافظ مخلوف شقيق رجل الأعمال رامي مخلوف.

ويعرف الفرع أيضاً باسم “فرع الخطيب”، وخلال أعوام الأزمة كان مسؤولاً عن الجباية والدولار واعتقال التجار وفرض الإتاوات.

كذلك هناك أفرع أخرى لكل منها مسؤوليات محددة كفرع التدريب 290 الذي يعمل على رفع سوية العناصر، والفرع الاقتصادي 260 المعني بالشأن الاقتصادي العام، والفرع 111 وهو مكتب متخصص بمدير الإدارة العامة ويعمل بمثابة ديوان شخصي، كذلك في كل محافظة سورية هناك فرع أمني يتبع للإدارة وفيه أقسام تتشابه مع الإدارات المركزية.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

شعبة الاستخبارات العسكرية

تتبع شكلياً لناحية التسليح والمالية والأمور الإدارية لوزارة الدفاع لكنها عملياً لا تتلقى أوامرها من الوزير، بل هي التي تُعينه مع رئيس الأركان وقادة الجيش. وقد أنشئت لتكون مسؤولة عن أمن القطاعات العسكرية والحدود وأمن العناصر والضباط وأمن المنشآت العسكرية.

بنية الشعبة

-الفرع 293: هو فرع شؤون الضباط يقوم بمهام الشبكة الأمنية، وليس كفرع يتبع للإدارة. ويحتوي الفرع على ملفات تقييم ومراقبة ومتابعة لضباط الجيش وتحركاتهم وعلاقاتهم وتوجهاتهم وأسرهم، وله دور أساس في ترقية أو إبعاد أو نقل ضباط الجيش أو تعيينهم في مراكزهم، ويملك رئيس هذا الفرع إمكانية الاتصال مباشرة برئيس الجمهورية ورفع تقاريره له، بحسب ما هو معروف عنه، ولهذا الفرع أن يعتقل الضباط ويحقق معهم ويسجنهم أو يجردهم من رتبهم أو يحيلهم على التقاعد.

-الفرع 291: هو لقب الفرع الإداري ويسمى أيضاً فرع المقر، ويعد بمثابة فرع الديوان، ويُراقب أداء بقية الأجهزة الأمنية داخل الشعبة نفسها، وهو المسؤول عن منح وتجديد البطاقات العسكرية.

-الفرع 294: فرع أمن القوات، وهو المعني بمراقبة تحركات قطع وإدارات الجيش والقوات المسلحة.

-الفرع 235/ فرع فلسطين: وهو من أهم أفرع هذا الجهاز وأقدمها وأخطرها وأكثرها نفوذاً وانتشاراً وقدرة على كيل التهم وتنفيذ الاعتقالات، وله سجون يروي عنها الناجون مرارة الاعتقال فيها، ولشدة أهميته يكاد يعادل عمل الشعبة بأكملها، ويمتلك نشاطين داخلياً وخارجياً، وكذلك يراقب الأجانب والفلسطينيين وكذلك السوريون، ويعادل حجم المهام الموكلة له حجم إدارة استخباراتية كاملة.

-فرع المعلومات: ويشمل أقساماً متعددة من بينها الأحزاب والأديان، ويجمع ويجلب المعلومات الكاملة المتعلقة بعمل بقية الأفرع الأمنية، ويراقب نشاط وسائل الإعلام بمختلف مناحيها.

-الفرع 211: يسمى فرع الإشارة، وهو مسؤول عن مراقبة الإشارات اللاسلكية للجيش والأمن وتشفيرها، إضافة إلى عمليات المسح الفني والراشدات. وفرع الاتصالات 225 الذي ينفذ كل مشاريع الاتصالات في القطر السوري.

-أما الفرع 248، فرع التحقيق العسكري: فيعد ثاني أقوى فرع سطوة ونفوذاً واعتقالات بعد فرع فلسطين، وكذلك فرع السرية أو المداهمة أو 215، ويعمل على تنفيذ العمليات التي تستعصي على بقية الأفرع، وقد اتخذ بعداً إضافياً في سجن التجار وابتزازهم مالياً. ويقدر تعداد عناصره بـ3 آلاف عنصر.

وكذلك هناك فرع الدوريات وفرع الجبهة “سعسع” الذي يراقب الأمور في الجولان المحتل ويراقب قوات الـ”يوندوف” الدولية العاملة هناك.

إدارة الاستخبارات الجوية

تشكلت مع بداية تولي الأسد الأب السلطة، وظلت واحدة من أقوى الأجهزة الأمنية في سوريا حتى سقوط النظام، وتعد الأكثر ولاءً للنظام السابق، وتتبع، كما شعبة الاستخبارات العسكرية، لوزارة الدفاع، لكنها بالتشارك معها وعلى رغم تبعيتها بالسلاح والمال للوزارة، فإنها تتدخل في تعيين وزير الدفاع وتقييمه.

الاستخبارات الجوية

تتكون الاستخبارات الجوية من كثير من الأفرع المركزية والثانوية، وتمتلك سبعة أفرع في العاصمة بينها فرع التحقيق، وستة أفرع في المحافظات السورية، إذ إن فرع المنطقة في دمشق، مسؤول عن دمشق وريفها، وفرع المنطقة الجنوبية مسؤول عن درعا والسويداء والقنيطرة، وفرع الوسطى مسؤول عن حمص وحماة ومقره في حمص، والفرع الشمالي مسؤول عن حماة وحلب ومقره في حلب، وفرع المنطقة الشرقية ويغطي دير الزور والحسكة والقامشلي ومقره دير الزور، وفرع المنطقة الساحلية المسؤول عن طرطوس واللاذقية ومقره اللاذقية.

ومن أهم أفرعه المركزية: فرع الإدارة وفرع المعلومات وفرع التحقيق وفرع المطار وفرع العمليات وفرع العمليات الخاصة، ويوجد فرع المطار في مطار المزة العسكري ويعد مسؤولاً عن أمن الطيران الرئاسي وأمن الطائرة الرئاسية والأمن الشخصي للرئيس في الخارج، وفرع العمليات ينسق مع فرع المطار في تنقلات الرئيس لضمان أمنه، أما فرع العمليات الخاصة فهو فرع مقاتل يستعين بمن يراه مناسباً لإتمام العمليات القتالية، بينما فرع التحقيق يعد واحداً من الأسوأ صيتاً في عمليات التعذيب.

شعبة الأمن السياسي

تتبع مباشرة وزارة الداخلية في الشؤون المالية والإدارية والتعيينية والتنفيذية، لكنها في الوقت عينه منفصلة عنها تماماً، إذ تمارس دور الرقيب عليها وعلى وزيرها وضباطه وعناصره، وتعد الشعبة الأكثر تداخلاً وتغلغلاً في المجتمع السوري، ويكون جميع ضباطها من ملاك وزارة الداخلية باستثناء رئيسها الذي يُعين بمرسوم جمهوري، وكان آخر من رأسها قبل سقوط النظام اللواء غيث فياض المتواري عن الأنظار.

ومن أبرز من شغل مناصب إدارتها اللواء غازي كنعان واللواء رستم غزالي، ولهذه الشعبة دور استخباري محض أكثر منه ميداني، وهي الوحيدة التي لا تمتلك أفرعها أرقاماً ثلاثية، إذ تسمى أفرعها بأسماء المدن التي تتبع لها، كفرع الأمن السياسي في ريف دمشق مثلاً.

هيكلية الأمن السياسي

يتكون الأمن السياسي من 12 فرعاً مركزياً وهي: فرع المركبات وفرع الإشارة وفرع الشؤون الإدارية وفرع نظم المعلومات وفرع الديوان وفرع الشؤون العربية والأجنبية وفرع الأحزاب والهيئات وفرع الأمن الاقتصادي وفرع المراقبة وفرع التحقيق وفرع المعلومات وفرع أمن الشرطة، وكل فرع في هذه الإدارة يشرح اسمه طبيعة العمليات الموكلة إليه، لا سيما أنه الأقرب إلى المدنيين لكون جميع ضباطه تخرجوا في الكليات الحقوقية وتتلمذوا في مدرسة الشرطة، وتجري عليهم الأحكام والقوانين المدنية مما أتاح لهم بيئة خصبة للاحتكاك بالمدنيين.

وتمتلك شعبة الأمن السياسي 13 فرعاً في المحافظات عدا القنيطرة، إذ هناك قسم في فرع ريف دمشق اسمه القنيطرة، وهو المسؤول عن متابعتها أمنياً، ولا يعد هذا الجهاز من أشد الأجهزة ولاء للسلطة خلاف الاستخبارات العسكرية والجوية إذ إنه يضم مزيجاً عرقياً وطائفياً شديد التفاوت.

الجميع تحت المراقبة

المشترك بين جميع الأجهزة الأمنية السورية هو أمران، امتلاكها أفرع تحقيق، وقدرتها على التنصت على المكالمات الهاتفية، وحقيقة كادت تضع الشعب السوري كله تحت المراقبة الهاتفية، فكان يكفي ذكر كلمات معينة، وقد تكون بسيطة، مثل دولار للقبض على قائلها، لذا راح الناس يستخدمون أسماء أخرى للدولار في معاملاتهم الهاتفية.

ماجد شاب من حمص قضى عاماً ونصف العام في فرع الخطيب بأمن الدولة لأنه كان يجري مكالمة يتفق فيها مع الموزع على ثمن بضائع الدخان بالدولار، ثم خرج بفدية ناهزت 50 ألف دولار، ويقول “لم يكن الهدف المكالمة نفسها، بل ابتزازي لأدفع، وهناك التقيت كثيراً من التجار وأصحاب رؤوس الأموال، كنا نُفرز إلى طبقتين، المكتنزون وحدهم ونحن وحدنا، وكل فترة بعد تعذيب مرير نُبلغ بطريقة أو بأخرى بأن علينا الدفع لنخرج من هذا المأزق ولتنتهي حفلات التعذيب”، ويضيف “أنا لو كنت متبصراً منذ البداية لدفعت وانتهى الأمر، لكن المضحك في القصة أن الفاتورة التي ألقي القبض عليَّ في شأنها لم تكن تتجاوز 1000 دولار”.

افتراءان وفديتان ورد فعل

وكحال ماجد حال الشاب مثنى معيوف الذي ألقي القبض عليه من قبل سرية المداهمة (الفرع 215) في الأمن العسكري لأنه كان يمتلك هاتفاً للبيع ويعرضه على واجهة متجره، لكن ساء حظاً أن ذلك الجهاز لا يحمل شعار الشركة الوحيدة المخولة ببيع الأجهزة التي كانت تبعيتها لأسماء الأسد، فجرت مداهمة محله واعتقاله.

وظل مثنى يتعرض للتعذيب من أجل ذنب صغير لأكثر من ثلاثة أشهر في السرية، حتى تمكن ذووه من دفع فدية مالية تعادل 20 ألف دولار لإخراجه من جحيم المعتقل. لكن القصة لم تنته هنا، إذ اعتقد مثنى أن اعتقاله مر وأبعدت العيون عنه، وعاد كما غيره ليتاجر بصورة خفيفة بتلك الأجهزة غير باهظة الثمن لأنها لا تتبع للشركة الحصرية للبيع، وهذه المرة ألقي القبض عليه إثر تتبع اتصالاته واتفاقه مع تاجر آخر ليشتري منه ثلاثة أجهزة، وهذه المرة كلفته القصة ليخرج 40 ألف دولار، ومن بعدها أغلق متجره وترك مهنته، وأول ما فعله مع سقوط النظام، كما يروي، أنه مزق كل شعارات الشركة في لوحات العرض بالطرقات.

نقلاً عن : اندبندنت عربية