عاد الحديث عن الفساد في موريتانيا لكن جديده هذه المرة هو الجهة التي طرحته وحذرت من تداعياته وعواقبه على المديين القصير والبعيد، وهو الحزب الحاكم الذي دق ناقوس الخطر معلناً المضي في محاربة تلك الآفة المنتشرة، فموريتانيا تعاني الفساد المستشري الذي كاد يطاول القطاعات كافة، مما يهدد اقتصاد البلاد.

وبحسب تقارير منظمات دولية مهتمة بمحاربة هذه الآفة فقد احتلت موريتانيا الرتبة الـ 140 في مؤشر محاربة الفساد العالمي من أصل 180 دولة، وذلك في طبعة المؤشر لعام 2021 مع العلم أنها كانت احتلت المرتبة 134 من أصل 180 دولة عام 2020.

حديث معاد

وجديد حرب موريتانيا ضد الفساد الذي يكلف خزينتها ملايين الدولارات سنوياً، بحسب تصريحات سابقة لمسؤولين في الحكومة، هو تنظيم ندوة نقاش دعا إليها حزب “الإنصاف” الحاكم وامتدت ليومين متتالين، بحث المجتمعون خلالها موضوع الحكامة الجيدة وخطورة انتشار الفساد الإداري والمالي على تحقيق التنمية.

وقال رئيس حزب “الإنصاف” سيد أحمد محمد، وهي الجهة المنظمة للندوة، إن “الجميع مطالب بالانضمام في مواجهة الفساد الذي يتسبب استشراؤه في تهديد مستقبلنا”.

ويقول الناشط في المجتمع المدني محمد الأمين الفاضل إنه “عندما يتفشى الفساد في بلد ما، فحينها يحاول المفسد أن يرفع من شأنه الاجتماعي، وبالتالي يهوي بالموظف النزيه إلى قاع السلم الاجتماعي، ففي هذه الحال يصبح الفساد مثل المستعمر تماماً، وللتحرر منه فلا بد من حرب جدية تخوضها الحكومة ضده، ومقاومة أو انتفاضة شعبية واسعة يُطلقها المجتمع بمختلف قواه”.

كلام في كلام

ولكن وبحسب المعارضة الموريتانية وشخصيات تتابع الشأن العام الوطني، فإن الحديث عن حرب ضد الفساد من قبل الحكومة يفتقد إلى الجدية اللازمة.

وفي هذا السياق يقول وجاهة الأدهم وهو ناشط سياسي معارض، إنه “لا يمكن لأي متابع للشأن الوطني العام مهما كان تموقعه، أن يتحدث عن وجود إرادة حقيقية لدى النظام لمكافحة الفساد”، معتبراً أن الهدف من الإعلان عن الاستعداد لمكافحة الفساد “مجرد شعارات كاذبة للاستهلاك الانتخابي ومخادعة الجهات المانحة والرقابية الدولية”.

بدوره اعتبر حزب “الإصلاح والتنمية” المعارض والأكثر تمثيلاً في البرلمان، والذي يتولى زعامة مؤسسة المعارضة الديمقراطية، أن “محاربة الفساد لا تزال في طور الشعارات ولم نشاهد آثارها على الوقائع”.

وأضاف الحزب في بيان وزعه في نواكشوط أنه “لم تتم إدانة مسؤولين بتهم الفساد، على رغم اعتراف السلطات بأن الفساد من كبرى عقبات التنمية، وإعلانها العزم على القضاء عليه”، وشدد على أن “كثيراً ممن أثيرت حولهم شبهات فساد أعيد تعيينهم، في تحد صارخ للشعب المغلوب على أمره”.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

إستراتيجية وطنية

وتتحدث تقارير المؤسسات المعنية بالرقابة المالية في موريتانيا عن قطاعات حكومية بعينها، تعتبر بؤراً للفساد حيث تنتشر إحصاءات ومناشير تقدمها المفتشية العامة للدولة أو محكمة الحسابات تُنبه الحكومة إلى تجاوزات مالية وسوء تسيير ينتشر في قطاعات حكومية عدة.

وتكثر الاتهامات الموجهة لأصحاب المؤسسات العاملة في مجال الإنشاءات العامة والطاقة والنقل والصيد، كانت آخرها قضية طرحت على القضاء حول تجاوزات مالية شابت مشروعاً حكومياً في الداخل، تحدثت عنها منظمة مهتمة بالشفافية الشاملة في المجال العمومي.

ويحدد الأدهم أبرز مظاهر الفساد في موريتانيا بقوله إن “هذه المظاهر منتشرة سواء تعلق الأمر بالولوج إلى الصفقات العمومية أو تنفيذها، وهذا مرتبط بسوء التسيير داخل الإدارة الموريتانية التي تعاني مشكلات هيكلية حقيقية تهدد استمرار المرافق العمومية، نتيجة غياب المعايير الموضوعية والإفلات من العقاب بسبب المحاصصات والمصالح الشخصية”.

وكانت الحكومة الموريتانية أعلنت قبل فترة إقرار إستراتيجية وطنية لمكافحة الرشوة لفترة تمتد ما بين 2023 و2030، وإنشاء مؤسسة تعمل على تقييم وضعية ومسار مكافحة الفساد في موريتانيا منذ عام 2010، وتراجع الأنشطة التي شُرع فيها منذ عام 2019، وهو تاريخ وصول الرئيس الموريتاني الحالي محمد ولد الشيخ الغزواني، الذي أعلن في يونيو (حزيران) الماضي أن مأموريته الحالية والأخيرة سيخصصها لمحاربة الفساد في موريتانا.

تحرك حكومي

وعلى رغم تشكيك المعارضة الموريتانية في جدية مساعي الحكومة الرامية إلى مكافحة الفساد، قام مجلس الوزراء الموريتاني باعتماد خطة لهذا الغرض، وارتكزت الخطة على آليات عدة بينها “الصدور المنتظم لتقارير محكمة الحسابات وتقييم منظومة الصفقات العمومية، ونشر قائمة الصفقات المبرمة بالتراضي، وأداء اليمين من قبل الأشخاص المسؤولين عن الصفقات العمومية”.

وأضاف مجلس الوزراء أنه استحدث إستراتيجية وطنية لمكافحة الرشوة للفترة ما بين 2023 و2030، تهدف بصورة رئيسة إلى “ضمان توعية أفضل للمجتمع بفئاته كافة، مع تعزيز السلطات وفعالية الهيئات القضائية وجهات الرقابة، ودعم دور البرلمان والمجتمع المدني في مجال مكافحة الفساد”.

نقلاً عن : اندبندنت عربية