قدم النائب الأميركي سكوت بيري مشروع قانون جديد إلى الكونغرس الأميركي، يدعو إلى الاعتراف بإقليم صوماليلاند (أرض الصومال) كدولة مستقلة.
ويقدم مشروع القانون الذي يحمل رقم 10402 تبريرات عدة لاعتماده من بينها استقرار الإقليم على مدى ثلاثة عقود من الزمان، والتزامه بالديمقراطية كأداة للحكم، فضلاً عن أهميته الاستراتيجية في منطقة القرن الأفريقي كأسباب رئيسة للاعتراف الأميركي.

ويمثل هذا التشريع في حال قبوله “اختراقاً غير مسبوق” في مساعي صوماليلاند إلى الحصول على الاعتراف الدولي، منذ إعلان الإقليم الاستقلال من طرف واحد، من دون الحصول على اعتراف مقديشو أو المجتمع الدولي. 

ويقترح مشروع القانون الاعتراف الرسمي من جانب الولايات المتحدة بـ”أرض الصومال” كدولة منفصلة ومستقلة، ومميزة عن الصومال.

كما يسعى إلى إنشاء وجود دبلوماسي أميركي في هرجيسا، عاصمة الإقليم، من خلال افتتاح سفارة أو قنصلية أميركية.

ويسلط مشروع القانون الضوء على الموقع الاستراتيجي لصوماليلاند بالقرب من الطرق المائية الحيوية، من سواحل المحيط الهندي إلى مداخل باب المندب، وما يمثله ذلك من أهمية للمصالح الدولية والأميركية، إذ إن نحو 12 في المئة من التجارة العالمية البحرية تمر عبر باب المندب، ونحو 40 في المئة من التبادل التجاري بين آسيا وأوروبا يمر عبره، بما في ذلك النفط الخليجي في طريقه إلى أوروبا، إلى جانب الأهمية الاستراتيجية والعسكرية لسواحل صوماليلاند كشريك رئيس في مكافحة الإرهاب وحماية الملاحة البحرية كجزء من جهود الاستقرار الإقليمي.

كما يشير مشروع القانون الجديد إلى “مسار صوماليلاند الثابت في الانتخابات السلمية والالتزام بالحكم الديمقراطي، منذ إعلانها استعادة استقلالها في عام 1991”.

وأوضح النائب الأميركي بيري أن “عدداً من دول العالم تنتظر الخطوة الأميركية للاعتراف بأرض الصومال كدولة مستقلة”، مشيراً إلى أن “التحركات التي تقوم بها الحكومة الصومالية في مقديشو تمثل إحدى أهم العوائق لهذا الاعتراف، على رغم أن هناك تحركات دولية وإقليمية تدعم استقلال صوماليلاند في نيل الاعتراف الدولي”.

استقلال في غياب الاعتراف

يذكر أن صوماليلاند التي كانت تعرف بـ”الصومال الانجليزي”، نسبة إلى الاستعمار البريطاني الذي حكم الإقليم، وسبق أن أعلنت استقلالها عن بريطانيا في عام 1960، واعترفت بها أكثر من 34 دولة عضو في الأمم المتحدة، إلا أن تطلعات الناطقين باللغة الصومالية لتأسيس دولة واحدة، أدى إلى الوحدة الطوعية مع الصومال الجنوبي وعاصمته مقديشو، إلا أن ذلك الاتحاد لم يصمد طويلاً، إذ قامت الحرب الأهلية في بدايات التسعينيات من القرن الماضي، التي قتل فيها نحو ربع مليون مدني. وبعد استيلاء الحركة الوطنية “أس أن ام” (SNM) وإسقاطها لنظام الرئيس السابق محمد سايد بري، أعادت صوماليلاند إعلان استقلالها في عام 1990 من دون أن تنال اعترافاً دولياً.

وعلى رغم الاستقلال النسبي الذي تمتع به الإقليم من حيث ممارسة السيادة المطلقة على أراضيه، سواء جغرافياً أم سياسياً أم اقتصادياً، وصكه لعملة خاصة وعلم وطني، إلا أنه لم يحصل على الاعتراف الدولي، ولم ينضم إلى أية منظمة إقليمية أو دولية. 

وأثار توقيع الرئيس السابق لصوماليلاند موسى بيهي عبدي مذكرة تفاهم مع إثيوبيا في يناير (كانون الثاني) الماضي بخصوص منح إثيوبيا منفذاً بحرياً في مقابل حصوله على اعتراف أديس أبابا حراكاً ديبلوماسياً مشهوداً، بخاصة من الحكومة الصومالية التي اعتبرت أن ذلك يعد مساساً بسيادتها الوطنية، بينما سعت إثيوبيا إلى تدابير الاعتراف عبر افتتاحها لسفارة في هرجيسا. 

وعلى رغم الاتفاق الذي وقع الأسبوع الماضي بين أديس أبابا ومقديشو بوساطة تركية، الذي ينص على تعهد الصومال بتوفير منفذ بحري آمن لإثيوبيا في مقابل احترام الأخيرة للوحدة الترابية الصومالية، مما يعني تراجعاً عن مذكرة التفاهم الموقعة مع صوماليلاند، إلا أن أديس أبابا لم تغلق سفارتها بعد في هرجيسا، ولم تسحب سفيرها، مما يشير إلى أنها قد تنتظر الخطوة الأميركية للمضي قدماً باتجاه الاعتراف بصوماليلاند. 

ويرى المراقبون للشأن الصومالي أن التزامن القائم بين التوصل إلى اتفاق بين أديس أبابا ومقديشو من جهة، وبين المشروع الأميركي الجديد من جهة أخرى، مؤشر يهدد السعي التركي إلى إنهاء الأزمة بين الصومال وإثيوبيا، إذ يعزز إمكان حصول صوماليلاند على الاعتراف الدولي.

وفي نوفمبر الماضي كان وزير الدفاع البريطاني السابق غافين ويليامسون، صرح بأن الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب يعتزم الاعتراف باستقلال صوماليلاند.

وقال ويليامسون، العضو في البرلمان البريطاني عن حزب المحافظين ووزير الدفاع السابق في حديث لصحيفة “اندبندنت” البريطانية، إنه أجرى مناقشات مع فريق ترمب حول الاعتراف الرسمي بصوماليلاند، وأعرب عن قناعته بأن ترامب سيتولى هذا الملف بعد عودته للبيت الأبيض في يناير المقبل.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

سرديتان لـ”أمة واحدة”

لا شك في أن شعبي الصومال وصوماليلاند ينتميان إلى أمة واحدة تسمى القومية الصومالية، إلا أنهما أحتلا من طرفين استعماريين مختلفين، مما أدى إلى تقسيمهما إلى خريطتين جغرافيتين، إذ احتلت بريطانيا صوماليلاند، فيما احتلت مقديشو من الإيطاليين حتى نهاية الحرب العالمية الثانية. 

وعلى رغم اتحادهما في عام 1960 بعد جلاء الاستعماريين فإن تجربة الوحدة لم تفضي إلى وحدة حقيقية لأسباب عدة، بعضها عائد لفترة الاستعمار وبعضها الآخر لطبيعة الحكم الذي ساد الصومال حتى بدايات تسعينيات القرن الماضي.

ويعزو مختصون في الشأن الصومالي الخلاف الحالي بين الطرفين إلى سرديتين متعارضتين: الأولى التي تتبناها مقديشو باعتبار أن صوماليلاند إقليم صومالي، منذ إعلان الاتحاد بين الصومالين الجنوبي والشمالي، في يوليو (تموز) من عام 1960، وأن ذلك مثبت في المنظمات الدولية والإقليمية، بما في ذلك الأمم المتحدة والاتحاد الأفريقي، إلى جانب جامعة الدول العربية، وأن المنظمات الدولية كافة تعترف بوحدة الأراضي الصومالية. في المقابل تعتمد صوماليلاند على سردية مناقضة تتمثل في أنها لم تكن جزءاً من الصومال قبل يوليو 1960، كما أنها تمتعت بالاستقلال الوطني في يونيو (حزيران) 1960 أسوة بجميع الدول الأفريقية وعلى ذات القاعدة القانونية المتعلقة بتصفية الاستعمار وحق الشعوب في تقرير مصيرها، باعتبار أنها كانت مستعمرة بريطانية، فيما كان الصومال مستعمرة إيطالية، كما يدعم موقف هرجيسا المبدأ الأساس في ميثاق الاتحاد الأفريقي، الذي ينص على ضرورة الحفاظ على الحدود الموروثة عن الاستعمار، ووفقاً لهذا المبدأ فإن كل من مقديشو وهرجيسا ليسا في خريطة واحدة.

وعلى رغم ذلك يرى الصومال أن صوماليلاند “جزء مكمل للجمهورية الصومالية”، ويعتبر أن الاعتراف بها من شأنه خلق سابقة خطرة على القارة الأفريقية بأسرها لنشاط “الحركات الانفصالية”، ويميل المجتمع الدولي إلى دعم الوحدة الترابية للصومال عوض تأييد استقلال هرجيسا، وذلك تجنباً لتنامي المطالب الانفصالية داخل القارة السمراء، فيما تبرر هرجيسا رغبتها في الاستقلال، بجانب المسوغات القانونية، إلى الخروج من الفوضى والصراع العنيف الذي يعرفه الصومال منذ بداية التسعينيات. ويرى قادة صوماليلاند أن حكومات مقديشو لم تدافع عن المناطق الشمالية أثناء الحرب الأهلية، “مما يمنح شعب صوماليلاند الحق الكامل في تقرير مصيره، شأنه شأن أية أمة أخرى”، مشيرين إلى أن الاستقرار الذي حققوه خلال العقود الثلاثة الماضية دليل يشهد على قدرتهم على ضمان السلام المحلي والإقليمي، كما أن النظام السياسي القائم أثبت فعاليته في بسط الحريات والتداول السلمي للسلطة، فضلاً عن تحقيق نسب تنمية ملحوظة.

إمكانات الاعتراف الدولي

من جهته يرى المختص في الشأن الصومالي محمد علي فرح أن “ثمة حراكاً يقوده ساسة بريطانيون انتظم بصورة ملاحظة خلال الأعوام الثلاثة الماضية، يسعى إلى ترويج فكرة اعتراف الدول الكبرى كالولايات المتحدة وبريطانيا باستقلال صوماليلاند، لتتبعها دول إقليمية أخرى، مما يدفع بالمحصلة الاتحاد الأفريقي وغيرها من المنظمات إلى الاعتراف بالأمر الواقع”. 

ويرى فرح أن “قادة الإقليم الشمالي يدركون جيداً ما يتطلبه هذا الاعتراف من تحقيق الحد الأقصى من المصالح الغربية في المنطقة، والمساهمة في الجهود القائمة لمحاربة الإرهاب في مداخل البحر الأحمر”، مضيفاً أن “هرجيسا تقوم بهذه الأدوار بصورة جيدة منذ أكثر من عقد من الزمان، وتعتقد أنها تستحق المكافأة، أسوة بعدد من الأقاليم داخل القارة الأفريقية وخارجها، من بينها جنوب السودان وكوسوفو وغيرهما”. 

ويوضح فرح أن “اعتراف دولة عظمى كالولايات المتحدة، ولو بصورة أحادية باستقلال الإقليم سيفضي بالضرورة إلى اعترافات متتالية من دول عدة، مما قد يذلل العقبات أمام انضمام هرجيسا لمنظمة الأمم المتحدة”. 

ويعتقد المختص الصومالي أن “فترة الرئيس ترمب قد تمثل فرصة ذهبية لتحقيق مثل هذا الهدف، لما يتمتع به الأخير من اندفاع في اتخاذ قرارات جريئة، بخاصة وأنه سبق وتحدث عن صوماليلاند أثناء الحملة الانتخابية الرئاسية 2020”.

ويختم فرح حديثه لـ”اندبندنت عربية” بالقول إن “مشروع القانون الجديد الذي طرحه النائب الأميركي سكوت بيري قد يكون مقدمة لمشروع ترمب تجاه المنطقة، بخاصة وأن بيري يعد أحد أنشط النواب الجمهوريين المقربين من دائرة الرئيس ترمب”.

نقلاً عن : اندبندنت عربية