>

بعد دقائق قليلة من بداية جلستي مع أندريا كراودر، إحدى أهم المدربات في مجال الأعمال للنساء، طرحت علي سؤالاً تطرحه على نفسها وعلى عميلاتها كل يوم “هل أتخذ اليوم قرارات سأشكر نفسي على اتخاذها عندما أبلغ 80 سنة من العمر؟”.

أغلقت عيني وطلبت مني أن أشعر بنفسي المستقبلية [بما سأكون عليه في المستقبل]، أراها بيدين مجعدتين وتلف نفسها بسترة زهرية اللون. ينتابني شعور هادئ بالرضا، بعد حياة قضيتها في الكتابة وتعلم الدروس. لكنني الآن، في الوقت الراهن، لا أشعر بوجود تواصل [صلة] بيني وبين العمل الذي أقوم به [وكأنه مرآة نفسي] – وهو إحساس شائع آمل أن تتمكن كراودر من مساعدتي على حله. أريد إيجاد طريقة تجعلني أهتم بما أنتجه لدرجة تسمح لي بتجاوز ما يعوق ترويجي لنفسي ولإنتاجي، ببساطة: أنا أكتب مقالات كهذه المقالة وفي غالب الأحيان لا أشاركها مع الآخرين أو أتكلم عنها في الفضاء الإلكتروني. 

تتبنى كراودر مقاربة باردة وودودة في آن، واختصاصها تدريب رائدات الأعمال صاحبات الدخل المرتفع والإنجازات الكبيرة. وهي تعمل عن بعد، من منزلها في فورت لودردايل في فلوريدا، وتتعهد بإحداث تغيير في “العقل والجسد والروح والحساب البنكي”، وهدفها توجيه النساء لكي يحققن نجاحاً مالياً عبر طريق تغلب فيه المتعة على الركض المحموم. أثناء حديثي معها عبر “زوم”، أجد بأنني أدخل حالة من الهدوء الأقرب إلى التنويم المغناطيسي. أخبرها بذلك فتجيبني ضاحكة “تلقبني عميلاتي بحبة كزاناكس مهدئة لكن من دون الأعراض الجانبية. لو نجحت في جعلك متوازنة أكثر، ستقومين بعدها بالعمل الذي يسعدك”. نجحت في كسب ثقتي بسرعة: أشعر بأنني أدرك موقعي في العلاقة معها. وهي شخص أرغب بأن أشاركه زجاجة نبيذ وقد يوبخني إذا تجاوزت حدودي [تهورت].   

صحيح أنني صحافية مستقلة – قد أعتبر رائدة أعمال نوعاً ما – لكنني لست على شاكلة عملاء كراودر التقليديين فعلياً. كان بإمكاني استئجار خدمات مدرب على الإبداع المهني أو مدرب على الكتابة أو مدرب على الأعمال الصغيرة أو حتى مدرب على تعزيز الثقة بالنفس، فالسوق متخمة الآن بمدربين مختصين بأي موضوع قد يخطر على بالكم تقريباً. أي شخص يتابع المدونات الصوتية المختصة بأسلوب الحياة أو المؤثرين قد لاحظ على الأرجح الترويج في كل حدب وصوب لسوق التدريب والمدربين. يبدو أن جميع أصحاب الإنجازات الكبرى أصبح لديهم مدرب يشيدون بمزاياه بدل أن يذكروا اسم معالج نفسي جيد مثلاً. وهذه ليست ملاحظة فحسب: فقد صدرت العام الماضي دراسة مهمة عن اتحاد التدريب الدولي، قدرت عدد ممارسي التدريب في عام 2022 بـ109200 شخص – أي بزيادة ضخمة تبلغ 54 في المئة عن عددهم في عام 2019 بحسب التقديرات، لكن كيف ينعكس واقع الزيادة في عدد المدربين علينا نحن العملاء المحتملين؟     

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

ما يزال هذا القطاع غير منظم مما يعني بأن أي شخص يمكن أن يسمي نفسه مدرباً، فتضيع الفروق في غالب الأحيان بين التوجيه والاستشارة والتدريب الحقيقي. “إن الفرق كبير بين المستشار والمدرب” كما تحذر كراودر، “فالمستشار يلقنكم عدداً من المهارات، ثم تتعلمون كيف تسيرون على خطاه [خطواته المقترحة]، لكن المدرب يساعد العميل في فهم ما يريده هو وكيف يمكنه الوصول إليه بطريقته الخاصة”. والمشكلة في تحول مصطلح “مدرب” إلى عبارة فضفاضة ينضوي تحت عباءتها كل شيء، هي أن الأشخاص يدفعون لقاء خدمات قد لا تمنحهم التغيير الذي يوعدون به. وهذا يعني كذلك بأن الأرقام التي أصدرها اتحاد التدريب الدولي قد تكون على الأرجح أقل بكثير من عدد المدربين الحقيقي، مما يجعل هذا القطاع عصياً على الرصد والفهم.   

ولا يرتبط التدريب المعتمد الحقيقي بتقديم النصيحة فقط، بل بمساعدة العملاء في اكتشاف قدراتهم الشخصية من خلال تساؤلات عميقة، وتشرح شارون لوتون، رئيسة قسم التدريب والتطوير في أكاديمية التدريب، وهي مؤسسة رائدة في المملكة المتحدة في تخريج مدربين معتمدين على مهارات الحياة هذه النقطة فتقول “تساعد التساؤلات العميل في انتهاز الفرصة لكي يأخذ مسافة من الموضوع، ويرى الأمور من منظار مختلف وينظر إلى النمط اللغوي الذي يستخدمه من دون وعي، الذي ربما يتسبب بتخريب نجاحاته”. وهي تنصح بالعمل فقط مع مدربين معتمدين على أفضل وجه [مستوفين كل الشروط] من هيئة تدريب خارجية، لأنها تعتبر البديل غير أخلاقي [لا يلتزم أخلاق المهنة] في أوساط المدربين. ولأنها مدربة شخصياً، فهي تؤمن حقاً بقوة هذه المقاربة. وتشرح “ما يحفزنا أكثر بكثير كبشر هو إنجاز الأعمال التي تستند إلى أفكار اكتشفناها وحدنا، بالاستناد إلى الأسئلة التي دفعتنا إلى التعمق في نظرتنا وتحدتنا، وليس الأعمال التي طلبها منا شخص آخر، فالحافز الداخلي أكبر بكثير”.

يجعلك قطاع التدريب تعتقد بأن إنفاق مبالغ كبيرة هو السبيل لتحقيق النجاح

دانييل راين

كانت تجربة ليزا هوكوم، وهي صاحبة شركة تبلغ من العمر 51 سنة، إيجابية جداً مع مدربتها (سوزانا ميريك)، وأحد أسباب ذلك هو أنها دخلت التدريب بأهداف محددة: مساعدتها في وضع حملة إعلامية لشركتها، العلامة الذهبية The Golden Brand، والاستعداد لتأليف كتاب. وتقول “كانت عملية ذات أجل محدد، استمرت ثمانية أسابيع. كنا نجري اتصالاتنا ثم أطبق ما تكلمنا عنه وأستخدمه في العمل، لا أؤمن بالعمل مع شخص على المدى البعيد. ففي عصرنا هذا، يقولون لنا إننا بحاجة إلى مدرب يأخذنا إلى ’المرحلة التالية‘ ولا أوافق تماماً على ذلك، ولا سيما بالنسبة إلى المدرب الشامل. أختار الأشخاص الذين أعمل معهم بصورة مدروسة لتعزيز ما أسعى إلى إبرازه” .

لكن هناك مجتمعاً يكبر شيئاً فشيئاً في الفضاء الإلكتروني يشكله أشخاص تعرضوا للأذى من تجاربهم مع التدريب (تفقدوا منتدى LifeCoachSnark على منصة ريديت للاطلاع على أمثلة كثيرة عن عمليات خداع أو مدربين يطلبون 300 ألف جنيه استرليني سنوياً). مرت دانييل راين، وعمرها 32 سنة، بتجربتين سلبيتين مع التدريب جعلاها تشعر بالغباء والعزلة. شجعها المدرب الثاني على الدخول في مسار التدريب المهني لمؤسسات تعليم اليوغا مع أنها كانت تربح أقل من 20 ألف جنيه سنوياً من مهنة التدريب على اليوغا. وتقول راين “لم أطلع أحداً أبداً – في ما عدا المحاسب الذي كان يطلع على كشف حسابي البنكي – على المبالغ التي أنفقتها على التدريب لأنني شعرت بالإحراج من قيامي بهذا ’الاستثمار‘ السيئ كما يبدو”. ودفعها شعورها بالعار إلى فتح قناة على “يوتيوب” تكشف فيها عن خداع الجانب الاحتيالي من قطاع التدريب. “يجعلك قطاع التدريب تعتقد بأن إنفاق مبالغ كبيرة هو السبيل لتحقيق النجاح وأن عدم قيامك بذلك هو ما ’يجعلك تبقى صغيراً‘ أو ’عاجزاً عن تحقيق النجاح‘. ومن موقعي كمالكة مؤسسة منذ أكثر من ست سنوات أدرك جيداً بأن ذلك غير صحيح لكن ذلك خفي علي في ذلك الوقت”.        

تزامنت فترة الجائحة التي حفزت الأفراد على السعي إلى هدف في أوقات انعدام اليقين [زمن من الغموض والمجهول]، مع النمو الضخم الذي عرفه القطاع. وتقول راين “لم يعد التدريب فرصة عظيمة للتنمية الشخصية بل جرى التسويق له كطريق مختصر لتحقيق النجاح المالي خلال أوقات غير مسبوقة يسود فيها غياب اليقين، وفيما كان عدد كبير من الأشخاص يبحثون عن إجابات، لقي وعد النجاح العصامي صدى كبيراً”. 

تعطي خبيرة التسويق ميري أوسوليفان محاضرات في خطط التسويق المتعدد المستويات في جامعة مونستر التقنية، وهي تدرس جوانب التسويق المتعدد المستويات في هذا القطاع. ولاحظت، كما فعلت راين، نمطاً يقوم على “مدربين يدربون مدربين كي يدربوا. بعض المدربين مذهلين، لكن السوق فيه كوكبة متنوعة [متباينة الألوان من الناس]. بعض المدربين قد ينحرفون إلى (مكان) ’خيالي‘ أو نحو تحقيق المبتغى من طريق الاستقطاب أو يقطعون وعوداً غير واقعية منها حلم العمل من جزيرة استوائية”. وهي تنصح بالتحقق أولاً إن كان مدربو الحياة الذين يعدونكم بتحصيل دخل مرتفع يجنون ذلك الدخل أنفسهم فعلاً عبر تفقد السجلات العلنية مثل سجلات  Companies House في المملكة المتحدة.

وإن كنتم تبحثون عن مدرب ذائع الصيت، تنصحكم لوتون بالبحث عن شخص يقدم اتصال تعارف مجاني كي تتأكدوا من مسألة الانسجام. وخلال الجلسات، يجب أن يتولى العميل الجزء الأكبر من الحديث ويشعر بأن هذه الشراكة تقويه، لا تترددوا في طلب شهادات من عملاء سابقين أو دراسات حالة عنهم كي تكونوا صورة أوضح عن النتائج التي أحرزوها.   

في نهاية المطاف، ترى كراودر بأنه من واجب المدرب أن يقدم نتائج ملموسة بسرعة، وتقول “إن كنتم لا تحرزون نجاحاً معي، فاقصدوا شخصاً غيري”. وبينما تعتقد كراودر بأن النجاح مشترك ويولد بتعاون بين العميل والمدرب، فهي تحذر من المدربين الذين يلقون المسؤولية على عاتق العميل. وتقول “يجب أن يستطيع المدرب مساعدة أحدهم في السير قدماً، وإن لم ينجحوا في ذلك فأنا الخاسرة وليس هم”. 

مع أنني لم أقض أكثر من ساعة برفقة كراودر، إذ لاحظت بعض التغييرات الطفيفة خلال الأسبوعين التاليين. فأنا أنشر أكثر على الإنترنت من دون أن أقلق في شأن نظرة الآخرين لي. بدأ الشلل الذي وصفته لها حول ترويجي لذاتي بالتبدد. لم أشعر بأنني ازددت شجاعة لكنني علمت أكثر لماذا أريد أن يرى الآخرون عملي: شعرت بأن كل مقالة فيها ما يثير الاهتمام. بعد التأمل، أرى أن ما ساعدني هو وجود شخص يسائلني. لم تكن كراودر هذا الشخص، فمن المحتمل أنها كانت مشغولة جداً بتدريب رئيسة تنفيذية في شركة تكنولوجيا، بل كنت أنا في المستقبل، أو أحمل الجدة في داخلي [ثمة ما تغير في نفسي].       

نقلاً عن : اندبندنت عربية