مستقبل صناعة السيارات البريطانية على المحك

أكد وزير الأعمال البريطاني جوناثان رينولدز أن الحكومة “بذلت كل ما في وسعها” لمنع الإغلاق المرتقب لمصنع “فوكسهول” لإنتاج الشاحنات الخفيفة في مدينة لوتون، الذي يهدد مصير نحو 1100 وظيفة.

وألقت الشركة باللوم في قرار الإغلاق على خطة الحكومة البريطانية لإلزام شركات صناعة السيارات بزيادة إنتاج المركبات الكهربائية، مع فرض غرامات تصل إلى 15 ألف جنيه استرليني (نحو 20 ألف دولار) على كل سيارة في حال عدم تحقيق الأهداف المحددة، وأشار رينولدز إلى أن الحكومة ستعيد النظر في هذه القواعد.

وتأتي هذه الضربة الموجعة عقب فترة تفاؤل نسبي شهدها قطاع صناعة السيارات في المملكة المتحدة، إذ شهد العام الماضي موجة من الاستثمارات التي بدت وكأنها ستوقف مسار التراجع البطيء في هذه الصناعة، بل وتفتح المجال أمام فرص للنمو.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وأعلنت كبرى شركات السيارات، بما فيها “أستون مارتن” و”جاغوار لاند روفر” و”ميني” و”نيسان”، خططاً لبناء مصانع للبطاريات، أو وقعت اتفاقات للحصول على التكنولوجيا اللازمة لتطوير أساطيل جديدة من السيارات الكهربائية.

لكن هذا التفاؤل سرعان ما تبدد مع انهيار شركة “بريتيش فولت” Britishvolt الناشئة لصناعة البطاريات في يناير (كانون الأول) الماضي، مما كلف بريطانيا خسارة المطور المستقل الوحيد لمصانع الطاقة الكهربائية في البلاد.

إلا أن صفقات مثل قرار “جاغوار لاند روفر” إنشاء مصنع للبطاريات باستثمارات تصل إلى 4 مليارات جنيه استرليني، أسهمت في الحفاظ على الوظائف في هذا القطاع الذي شهد سنوات من الانكماش. وكان من أبرز خسائر القطاع إغلاق مصنع “هوندا” في مدينة سويندون عام 2021 بعد 36 عاماً من التشغيل، مما أدى إلى فقدان 3500 وظيفة.

بيد أن شبح إغلاق المصانع عاد مجدداً للواجهة بعد إعلان مجموعة “ستيلانتيس”، المالكة لشركة “فوكسهول”، احتمال إغلاق مصنعها للشاحنات الخفيفة في مدينة لوتون.

وكانت مجموعة “ستيلانتيس”، المالكة للمصنع، أعلنت قبل أشهر مراجعة عملياتها في بريطانيا في ضوء القواعد الصارمة المتعلقة بالسيارات الكهربائية. وتعتزم المجموعة دمج عملياتها مع مصنعها في “إلزمير بورت” الذي حول بالفعل لإنتاج شاحنات النقل الكهربائية.

ولا تعد “ستيلانتيس” المالكة لـ”فوكسهول” الشركة الوحيدة التي تواجه تباطؤاً في أعمالها، إذ أعلنت شركة “فولكس فاغن” الثلاثاء الماضي خططاً لإغلاق أحد مصانعها في الصين مع تراجع مبيعاتها هناك. كما تشهد مبيعات السيارات في أوروبا تعثراً، لا سيما في قطاع السيارات الكهربائية، على رغم انتعاشها النسبي عقب جائحة كورونا.

ارتفاع مبيعات السيارات الكهربائية لا يكفي

لا تكمن المشكلة في عدم نمو مبيعات السيارات الكهربائية، بل في أن معدل هذا النمو لا يبرر استثمار مليارات من الجنيهات الاسترلينية في تحويل خطوط الإنتاج وسلاسل التوريد لتصنيع الطرازات الجديدة العاملة بالبطاريات، مما يؤثر سلباً في الأرباح.

وتؤكد شركات تصنيع السيارات أن المستهدف الحكومي المتمثل في أن تشكل السيارات الكهربائية خمس المبيعات، يفوق بنحو الضعف معدل الإقبال الطبيعي الحالي على هذه المركبات، ولدفع الجمهور لشرائها، تجد الشركات نفسها مضطرة إلى خفض الأسعار بصورة حادة.

غير أن آندي بالمر، الرئيس التنفيذي السابق لشركة “أستون مارتن” وأحد المديرين البارزين السابقين في “نيسان”، يرى أن أهداف بريطانيا في تصنيع السيارات الكهربائية ليست وحدها المسؤولة عن خطط إغلاق مصنع لوتون أو المشكلات الأوسع نطاقاً التي تواجه هذه الصناعة.

وأضاف بالمر “إنها ليست القصة الكاملة”، مشيراً إلى أن ارتفاع تكاليف الطاقة، وتراجع القدرة الشرائية للمستهلكين بعد سنوات من التضخم المرتفع، فضلاً عن عودة ترمب للرئاسة الأميركية، كلها عوامل تنذر بعواقب وخيمة على صناعة السيارات المراعية للبيئة.

الحاجة إلى مزيد من المرونة التنظيمية

ويقول بالمر إن “هناك توافقاً على ضرورة إضفاء قدر من المرونة” على القواعد التنظيمية، لافتاً إلى أن تنظيم “المركبات الخالية من الانبعاثات” Zero-Emission Vehicles Mandate، كما يطلق عليه، حقق نجاحاً في جوانب عديدة.

فقد أجبر القانون شركات التصنيع على زيادة إنتاج السيارات الكهربائية، مما أدى إلى انخفاض أسعارها، مما يصب في مصلحة المستهلكين.

وأضاف “من الطبيعي أن تعارض شركات صناعة السيارات قواعد التحول إلى الطاقة الكهربائية، وستسعى بكل جهدها إلى الضغط من أجل تأجيل تطبيقها، وأعتقد أن ما نشهده اليوم من إغلاق مصانع هو نتيجة واضحة لهذا الصراع”.

وأوضح بالمر أن حملات الضغط هذه ليست وليدة اليوم، مشيراً إلى أنه كان شاهداً على مساعي القطاع للضغط ضد تطبيق معايير “يورو 1” التي دخلت حيز التنفيذ في مطلع التسعينيات، التي فرضت تركيب المحولات الحفازة للحد من انبعاثات الغازات النيتروجينية الضارة.

واختتم بالمر حديثه قائلاً: “في نهاية المطاف، يتقبل القطاع هذه التغييرات ثم يمضي قدماً في خفض التكاليف”، مؤكداً أن انخفاض أسعار السيارات سيؤدي حتماً إلى تسريع وتيرة شرائها.

“بريكست” جزء من المشكلة

ويرى البروفيسور أندرو غريفز من جامعة باث، الخبير المخضرم في صناعة السيارات البريطانية لأكثر من خمسة عقود، أن خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي يمثل مشكلة مزمنة أخرى تواجه القطاع.

فقد أدى “بريكست” إلى زيادة التكاليف وتعقيد الإجراءات المتعلقة باستيراد وتصدير السيارات، كما فاقم من تحديات الشركات متعددة الجنسيات المالكة لمصانع السيارات في بريطانيا، مثل “ستيلانتيس” و”نيسان” و”تاتا” المالكة لـ”جاغوار لاند روفر”.

وقال غريفز “لأننا خارج الاتحاد الأوروبي فإننا في وضع غير موات للغاية”، مضيفاً أن الرسوم الجمركية التي قد يفرضها دونالد ترمب في حال عودته للرئاسة الأميركية ستشكل ضربة موجعة لقطاع يعد من أهم ركائز الصادرات البريطانية.

وأضاف غريفز “بصفتنا جزيرة صغيرة خارج الاتحاد الأوروبي، فإننا في موقف شديد الهشاشة تجاه الرسوم الجمركية، إذ لا نمتلك قوة اقتصادية كافية بمفردنا، ما لم نكن جزءاً من أوروبا، وللأسف أخشى أن المستقبل يحمل في طياته أخطاراً جمة”.

نقلاً عن : اندبندنت عربية