عندما انتخب قطب الأعمال ونجم تلفزيون الواقع دونالد ترمب رئيساً للولايات المتحدة للمرة الأولى عام 2016، جاء رد فعل هوليوود سريعاً وموحداً. تسابقت النجوم، الكبيرة منها والصغيرة، لإدانة رئاسته، وتحولت صناعة الترفيه بأكملها إلى موجة عارمة من الغضب والاستنكار استمرت طوال سنواته الأربع المضطربة في الحكم. أما من وقفوا على الطرف الآخر من المشهد، فكانوا استثناءات نادرة – شخصيات غريبة الأطوار، نجوم فقدوا بريقهم، وأشخاص يتمتعون بسمعة واسعة في مجال الفضائح مثل كانييه ويست. ربما لم يكن دعم ترمب بالضرورة بمثابة “انتحار مهني”، لكنه كان كافياً ليجعل من يدعمه أشبه بمنبوذ في صناعة تهيمن عليها الليبرالية، وإن كانت تعج بالأثرياء.
مرت أربع سنوات منذ غادر ترمب منصبه، ومع استعداد الولايات المتحدة لعودة هذا الزعيم الشعبوي المثير للانقسام، يبدو أن الأجواء تغيرت بصورة ملاحظة. بعد الانتخابات، أصدرت جمعية صناعة الأفلام، التي تمثل استوديوهات هوليوود الخمسة الكبرى (إضافة إلى منصة نتفليكس، وإم جي إم، وبرايم فيديو)، بياناً مفاجئاً بنبرته الإيجابية، معربة عن “تطلعها للتعاون [مع إدارة ترمب]”. وبعد أيام قليلة، وفي تحرك مثير للدهشة أكثر، كشف الممثل سيباستيان ستان، الذي جسد شخصية ترمب حديثاً في فيلم “المتدرب” The Apprentice، عن تفاصيل غريبة. الفيلم، الذي يشارك فيه أيضاً جيريمي سترونغ نجم مسلسل “توريث” Succession، يتناول فترة قصيرة من حياة ترمب، بما في ذلك ادعاءات تتعلق باغتصاب زوجته السابقة إيفانا. وأوضح ستان أنه دعي للمشاركة في سلسلة “من الممثلين وإليهم” Actors on Actors المرموقة التي تقدمها مجلة “فيرايتي” Variety، وهي سلسلة سنوية من الحوارات بين ممثلين يتنافسون على الجوائز، لكنه في النهاية لم يتمكن من ذلك، لأن وكلاء الدعاية الخاصين بالممثلين الآخرين رفضوا السماح لعملائهم بالحديث عن ترمب. وقال ستان: “لم أتمكن من العثور على ممثل آخر يوافق على الحوار معي، لأنهم كانوا يخشون بشدة التطرق إلى هذا الفيلم”، وهو ما أكده أيضاً رئيس تحرير “فيرايتي”.
كل المؤشرات تدل على تغير مقلق في الاتجاه الذي قد تشهده السنوات المقبلة. يبدو أن حقبة المعارضة الصاخبة والمستفزة لـ ترمب – التي كان يشار إليها أحياناً باسم “الليبرالية المقاومة” – انتهت.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
في أعقاب الانتخابات، توجهت ريتشل زيغلر، الممثلة الشابة التي أبهرتنا في دور البطولة في فيلم “قصة حي ويست سايد” West Side Story من إخراج ستيفن سبيلبرغ، التي من المنتظر أن تؤدي دور “سنو وايت” Snow White في النسخة المؤنسنة من فيلم ديزني الشهير، إلى وسائل التواصل الاجتماعي للكتابة عن “أربع سنوات من الكراهية” التي سيجلبها حكم ترمب، و”المرض العميق جداً” الذي تعانيه أميركا المعاصرة. كتبت: “ليت أنصار ترمب وناخبيه وترمب نفسه لا يعرفون السلام أبداً [يلاقون المصاعب الدائمة]”. ولا أعتقد أنه من المبالغة القول إن مثل هذه اللهجة كان أمراً عادياً بالنسبة إلى الممثلين الشبان التقدميين في هوليوود عام 2016. لكن هذه المرة، سرعان ما تلاها اعتذار، إذ كتبت زيغلر: “أنا أؤمن إيماناً راسخاً بأن كل فرد يمتلك الحق في رأيه، حتى وإن اختلف مع رأيي الخاص، أنا ملتزمة بالمساهمة بصورة إيجابية من أجل غد أفضل”.
ليس بالضرورة أن يكون شعور العداء لـ ترمب في هوليوود تراجع بالفعل بين المشاهير أنفسهم. وأشار إلى ذلك المذيع المثير للجدل جو روغان الذي دعم ترمب قبل ساعات من الانتخابات، مدعياً أن عديداً من المشاهير – “الهيبيين اللعينين والفنانين والموسيقيين” – تواصلوا معه سراً ليشكروه على تأييده، وأنهم “قالوا له إنهم يرغبون في [التعبير عن دعمهم لـ ترمب] لكنهم لا يريدون التعرض للهجوم”. كما الحال مع معظم ما يقوله روغان في مدونته الصوتية، يجب أخذ هذا الكلام بحذر شديد، لكن قد يكون هناك شيء من الحقيقة في ما ذكره. فمنذ سنوات، كان كره ترمب بالنسبة إلى بعضهم جزءاً من هويتهم الشخصية بقدر ما كان قناعة أخلاقية ثابتة لديهم.
نادراً ما يظهر الانقسام بين الليبرالية واليسارية بصورة واضحة أكثر مما هو عليه في أروقة صناعة الترفيه الأميركية.
عدد من هؤلاء المشاهير أنفسهم الذين ثاروا ضد سياسات ترمب الخاصة بحجز المهاجرين – رافعين شعارات تندد بـ”وضع الأطفال في أقفاص” على سبيل المثال، معبرين من خلالها عن استنكارهم مشروعاً لاحتجاز الأطفال (والبالغين) المهاجرين الذين عبروا الحدود الجنوبية – التزموا الصمت عندما تبنت الإدارات الديمقراطية هذه السياسات عينها. كان ترمب هدفاً مقبولاً ومستحقاً للانتقاد، لكنه كان أيضاً هدفاً سهلاً، بصفته شخصاً ارتكب عديداً من الزلات الشخصية ويمتلك أسلوباً صارخاً يجعل منه موضوعاً سهلاً للسخرية والكراهية من دون إثارة للجدل. كثير من أولئك الذين دفعوا (لا أريد أن أقول “تطرفوا” بل ربما دفعوا) نحو التعبير السياسي الجريء تحت فترة حكم ترمب الأولى، لم يظهروا الاهتمام الحاد نفسه بمختلف الإخفاقات التي شهدتها إدارة بايدن.
لا تتعلق المشكلة بأي نجم بمفرده، بلا شك، إذ سيكون هناك كثير ممن سيستمرون في إدانة إدارة ترمب الجديدة، كما أن الأيام التي تلت نتائج الانتخابات لم تكن خالية من مشاعر اليأس والإدانة. لكن إذا كان غياب سيباستيان ستان عن سلسلة مجلة “فيرايتي” يدل على شيء، فإنما هو التغيير الملاحظ في التوجه داخل القوة الخفية وراء هوليوود. في النهاية، يمكننا التأكد من أن الاستوديوهات ستسير ببساطة في الطريق التي ستحقق أقصى ربحية، إذا كان من الممكن جني مزيد من المال بتقبل ترمب بدلاً من مقاومته، فإنه سيكون من الحماقة توقع أي نوع من الاتساق الأخلاقي. ومع كل عيوب ترمب وزلاته، إذا كان هناك شيء واحد يجيده هذا الرجل، فهو كيفية تسويق الأشياء وبيعها.
نقلاً عن : اندبندنت عربية