جاء الاتصال الهاتفي للمستشار الألماني أولاف شولتز بالرئيس الأوكراني فلاديمير زيلينسكي قبيل مكالمته الأولى منذ عامين مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، فاتحة لسلسلة من التطورات العاصفة، المفعمة بالإثارة والتوتر في السياسة الدولية. فسرعان ما أعلن الرئيس الأميركي جو بايدن عن قراره حول السماح لأوكرانيا باستخدام الأسلحة الصاروخية الأميركية في عمق الأراضي الروسية، وكأنما رد على استعانة الجانب الروسي بجنود من كوريا الشمالية بموجب اتفاق بين الجانبين على التعاون الدفاعي المشترك. وذلك ما رد عليه دميتري بيسكوف الناطق الرسمي باسم الكرملين على الفور، بقوله “إذا تمت صياغة مثل هذا القرار حقاً، فستكون هناك جولة جديدة من التوتر”، وهو ما أعقبه بوتين بقوله: “إن السماح للقوات المسلحة الأوكرانية باستخدام الأسلحة الغربية لضرب العمق الروسي، لا بد أن يعني المشاركة المباشرة لدول الناتو في العمليات العسكرية”، ما سيغير “طبيعة الصراع ذاتها”. ووفقاً لبوتين، فإن قرار السماح بالضربات ضد روسيا بالأسلحة الغربية “لن يعني أكثر من المشاركة المباشرة لدول الناتو والولايات المتحدة والدول الأوروبية في حرب أوكرانيا”، وهو ما لا بد أن “تتخذ روسيا إزاءه القرارات المناسبة بناء على التهديدات التي ستطرح علينا”.
خطة زيلينسكي للسلام
ومن المعروف أن زيلينسكي كان فناناً كوميدياً استمد شهرته من مسلسله “خادم الشعب” وهو الاسم الذي أطلقه على حزبه السياسي وخاض معه الانتخابات الرئاسية التي فاز فيها بالغالبية الساحقة بنسبة تزيد على 70 في المئة، وعليه لم يكن زيلينسكي يتمتع بأي خبرة سياسية أو عسكرية سابقة على الإطلاق.
وما إن نشبت “الحرب” حتى ارتدى الـ “تي شيرت” والملابس العسكرية ذات اللون الكاكي، وأطلق لحيته، وراح يوعز إلى أعضاء فريقه باستخدام أقسى الأوصاف في حق كل من يقصر في ما يراه “حقاً لبلاده من أسلحة ومعدات عسكرية”. واليوم بعد أكثر من سنتين على الحرب أعاد التأكيد خلال مكالمته الهاتفية مع شولتز على شرط “خطته للسلام”، وهو العودة إلى حدود عام 1991 تحت عنوان “الانسحاب من كل ما احتلته روسيا من أراضٍ أوكرانية”، وهو شرط معلوم سلفاً أن بوتين لن يوافق عليه، ويجري طرحه مقروناً ببداية المفاوضات.
في المقابل، وضع بوتين شرط الاحتفاظ بما وصل إليه من أراض، وأن قواته تحاول “بلوغ حدودها الإدارية السابقة، والاعتراف بوضعيتها الروسية الدستورية الجديدة” في مقدمة شروط الحفاظ على أمن بلاده، ومنها عدم انضمام أوكرانيا إلى حلف شمال الأطلسي، وإقرار وضعيتها الحيادية، وعدم نشر الأسلحة الاستراتيجية النووية في الأراضي الأوكرانية. وثمة من يقول إن الحرب صارت اليوم “مهنة بعض القيادات الأوكرانية ممن وجدوا فيها السبيل إلى الثراء غير المشروع” كما يقولون في أوكرانيا، و”البقاء على سطح الحياة السياسية والعسكرية”.
بوتين يوقع تغيير العقيدة النووية
وما إن أصدر الرئيس الأميركي جو بايدن قراره برفع الحظر المفروض على استخدام الأسلحة الصاروخية بعيدة المدى، والوصول إلى عمق الأراضي الروسية، حتى جرى إطلاق مثل هذه الصواريخ لقصف منشأة عسكرية في مقاطعة بريانسك المتاخمة للحدود الأوكرانية. وقالت المصادر العسكرية الروسية إن انظمة الدفاع الجوي تصدت للصواريخ الغربية، وإن الرئيس فلاديمير بوتين وقع الوثيقة الجديدة للعقيدة النووية الجديدة، بما يسمح باستخدام الأسلحة النووية ضد الدول غير النووية إذا تعرضت روسيا أو أي من حلفائها لهجوم نووي من أراضي هذه الدول. وقال الرئيس بوتين إن استخدام مثل هذه الصواريخ الاستراتيجية يتم فقط على أيدي خبراء أجانب، وبموجب معلومات فضائية لا تتوافر لمثل هذه الدولة. وسارع سيرغي لافروف وزير الخارجية الروسي، إلى إعلان أن أوكرانيا لم تكن لتطلق مثل هذه الصواريخ الاستراتيجية بعيدة المدى على روسيا “من دون مساعدة الأميركيين”. وكان الرئيس سبق وأشار إلى أن السماح للقوات المسلحة الأوكرانية باستخدام الأسلحة الغربية لضرب العمق الروسي، سوف يعني المشاركة المباشرة لدول الناتو في العمليات العسكرية، وسيغير “طبيعة الصراع ذاتها”. كما أن قرار السماح بالضربات على روسيا بالأسلحة الغربية “لن يعني أكثر من المشاركة المباشرة لدول الناتو والولايات المتحدة والدول الأوروبية في الحرب في أوكرانيا”. وفي هذه الحالة، ستتخذ روسيا القرارات المناسبة بناء على التهديدات التي ستطرح علينا”.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وكانت مصادر الكرملين أعلنت أن الإدارة الأميركية تعتزم اتخاذ خطوات “للاستمرار في صب الزيت على النار، والاستمرار في إثارة التوترات حول هذا الصراع”. كما ذكرت صحيفة “نيويورك تايمز” في 17 نوفمبر (تشرين الثاني) الجاري أن الرئيس الأميركي جو بايدن سمح لأوكرانيا بضرب أراضي روسيا بصواريخ ATACMS. وثمة من يشير إلى أن “مثل التصريحات يمكن أن تكون باعثاً قوياً ومثاراً للكثير من التوتر الذي قد يدفع إلى المزيد من الأخطار، بما في ذلك من حدة التصعيد”.
غير أن الأمر لم يقتصر على الصواريخ الأميركية، بل وتعداها إلى الصواريخ البريطانية، حيث أشارت وسائل إعلام بريطانية، إلى أن أوكرانيا “استخدمت للمرة الأولى، صواريخ كروز طويلة المدى من طراز (ستورم شادو) بريطانية – فرنسية الصنع، ضد الأراضي الروسية”. وأوضحت المطبوعات البريطانية “أن سكان قرية مارينو في منطقة كورسك الروسية، عثروا على أجزاء من صاروخ (ستورم شادو) إلا أن روسيا لم تكشف بعد عن ذلك، وعما يمكن أن يكون ردها عليه”.
وحتى هذه اللحظة لم يصدر بيان رسمي من بريطانيا أو روسيا بشأن ما إذا كانت الصواريخ المذكورة قد استخدمت في المنطقة. وكانت وزارة الدفاع الروسية سبق وأعلنت أن أوكرانيا شنت هجوماً على منطقة بريانسك بصواريخ ATACMS التكتيكية بعيدة المدى أميركية الصنع. وأضافت أنه تم التصدي للصواريخ من قبل منظومات الدفاع الجوي “أس 400” و”بانتسير”، وأن الهجوم الأوكراني لم يخلف خسائر مادية أو بشرية.
زيلينسكي يتوقع انتهاء الحرب عام 2025
ترددت في الآونة الأخيرة تصريحات كثيرة لزيلينسكي، ومنها ما قاله حول إن الحرب ستنتهي في عام 2025، وذلك من دون تقديم الأدلة التي تستند إليها توقعاته. وهناك من يقول إن زيلينسكي يستند بذلك إلى تصريحات الآخرين من أصحاب القرار، ومنهم الرئيس الأميركي المنتخب حديثاً، حول إنه يعتزم “إنهاء الحرب الأوكرانية في غضون 24 ساعة”، وما قاله أيضاً حول “إنه يكفي لإنهاء هذه الحرب، إعلان حظر الاستمرار في إرسال الدعم العسكري لأوكرانيا، وممارسة الضغوط على بوتين”.
وبحسب خبراء سياسيين، فإن أقوال زيلينسكي حول توقعاته “بشأن إنهاء الحرب بعد قرار بايدن رفع الحظر عن استخدام الأسلحة الاستراتيجية بعيدة المدى”، تحمل الكثير من التناقضات، وذلك لأن “مسألة الحرب” بكل ما تحمله من معان وأبعاد، ستكون خارج قدرات وتوقعات أي طرف.
أما عن موضوعية التوقعات، فقد استبعد مراقبون نهاية للحرب بخاصة بعد أن وقع بوتين قرار “تغيير العقيدة النووية الروسية”، وهو الأمر الذي لا يخفف من حدته وأبعاده، سوى اتساع دائرة أصحاب مبادرات السلام وتجاوزها إلى داخل الاتحاد الأوروبي.
نقلاً عن : اندبندنت عربية