أثار القرار الذي اتخذته إدارة التعليم في مدينة أكسوم بإقليم تيغراي الإثيوبي حول حظر ارتداء الحجاب في مدارس المدينة ردود فعل قوية وحالاً من السخط في الأوساط الطلابية والإسلامية عموماً.
وحذر المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية في تيغراي من أنه سيتخذ “إجراءات احتجاجية قوية إذا لم يتم إلغاء الحظر الذي فرض على ارتداء الطالبات المسلمات للحجاب في مدارس أكسوم”.
وفي بيان أصدره في أمس الثلاثاء، أمهل المجلس وزارة التعليم في الإقليم ثلاثة أيام لإلغاء القرار وطالب باحترام اللوائح والقوانين التي تتبعها وزارة التعليم الاتحادية في عموم إثيوبيا، واصفاً الحظر بأنه “انتهاك للحقوق الأساسية التي يكفلها الدستور الفيدرالي الإثيوبي، كما أنه يتناقض مع اللوائح الحاكمة لعمل وزارة التعليم وقوانيننا الإقليمية”.
وقال أمين مجلس الشؤون الإسلامية في تيغراي الحاج محمد كحساي في تصريح صحافي إن الحظر أثر بصورة كبيرة في طالبات المرحلة الثانوية، إذ منع عدد منهن من التسجيل للامتحانات الوطنية المؤهلة للمرحلة الجامعية.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وسلط المجلس الضوء أيضاً على التحديات التي يواجهها الطلاب في المنطقة التي مزقتها الحرب، قائلاً إن “الأزمة السياسية والغذائية التي يعيشها الإقليم كافية لإرهاق المواطنين، وفتح باب آخر لأزمة دينية من شأنه أن يدفع المنطقة إلى الأسوأ”، وأكد أن “منع الطالبات من الدراسة لمجرد ارتدائهن الحجاب أمر غير قانوني وغير عادل”.
وحث “المجتمع المسلم وغيره من دعاة العدالة والسلام، بمن فيهم المسيحيون على ممارسة الضغط لحل الجدل حول الحجاب”، مضيفاً أن “التعليم حق أساسي من حقوق الإنسان، وحق ارتداء الحجاب جزء من ذلك” وشدد على أنه سيعمل على تصعيد الاحتجاجات السلمية ضد القرار الذي وصفه بـ”الجائر”.
وبحسب مصادر إعلامية إثيوبية، فإن القرارات التي اتخذتها إدارة التعليم في الإقليم طبقت في أربع مدارس ثانوية بمدينة أكسوم.
واحتج طلاب مسلمون في المدينة التي تُعدّ من أهم المواقع الأثرية للديانتين الإسلامية والمسيحية على حد سواء، مطالبين بإلغاء القرارات المتعلقة بحظر الحجاب لتناقضها مع الحقوق الدينية لفئة مهمة من المجتمع الإثيوبي.
رمزية الجغرافيا والتاريخ
وتقع مدينة أكسوم التاريخية في شرق إقليم تيغراي بإثيوبيا على سفح جبال عدوة، وكانت مقراً لمملكة أكسوم التاريخية منذ القرن الأول حتى القرن الـ12 الميلادي، وهي أيضاً المقر التاريخي للكنيسة الأرثوذكسية الحبشية، إذ تضم كنيسة العذراء مريم التي تعرف بكنيسة “مريم صهيون”، ويُعتقد بأنها تحتفظ بـ”تابوت العهد” الذي يضم ألواح موسى الحاوية للوصايا الـ10، مما جعلها المدينة الأكثر قداسة للمسيحيين الإثيوبيين ودفع الأنظمة المتعاقبة في إثيوبيا إلى منع إقامة دور عبادة للديانات الأخرى باستثناء الطائفة الأرثوذكسية.
لكن من جهة أخرى، تشير الدلائل التاريخية إلى أن أكسوم نفسها كانت مقر النجاشي (أصحمة بن أبجر) الذي أكرم وفادة المسلمين في عهد النبي محمد وكانت من بينهم ابنته رقية وزوجها عثمان بن عفان بعد وصية الرسول لأصحابه في بداية الرسالة المحمدية، قائلاً “لو خرجتم إلى أرض الحبشة فإن بها ملكاً لا يُظلم عنده أحد”، وبذلك أضحت مملكة أكسوم أرض الهجرة الأولى، ورفض النجاشي حينها تسليم المسلمين الفارين إلى وفد من قريش ذهب لملاحقتهم. وأقام المسلمون في مدينة نجاش (نگاش) القريبة من أكسوم حتى عام 627 ميلادي عندما عاد معظمهم. ولدى وفاة أصحمة، نُقل عن النبي محمد قوله لأصحابه “قد تُوفي اليوم رجل صالح من الحبش فهلمّوا فصلوا عليه”، فصلوا عليه صلاة الغائب.
وعلى رغم ذلك يشير مراقبون إلى أن المسلمين في هذه المدينة التاريخية ظلوا يواجهون أصنافاً من التمييز، إذ لا تزال المنظومة الحاكمة تمنع منح تصاريح لبناء المساجد داخل المدينة، كما تمنع إقامة مدافن للمسلمين باعتبار أن أكسوم مدينة مقدسة حصراً للمسيحيين الأرثوذكس، ويضطر مسلموها إلى دفن موتاهم خارج المدينة، مما ظل المسلمون يطالبون بمعالجته لعقود عدة مضت، ومع القرارات التي اتخذتها إدارة التعليم في الإقليم، عادت هذه المطالب بصورة صارخة لواجهة الأحداث، فما هي الأسباب الحقيقية لتصعيد الأمر في وقت يمر الإقليم والبلاد عموماً بتحديات سياسية واقتصادية؟.
يرى الباحث الإثيوبي في التاريخ زاهد زيدان أن ثمة آثاراً تاريخية تلقي بظلالها على الواقع في إقليم تيغراي، تحديداً في مدينة أكسوم التي تُعدّ الحاضرة القديمة للملكة التاريخية، إذ تذهب السردية الأسطورية إلى أن الإمبراطور الحبشي الأول الذي يُعرف بالملك منيليك الأول (950 ق م) هو ابن نبي الله سليمان، وزوجته ماكيدا هي ملكة مملكة سبأ التي تُعرف في التراث العربي باسم بلقيس، وتسرد الأسطورة الحبشية أن النبي سليمان أتى بألواح العهد من فلسطين إلى أكسوم، حيث وضعت في كنيسة صهيون، وهي المذكورة في العهد القديم بـ”تابوت العهد”، مما أكسبها قدسية لدى أصحاب الديانة المسيحية.
ويضيف زيدان أنه “على رغم ذلك الاعتقاد السائد، فإن التواريخ اللاحقة ومن بينها الهجرة الأولى لأصحاب النبي محمد واستقبالهم من قبل ملك أكسوم، جعلت من المدينة ملتقى الديانات، بخاصة المسيحية والإسلام”، منوهاً إلى أنه بحلول عام 1541 ميلادي تغير كثير من المعالم، ففي هذا العام تمت محاولة الاستيلاء البرتغالي على مدينة جدة، واستعانة الملك سليمان القانوني بقوات سلطنة عدل الإسلامية التي كانت تحكم معظم مناطق شمال الحبشة، مما أدى إلى فرض البرتغاليين قوانين جديدة تعتبر أكسوم مدينة مسيحية مقدسة، وإزالة معظم الآثار الإسلامية بما في ذلك هدم بعض المساجد وأضرحة المسلمين.
ويقول الباحث الإثيوبي إنه كان للتدخل البرتغالي أثر بالغ في إعادة تشكيل المدينة وخلق نظم جديدة تصل إلى حد تبني سياسات تمييز عنصري ضد المسلمين.
مسار القضية
وبالعودة للأحداث الأخيرة في أكسوم، يرى زيدان أن القرارات الأخيرة تمثل حال نشاز في السياسات الرسمية المتبعة في إثيوبيا، مشيراً إلى أن الدستور الفيدرالي يضمن الحق للمواطنين كافة في المساواة وفي ارتداء أزياء تناسب توجهاتهم الدينية، ولفت إلى أن الحكومة الحالية في أديس أبابا تضم مجموعة من الوزيرات المحجبات من بينهن وزيرة الدفاع عائشة محمد ووزيرتا القوى العاملة والسياحة، كما تتبوّأ سيدات محجبات مناصب عليا في الحكومة والبرلمان وغيرهما من مؤسسات الدولة الإثيوبية، مما يعني أن القرارات التي اتخذتها ادارة التعليم في إقليم تيغراي تتناقض مع التوجه العام للدولة المركزية في أديس أبابا، فضلاً عن تناقضها مع نص الدستور الإثيوبي وروحه.
وفي شرحه لمسار القضية، يوضح أن الأحداث بدأت عندما منع أفراد الأمن بعض الطالبات المنتقبات من دخول إحدى المدارس في مدينة أكسوم لتسجيل أسمائهن في كشوف امتحانات الثانوية العامة، قبل أن يتطور الأمر لصدور قرار من إدارة التعليم في الإقليم بمنع المحجبات من دخول المدارس تحت ذريعة توحيد الزي المدرسي، ومنع ارتداء الرموز أو الملابس التي تظهر الانتماء الديني لهن، فضلاً عن إضافة بند يخص منع استخدام مساحيق التجميل.
ويعتقد زيدان بأن القرارات الأخيرة تنتهك الحريات الخاصة للطالبات التي يضمنها الدستور وتتضمن مساساً بالحق في التعليم، مضيفاً أن القوانين المسيرة للإدارة العامة للتعليم لا تنص على أية ضوابط تتعلق بهذا الجانب، مما يجعل هذه القرارات متناقضة بوضوح مع لوائح وزارة التعليم الإثيوبية.
ويرى أن تعليمات إدارة التعليم في أكسوم أثارت موجة من الغضب لدى المجتمع المسلم، مما ينذر بتطور الأوضاع ويضر بالسلم الأهلي في الإقليم، مؤكداً أن كثيراً من الناشطين الإثيوبيين بمن فيهم المسيحيون عارضوا هذه القرارات غير الدستورية، بخاصة أنها تتناقض مع القوانين الإثيوبية وسيكولوجية المجتمع المحلي الذي عُرف تاريخياً بتعايشه السلمي مع الديانات كافة بما فيها الإسلام، إذ تُعدّ أكسوم موطن الهجرة الأولى لصحابة الرسول محمد حين وفرت لهم الحماية ورفض ملكها طلب أعيان قريش تسليمهم، بل هيأ لهم كل ما يضمن الحرية الدينية بما في ذلك ممارسة الشعائر.
ويوضح زيدان أن القرارات الأخيرة تضر بسمعة إثيوبيا الحضارية كأول الوجهات التاريخية التي بسطت الحريات الدينية وكفلت حقوقها في ممارسة الشعائر، وذلك التاريخ الذي تفخر به إثيوبيا الحالية يعود تحديداً لمملكة أكسوم.
ويختم زيدان بالقول إن حل هذه المسألة بيد وزارة التعليم الفيدرالي من خلال إلغاء قرار الإدارة التابعة لها في أكسوم، وتقديم اعتذار رسمي إلى الطالبات والمجتمع المسلم عموماً في تيغراي، بخاصة أن وزير التعليم برهانو نجا سبق أن صرح بأن وزارته لن تمنع الحجاب، بل النقاب باعتبار أنه يمثل عائقاً أمام مراقبي الامتحانات للتحقق من هوية الطالبات.
وأصدرت إدارة التعليم في إقليم تيغراي تعميماً صحافياً قالت فيه إنها لا تستهدف الطالبات من أتباع الديانة الإسلامية، بل تسعى إلى وضع ضوابط للزي المدرسي بما يتناسب مع الوظيفة التعليمية، وامتنعت الإدارة عن تقديم توضيحات أكثر، مؤكدة أنها لن تتعامل مع وسائل الإعلام إلا من خلال بيانات رسمية.
نقلاً عن : اندبندنت عربية