بفضل أجوائها الصافية وأراضيها الصحراوية الشاسعة وشبكة الكهرباء المتطورة، تمتلك مصر كل المقومات اللازمة لتحقيق توسع هائل في توليد الكهرباء من الطاقة الشمسية، لكنها لم تتحرك سوى الآن لاستغلال تلك الإمكانات بعدما قفزت فاتورة واردات الغاز الطبيعي.
وكان الانخفاض الحاد في إنتاج الغاز محلياً، إلى جانب الزيادة في الاستهلاك، فاجأ السلطات العام الماضي وتسببا في انقطاع التيار الكهربائي بصورة متكررة خلال فصل الصيف الحار.
وقال رئيس قسم الطاقة في مصر لدى البنك الأوروبي لإعادة الإعمار والتنمية أحمد مرتضى “لقد كان بمثابة جرس إنذار هائل وهذا هو السبب وراء إعلان الحكومة في الآونة الأخيرة عن حزمة طوارئ كبيرة”.
واضطرت مصر إلى إنفاق ما يزيد على مليار دولار فوق ما كانت تتوقعه لاستيراد الغاز الطبيعي المسال العام الماضي، ويقدر محللون أنها ستنفق مليارات أخرى عام 2025.
تقول شركات الطاقة الشمسية إنها تستطيع توفير الكهرباء بسعر أرخص كثيراً مقارنة بسعر الكهرباء المولدة باستخدام توربينات الغاز، وذلك بالاستعانة بألواح رخيصة الثمن من الصين، لكنها تشكو من أن دعم الطاقة الذي يشوه السوق واللوائح التنظيمية التي تنطوي على كثير من القيود يعوقان التوسع في توليد الطاقة الشمسية.
وخلال مؤتمر صحافي في ديسمبر (كانون الأول) 2024، أشار رئيس مجلس إدارة شركة “إيميا باور للطاقة المتجددة”، حسين النويس، إلى موارد مصر المتميزة في ما يتعلق بمصادر الطاقة الشمسية والأراضي.
مشروعات جديدة
افتتحت “إيميا باور” محطة للطاقة الشمسية بكلفة 500 مليون دولار وطاقة إنتاجية تبلغ 500 ميغاواط في أسوان، على بعد 650 كيلومتراً جنوب القاهرة الشهر الماضي، وتعتزم بناء محطة ثانية بقدرة 1000 ميغاواط في مكان قريب.
وقال النويس إن الشركة ستنفق في البداية 300 مليون دولار من أموالها الخاصة حتى تتمكن من البدء في بناء المحطة الجديدة قبل التوصل إلى اتفاق تمويل نهائي بحلول مايو (أيار) المقبل، وإن من المتوقع أن يبدأ الإنتاج في المحطة الثانية بحلول الربع الأول من عام 2026.
وأضاف النويس أن كلفة الكهرباء المنتجة في محطتي “إيميا للطاقة الشمسية” ستراوح ما بين سنتين وثلاثة سنتات أميركية لكل كيلوواط في الساعة، مشيراً إلى أن الكلفة “بالتأكيد ستكون أرخص من محطات الغاز”.
ووفقاً لمصادر تعمل بقطاع الطاقة من الصعب حساب كلفة توليد الكهرباء باستخدام توربينات الغاز، لأن شرائح الأسعار المدعومة تشوه المنظومة، لكن أحد المنتجين قدر كلفة الإنتاج بما يراوح ما بين سبعة وتسعة سنتات لكل كيلوواط في الساعة.
وتشتري الهيئة المصرية العامة للبترول، المملوكة للدولة، الغاز من المنتجين المحليين بأقل من سعر السوق ثم تبيعه لمحطات الكهرباء بخصم إضافي، وتبيع شركات التوزيع الحكومية الكهرباء للمستهلك النهائي بأسعار أقل مرة أخرى، حتى بعد زيادة سعر الاستهلاك لبعض الأسر بنسبة تصل إلى 50 في المئة العام الماضي.
و”إيميا باور” واحدة من ثلاث شركات منتجة تخطط لإنشاء محطات شمسية كبرى لتغذية شبكة الطاقة في مصر بالكهرباء مباشرة.
ووقعت شركة “سكاتيك” ومقرها النرويج اتفاقاً في سبتمبر (أيلول) 2024 لمشروع تبلغ طاقته الإنتاجية 1000 ميغاواط في حين وقع تحالف يضم شركتي “إنفينيتي” و”مصدر” الإماراتيتين و”حسن علام المصرية” اتفاقاً في نوفمبر (تشرين الثاني) 2024 لتوليد 1200 ميغاواط من الطاقة.
لكن النويس رجح أن تحتاج مصر إلى آلاف أخرى من الميغاواط لتلبية الطلب في الأعوام المقبلة.
عراقيل كثيرة
تقول مصادر مطلعة بقطاع الطاقة إن أحد أسباب التحول البطيء في مصر إلى الطاقة الشمسية هو أن الإدارات الحكومية المختلفة لا يوجد لديها حافز كبير للتركيز على الكلفة الإجمالية للطاقة.
وقال ياسين عبدالغفار من شركة “سولاريز إيجيبت”، التي توفر الطاقة الشمسية بصورة رئيسة للشركات الخاصة “المشكلة مع مصر هي أنها عبارة عن مجموعة من الجزر. ولا يوجد نهج مركزي ينسق فيه الوزراء في ما بينهم”.
وفي أوائل عام 2024 جرى سن قانون يسمح لمنتجي الطاقة من القطاع الخاص بتوفير الكهرباء للشركات، ومنها المصانع، على رغم أنها لن تقبل في البداية سوى مشاريع تبلغ قدرتها 500 ميغاواط على مستوى البلاد.
وقال رئيس الوزراء مصطفى مدبولي في نوفمبر 2024 إن مصر تسعى إلى زيادة حصة مصادر الطاقة المتجددة في مزيج الكهرباء إلى 42 في المئة بحلول عام 2030، مقارنة مع 11.5 في المئة حالياً تولد من طريق الطاقة الشمسية وطاقة الرياح والطاقة الكهرومائية.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وقال مرتضى إن الحكومة تتطلع إلى دعم دولي لتعزيز الشبكة وتوسيعها لتشمل مواقع إنتاج الطاقة الشمسية، وإن البنك الأوروبي لإعادة الإعمار والتنمية يبحث كيفية تقديم المساعدة.
ومع دخول الطاقة المتجددة إلى السوق تخطط مصر لإغلاق محطات الطاقة القديمة والأقل كفاءة تدريجاً.
هناك عقبة أخرى أمام التوسع في استخدام الطاقة الشمسية وهي لائحة تنظيمية تمنع المستهلكين، الذين يعيشون بصورة رئيسة في شقق سكنية بالمدن، من تركيب عدادات كهرباء ثنائية الاتجاه إلا إذا كانوا يملكون المبنى بالكامل، ومن شأن تلك العدادات السماح لهم بإضافة إمدادات على الشبكة أو شراء تلك الإمدادات لاستهلاكهم.
وتقول مصادر القطاع إن الحكومة لم تضع بعد في أولوياتها مقترحات لتعديل هذه اللائحة.
وبحسب تقدير الرئيس التنفيذي لشركة “سولار سول” أيمن راسخ، التي تقدم الخدمة لمنازل وشركات، ستصبح الطاقة الشمسية موفرة للمستهلكين في المنازل عندما يرتفع سعر الكهرباء من الشبكة الحكومية إلى أكثر من أربعة جنيهات (0.079 دولار) لكل كيلوواط في الساعة.
وحالياً تدفع الأسر الأكثر ثراء 2.35 جنيه (0.0462 دولار) عن استهلاكها من الكهرباء لكل كيلوواط في الساعة.
وتتضمن حزمة الدعم المالي، التي وقعتها مصر مع صندوق النقد الدولي بقيمة 8 مليارات دولار في مارس 2024، تعهداً بخفض دعم الطاقة، وذلك بعد تأجيل رفع أسعار الكهرباء مراراً وسط أزمة اقتصادية.
وقال راسخ “عندما ترفع الحكومة دعم الكهرباء فسترى الألواح الشمسية على أسطح المنازل كما ترى الآن أطباق استقبال البث التلفزيوني من طريق الأقمار الاصطناعية”.
نقلاً عن : اندبندنت عربية