وسط معاناة ومصاعب كبيرة يكافح السكان العالقون في العاصمة السودانية الخرطوم ومدينة بحري تحت دوي المدافع وجحيم الاشتباكات بمناطق وأحياء عدة لتوفير متطلبات الحياة اليومية في وقت يواجهون فيه أزمة مستفحلة في الغذاء بسبب خروج المخابز عن الخدمة، فضلاً عن الخدمات الأساس من كهرباء وماء ووقود، ونتيجة لهذه الأوضاع اشتدت الأزمة المعيشية وأحكمت حلقاتها على حياة المواطنين.
مع استمرار حدة المعارك بين الجيش وقوات “الدعم السريع”، اضطر التجار إلى إغلاق بعض المحال في السوق المركزية نتيجة القصف الجوي وتبادل الهجمات بالطائرات المسيرة، إضافة إلى توقف حركة إمدادات السلع بين الخرطوم وبحري ومنطقة جبل أولياء، علاوة على انتشار الأوبئة في ظل انهيار القطاع الصحي ونقص الكوادر الطبية.
وبحسب مصادر حكومية، يقدر عدد السكان العالقين في العاصمة السودانية ومدينة بحري بنحو 3.5 مليون نسمة، ويفتقرون بشدة إلى الغذاء والدواء.
أسوأ أزمة
وليد جمعة أحد المواطنين العالقين في منطقة الكلاكلة جنوب الخرطوم، قال إن “السكان يعيشون أسوأ أزمة إنسانية في الوجود، ومن نجا من الرصاص الطائش وقصف مدافع الطيران لم ولن يسلم من تداعيات الجوع وانعدام الدواء والنقص الحاد في مياه الشرب النظيفة، مما يتطلب تدخلاً عاجلاً لإنقاذ ما يمكن إنقاذه ببذل مزيد من الجهد من أجل وصول إمدادات الأغذية”.
وأضاف أن “الجوع والمرض يفتكان بالمنطقة بصورة يومية، إذ رُصد نحو 20 وفاة خلال الأسبوع الماضي بسبب سوء التغذية والحميات وضعف المناعة الذي بدأ يتفشى ويحصد أرواح الأطفال وكبار السن على وجه الخصوص”.
وأوضح جمعة أن “المخابز في منطقة جنوب الخرطوم خرجت عن الخدمة، وبات المواطنون يعيشون على أقل من حد الكفاف بسبب ندرة كل السلع، وبلا كهرباء أو مياه أو خدمات صحية، فقط نعتمد على وجبات من العدس والبليلة العدسية في الغذاء اليومي في ظل عدم وجود رغيف خبز منذ أشهر بسبب انعدام الدقيق في الأسواق”.
وأردف أن “غالبية المستشفيات والمراكز الطبية في العاصمة خرجت عن الخدمة، وبات آلاف السودانيين يواجهون خطر الموت جراء انعدام الرعاية الصحية وانقطاع الأدوية المنقذة للحياة والأساس، وكذلك نقص الكوادر الطبية”.
وعن الأوضاع في محلية شرق النيل، قال محمد الخاتم أحد العالقين في منطقة الجريف شرق، إن “السكان يشعرون بالعجز لعدم قدرتهم على توفير الطعام للأطفال الذين يستيقظون ليلاً من النوم بسبب الجوع مما أدى إلى تدهور صحتهم، ويعاني المئات أمراض سوء التغذية الحاد الذي خلف وفيات عدة”.
وأشار إلى أن “معظم الناس خلال يوم كامل لا يتناولون وجبة واحدة، نظراً إلى أنهم كانوا يعتمدون على المطابخ الخيرية بصورة يومية في الحصول على الطعام، من ثم فإن توقف إمدادات السلع والمواد الغذائية بالأسواق فاقم من المعاناة وبات يهدد حياة كثير من سكان المنطقة”.
ولفت إلى أن “الوضع ينذر بالخطر في العاصمة الخرطوم ومدينة بحري بسبب تصاعد وتيرة المعارك، لذا لا بد من وجود حلول لإنقاذ أوضاع الأطفال والمسنين التي إذا امتدت أشهراً مقبلة فإن الموت سيهدد الجميع في أحياء الخرطوم وبحري”.
أوضاع كارثية
على الصعيد نفسه، أوضح المتحدث الرسمي باسم غرفة طوارئ جنوب الحزام محمد كندشة، أن “الوضع ينذر بكارثة وشيكة تتسع بصورة مخيفة، بخاصة في ظل ندرة المواد الغذائية وتوقف المساعدات الإنسانية وإغلاق الجيش السوداني منافذ دخول السلع من ولايات نهر النيل والشمالية والبحر الأحمر إلى العاصمة الخرطوم”.
وأشار إلى أن “الأوضاع تفاقمت نتيجة تجدد أزمة الخبز وارتفاع أسعار السلع الاستهلاكية والوقود، فضلاً عن سحب تجار كثر البضائع من الأسواق الرئيسة والفرعية بسبب الرعب والقلق، لا سيما بعد تصاعد حدة القتال بين الجيش وقوات (الدعم السريع) في محور بحري ونواحي القيادة العامة”.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
ولفت كندشة إلى أن مستشفى بشائر الذي يقدم خدماته مجاناً لسكان منطقة جنوب الحزام بات يعمل بصورة جزئية في أقسام الكلى والتغذية العلاجية للأطفال والنساء الحوامل، خصوصاً بعد إضراب الكوادر الطبية احتجاجاً على حادثة إطلاق النار داخل قسم الطوارئ من قبل جنود قوات “الدعم”.
وفي مناطق شمبات والحلفايا والمزاد أدى انعدام الغذاء وارتفاع مستويات الجوع إلى انتشار الأمراض وسط كبار السن والنساء الحوامل.
واعتبر عبدالحميد بدوي، أحد سكان منطقة الدروشاب أن “المواطنين في مدينة بحري يعانون أزمات مستفحلة، منها انقطاع في المياه منذ 45 يوماً، مما اضطرهم إلى ملء أوانٍ من نهر النيل على رغم خطر التنقل في ظل تبادل القصف العشوائي وانفراط الأمن، فضلاً عن انقطاع التيار الكهربائي لأكثر من ثلاثة أشهر، إضافة إلى أزمة الخبز”.
ونوه بدوي بـ”انعدام المواد الغذائية تماماً من الأسواق بخاصة البقوليات على أنواعها وزيت الطعام ومنتجات الألبان والأجبان والخضراوات والفاكهة، مما فاقم الأوضاع المعيشية والإنسانية لسكان مدينة بحري”.
وتابع “فقد الناس كل ما يملكون حتى هواتفهم بعد نفاد مدخراتهم المالية وانعدام كل أسباب الحياة في العاصمة الخرطوم بسبب صعوبات المعيشة واستمرار تساقط القذائف العشوائية”.
مبادرات شبابية
على صعيد متصل أشار الناشط المجتمعي أواب الزين إلى أن “مظاهر الحياة في منطقة الحلفايا بمدينة بحري بدأت تعود وتستقر الأوضاع بصورة نسبية، لا سيما بعد تحرير الجيش السوداني المنطقة، إذ عاودت بعض المخابز ومحلات الخضر العمل مع تحسن طفيف في خدمة الكهرباء، وكذلك بدأت مبادرات شبابية حملات نظافة بإزالة تراكمات النفايات الكبيرة أثناء الحرب، وبدأنا نشعر ببعض الأمان مع استمرار دوريات التمشيط الأمني”.
وأوضح الزين أنه “على رغم توفير قدر من الخدمات في بعض الأحياء، فإنه لا يمكن القول إنها كانت كافية أو مرضية مقارنة بعدد السكان وتوافد النازحين نحو العودة، بخاصة الموجودون في معسكرات الإيواء في المدن الآمنة”.
ولفت الناشط إلى “إسهام بعض المبادرات الشبابية بتقديم معينات صحية ومواد غذائية مما جعل الوضع يسير نحو الأفضل نتيجة لتحسن في إمداد السلع، وكذلك جهود السلطات المستمرة من أجل توفير الخدمات وتطبيع الحياة”.
منذ أسابيع يحقق الجيش السوداني انتصارات وتقدماً كبيراً باستعادة عدد من المناطق الحيوية بالعاصمة الخرطوم في عدد من المحاور، مع تراجع مطرد لقوات “الدعم السريع”، إذ شن الجيش هجومه على مدينة بحري التي تشكل مع أم درمان ومركز المدينة إلى الجنوب الخرطوم الكبرى.
ومع توسع مساحات سيطرته وانفتاحه يتابع الجيش شن هجمات متزامنة عدة على المحاور بولاية الخرطوم، أسفرت عن السيطرة على 80 في المئة من مساحة الخرطوم بحري، حيث يعيش نحو مليون نسمة.
وأعلنت القوات المسلحة أنها “طهرت” حيي الرميلة والمنطقة الصناعية في قلب الخرطوم، على بعد ثلاثة كيلومترات فقط من القصر الجمهوري الذي تسيطر عليه قوات “الدعم السريع”.
نقلاً عن : اندبندنت عربية