يحقق فن “الكوميكس” انتشاراً واسعاً في دول الغرب بين مختلف الفئات العمرية، إلا أن هذا الرواج الذي يلقاه فيها لا يقابله انتشار موازٍ في العالم العربي، بل نرى هذا الفن يظهر بخجل ومن دون أن يستقطب فئات واسعة في مجتمعاتنا، لكن هذا الواقع لم يؤثر يوماً في شغف معتز صواف في هذا المجال، فهو يدرك أن الرسوم الكرتونية لا تلاقي تشجيعاً في مجتمعاتنا، ويأسف لذلك، لكن افتتاح معرضه للرسوم في بيروت وتوقيع كتاب “اعترافات رسام خارج الدوام”، يسهمان في ترسيخ وجود فن القصص المصورة في العالم العربي، وكذلك في نشر هذه الثقافة التي تربط بين الواقع والخيال على نطاق أوسع، علها تجذب مزيداً من العشاق والهواة.
حضور عربي خجول
على رغم الشهرة التي عرفها فن “الكوميكس” في العالم والرواج الذي جعله يستحق تسمية الفن التاسع، بقي حضوره خجولاً في العالم العربي. قليلة هي الأسماء العربية التي استطاعت أن تفرض وجودها وتحقق هذا الرواج، على رغم الجماهيرية التي حققتها الشخصيات الكرتونية في العالم منذ عقود، على رغم أنه اقتحم مجالات معرفية وفنية واسعة الأفق في العالم.
في عشقه فن “الكوميكس” أيام الطفولة حلم معتز صواف بأن يصبح رساماً في هذا الميدان، وكثيراً ما اعتبر هذا الفن مزيجاً من ثقافات الشعوب، ونظر إليه كفن لا يقل أهمية عن أي فن آخر، والأهم أنه حرص على تقديمه بحلة جديدة، عله يلقى الاهتمام الذي يبحث عنه.
وعلى رغم التحديات لم يستسلم يوماً في نشر هذا الفن، وها هو اليوم يقيم معرضاً في بيروت يقدم فيه 40 لوحة من أعماله من مجموعات “شلة عزو” و”ثورة ثورة” و”خربشات عزو” يتناول فيها يوميات اللبناني، إلى جانب واقع المنطقة العربية خصوصاً الوضع في فلسطين ولبنان في قالب مضحك، إنما في الوقت نفسه يحرص صواف على عدم الدخول في زواريب السياسة الضيقة، واختار عمداً تجنب الغوص فيها أو التهجم على جهات معينة من خلال أعماله، باستثناء العدوان الإسرائيلي، كما يوضح في حديثه مع “اندبندنت عربية”، هو يفضل الاعتدال في مواقفه السياسية والاهتمام بالجانب الاجتماعي ذات الطابع السياسي.
يعود ريع الرسوم في المعرض لدعم جمعية واصف سعاد صواف الخيرية التي تقدم المساعدة للمحتاجين في مجالات التغذية والتعليم والصحة، وتوفر لهم وجبات طعام. وفيما يسعى صواف من خلال المعرض إلى التشجيع على اقتناء هذه الرسوم وعرضها، يؤكد ثقافة الغرب المختلفة في هذا المجال، فهناك اهتمام بهذا الفن وقد باع الرسام هيرجيه لوحته الأخيرة بمليون ونصف المليون دولار.
رسام خارج الدوام
ضمن المعرض أيضاً وقع صواف كتابه “اعترافات رسام خارج الدوام” الذي يتضمن مجموعة من رسومه في 200 صفحة، وقد حمل عنواناً يترجم واقع كونه هاوياً في هذا المجال، ويعكس قصة حياته بما أنه يعمل في الرسم الكرتوني الذي يعشقه، إلى جانب عمله الأساس كمهندس، إذ تخصص صواف في مجال الهندسة بناءً على طلب من والده الذي اشترط عليه ذلك، قبل أن يتخصص في مجال الرسم الكرتوني، وسافر من ثم إلى لندن ليتبع شغفه ويتخصص في مجال الرسوم الكرتونية، وحصل على شهادة فيها عام 1975 من استوديو بوب غودفري في لندن. وصحيح أنه تابع عمله في مجال الهندسة إلا أنه لم يفقد يوماً عشقه للرسم الكرتوني وبقي هواية لديه يتمسك بها وترافقه في مختلف مراحل حياته، على هامش عمله الأساس، ساعياً إلى نشرها واستقطاب مزيد من الهواة لها.
أما رسوم صواف الكرتونية فتتمحور على شخصية عزو التي تمثله، ويحرص دوماً على رسمها بالقلم، معتمداً خلفية بسيطة لأن “الرسم باليد والتلوين هو الفن الحقيقي وهو ما يملكه الرسام ويحمل توقيعه”. وله أعمال سابقة، منها قصة مصورة بعنوان “طش فش 1” عن الحرب الأهلية، وأيضاً “فطوم بتشوف البخت”، المستوحاة من قصة صديقه الذي كان يلجأ إلى البصارة على خلفية الحرب الأهلية، ومن ثم “شلة عزو” وهي مجموعة قصص من خمسة أجزاء تتناول أصدقاءه، أما “خربشات عزو” فذات طابع سياسي.
ولنشر هذا الفن على نطاق أوسع أراد صواف الترويج لرسامي الكاريكاتير والشرائط المصورة في العالم العربي، فأنشأ مؤسسة “طش فش” التي تقيم نشاطات مختلفة وتقدم منشورات وتبني قاعدة بيانات على الإنترنت، بغية الوصول إلى جمهور أوسع حول العالم. وجسد شغفه بالرسوم المتحركة والشرائط المصورة من خلال دعمه ما بدأ كمبادرة في الجامعة الأميركية في بيروت، وتحول عام 2023 إلى “مركز رادا ومعتز صواف” لدراسات القصص المصورة العربية، كهيئة أكاديمية، وهي بمثابة مركز للدراسة النقدية لفن القصص المصورة في العالم العربي، وأطلق صواف جائزة محمود كحيل العربية السنوية التي تسهم في إبراز مواهب رسامين مميزين من المنطقة العربية.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
قام صواف بهذه المساعي بهدف نشر الفن التاسع في العالم العربي، لكنه يعبر بأسى في حديثه عن قلة الاهتمام به رغم كونه يمثل فناً حقيقياً يعبر عن المشاعر والواقع، وكثيراً ما اعتمده الأوروبيون والأميركيون لنقل رسائل معينة، أما اليابانيون فهم من ابتكروا الرسوم الكرتونية الشهيرة عام 1600، وأصبح فن المانغا أشبه بالشعر لديهم كوسيلة تعبيرية. وصحيح أن فن “الكوميكس” ارتبط طويلاً بالتسلية والضحك، إلا أنه يجده وسيلة فاعلة لتوجيه رسائل عميقة، وقد تكون أكثر فاعلية وأسرع من أي وسيلة أخرى، سواء ترافقت الرسوم مع الكتابة أو كانت وحدها.
“للأسف في العالم العربي ما من إلمام بهذا الفن على رغم أهميته، فيما يملك الأجانب هذه الثقافة، ففي العالم العربي ثمة اهتمام خاص بالشعر والأدب، وليس هناك اهتمام بالرسوم الكرتونية، ولم تعطها حتى الصحف، هذا الاهتمام المطلوب. بالنسبة إليَّ هذه نقطة ضعف في مجتمعاتنا، وحتى عندما قدم ماكسيم شعيا كتابه المصور الذي ينقل مغامراته طوال أعوام، لم تبع إلا نسخاً محدودة منه في الداخل اللبناني، وقدمه بالفرنسية والإنجليزية بسبب وجود هذه الثقافة في الغرب، فيما هي تنقصنا في لبنان والعالم العربي. ومهما حاولت على صعيد شخصي نشرها، فلا يمكن أن أنجح ما لم تحصل مساع على نطاق أوسع”.
نقلاً عن : اندبندنت عربية