تشهد الحدود اللبنانية – السورية تصاعداً في التوترات والاشتباكات بين الإدارة السورية الجديدة وعشائر لبنانية معروفة بعلاقتها مع “حزب الله”، لا سيما في بلدة حاويك الواقعة في ريف القصير غرب مدينة حمص. وتعود هذه المواجهات إلى إطلاق إدارة أمن الحدود السورية حملة موسعة على الحدود اللبنانية لضبط عمليات التهريب غير الشرعية، بدءاً من قرية حاويك، بهدف إغلاق منافذ تهريب الأسلحة والمخدرات. خلال هذه الحملة اندلعت اشتباكات مع مسلحين من عشائر لبنانية مقربة من “حزب الله”.
وتعد هذه المناطق الحدودية معقلاً لعشائر لبنانية مثل آل زعيتر وآل جعفر الذين يمتلكون أراضي زراعية في الداخل السوري ويعرف عن بعض أفرادهم تورطهم في أنشطة التهريب. وتشير التقارير إلى أن هذه العشائر تعتبر هذه الأراضي جزءاً من ممتلكاتها التاريخية. ويعتقد أن “حزب الله” يستخدم هذه المناطق كطرق لوجيستية لنقل الأسلحة عبر بعض العشائر المحلية التي تسهل هذه العمليات مستفيدة من التضاريس الوعرة وصعوبة مراقبة الحدود. وسيطر “حزب الله” على هذه المناطق من جانبي حدود لبنان وسوريا بعد معركة القصير في 2013.
وأكد مصدر عسكري سوري (فضل عدم الكشف عن اسمه) أن القوات السورية تواصل ملاحقة عصابات التهريب والاتجار بالمخدرات والأسلحة عبر الحدود، مشيراً إلى أن العمليات الأمنية التي يتم تنفيذها تهدف إلى مواجهة هذه الأنشطة الإجرامية. وشدد على أنه لا يوجد أي تمييز بين المهربين السوريين واللبنانيين. وأضاف أن هذه العمليات لا تحمل أي دوافع انتقامية، بل تركز على مكافحة التهريب وتأمين الحدود بصورة شاملة من دون التفريق بين الجنسيات المتورطة.
القرى الحدودية
في تطورات متسارعة على الحدود اللبنانية – السورية شهدت قرى حاويك وجرماش وهيت الواقعة في ريف القصير الغربي اشتباكات عنيفة، مما أثار المخاوف حول استقرار المنطقة الحدودية. وبدأت الاشتباكات بعدما أطلقت إدارة أمن الحدود التابعة للحكومة السورية حملة أمنية شاملة بهدف إغلاق منافذ تهريب الأسلحة والمخدرات. وذكرت مصادر إعلامية متقاطعة من سوريا ولبنان عدة أن المواجهات تدور مع عصابات تتبع لعشائر لبنانية متهمة بالوقوف وراء عمليات التهريب بالشراكة مع “حزب الله”. وقد عززت القوات السورية وجودها العسكري بإرسال ثلاث مجموعات من القوات الأمنية إلى المنطقة لتنفيذ عمليات اعتقال.
وفقاً لتقارير مختلفة استخدمت قوات الجيش السوري قذائف الهاون والمدفعية في مواجهة مع عناصر مسلحة وعشائر لبنانية مقربة من “حزب الله”. وتمكنت القوات السورية من تحرير عنصرين اختطفا خلال هذه الحملة، بينما ألقي القبض على عدد من المطلوبين المتورطين في عمليات التهريب. وأفاد السكان بأن بعض المنازل تعرضت للتفجير، مما أجبر عديداً من العائلات على النزوح. وقالت مصادر لبنانية إن القصف المدفعي من الجهة السورية وصل إلى بلدة القصر اللبنانية، مما أدى إلى سقوط جريح وقتيل لبنانيين.
وفي محاولة لاحتواء الوضع تم التوصل إلى اتفاق لتبادل الأسرى بين الإدارة السورية والعشائر اللبنانية، حيث أفرج عن عدد من المحتجزين من كلا الجانبين. ومع ذلك لا تزال الأوضاع متوترة مع استمرار التعزيزات العسكرية من الطرفين في المناطق الحدودية.
تقع قرية حاويك على حدود متداخلة بين سوريا ولبنان، مما جعلها مركزاً استراتيجياً لعمليات التهريب. وتضم القرية سكاناً من الطائفتين الشيعية والسنية، وهو ما يضيف طبقة إضافية من التعقيد للوضع السياسي والأمني.
معابر التهريب
تعد الحدود السورية – اللبنانية منطقة معروفة بعمليات التهريب البري، حيث تتجمع عصابات تهريب الأسلحة والمخدرات مستفيدة من الفوضى الأمنية وحماية من “حزب الله” وعناصر الفرقة الرابعة من الجيش السوري، إذ باتت هذه العصابات تجد في المنطقة الحدودية بيئة صالحة للعمل بسبب الجغرافيا الجبلية والضعف في الرقابة على الحدود. ولطالما أشارت تقارير أمنية واستخباراتية الى دور مباشر أو غير مباشر لـ”حزب الله” في تسهيل عمليات التهريب عبر الحدود واستخدام المعابر غير الشرعية لتوسيع نفوذه وتمويل أنشطته في حين ينفي الحزب هذه الاتهامات، مشدداً على أن جهوده تركز على حماية لبنان من أي تهديد أمني. ومع تصاعد الاشتباكات تشير بعض التقارير إلى تحركات لعناصر “حزب الله” في المنطقة، إما لمواجهة هجمات القوات السورية، وإما لحماية مصالحه.
داخل الأراضي السورية
وفي تصريح صحافي أعلن مدير التوجيه في الجيش اللبناني العميد حسين غدار أن أي اشتباكات لم تحدث داخل الأراضي اللبنانية، بل وقعت في بلدات يقطنها لبنانيون داخل الأراضي السورية. وأضاف أن “الجيش اللبناني منتشر على الأراضي اللبنانية، وبسبب الاشتباكات على الجانب السوري عزز وجوده وانتشاره على تلك الحدود”.
من جهة أخرى نشر المكتب الإعلامي في محافظة حمص بياناً قال فيه إن الحملة التي أطلقها على الحدود مع لبنان من جهة القصير أسفرت عن توقيف عدد من المطلوبين المتورطين في عمليات تهريب غير مشروعة، إضافة إلى ضبط كميات من الأسلحة والممنوعات التي كانت بحوزتهم، وأنه “خلال تنفيذ الحملة وقعت اشتباكات بين قوات أمن الحدود وعدد من المطلوبين”.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
سكان لبنانيون
وفي السياق لفت الكاتب السياسي إبراهيم ريحان إلى أن مسألة القرى اللبنانية الواقعة داخل الأراضي السورية تعد قضية متشابكة، حتى وإن لم تكن ذات أهمية كبيرة للنظام السوري في السابق. ومع ذلك فإن عائلات تلك القرى تعتمد عادة على التهريب، نظراً إلى قرب القرى المتقابلة بين الأراضي اللبنانية والأراضي السورية، مثل قرى “زيتا” و”ربلة” و”حويك”، التي يقطنها لبنانيون.
وأوضح ريحان أنه في منطقة الهرمل تسكن العائلات بالقرب من بعضها بعضاً، حيث نجد آل “جعفر” و”زعيتر” في المنطقة اللبنانية، وفي الجهة المقابلة داخل سوريا، مما يجعل التواصل والتبادل بين الجانبين أمراً طبيعياً. ولذلك ظل اعتمادهم على التهريب قائماً، سواء في زمن النظام أو بعده، كما أنهم واجهوا مشكلات مع النظام بسبب عمليات التهريب في السابق. وتابع أن المشكلات مع سوريا اليوم ترتبط بمسألة التهريب، بخاصة بعد التغيرات التي طرأت على الإدارة في سوريا. فالنظام السوري برئاسة بشار الأسد أصبح محط أنظار الدول والمجتمع العربي، ومن بين المطالب المطروحة إغلاق معابر التهريب بين لبنان وسوريا قدر الإمكان، كما حصل سابقاً من ناحية “معربون” التي تقع في البقاع الشرقي، بخلاف ما يحدث اليوم في منطقة الهرمل.
وتعد قرية “معربون” نقطة عبور نحو بلدة “بريتال”، ومن هناك تمتد الطرقات إلى الجرود المحيطة، مثل جرد بريتال والنبي شيت، ومنها نحو سرغايا والمناطق المجاورة. أما اليوم فإن هذه المناطق تقع ضمن ريف القصير وريف حمص، وهي تشهد نشاطاً تهريبياً مستمراً، لذلك من الضروري إعادة التفكير في هذه الطرقات وضبطها، بخاصة أن العائلات اللبنانية في هذه المناطق تعتمد بصورة أساس على التهريب كمصدر رزق، سواء في المحروقات أو المواد الغذائية وغيرها من السلع.
وأضاف ريحان أن طبيعة المنطقة تجعلها بؤرة للمهربين، حيث يقطن فيها بعض الشيعة، مقابل فصائل من هيئة “تحرير الشام” السنية، وأنه في ظل النظام العلوي السابق في سوريا كان هناك تسامح نسبي تجاه الطائفة الشيعية. أما اليوم ومع سيطرة النظام السني فقد تغير الوضع، مما أدى إلى تضييق الخناق على سكان تلك القرى الذين كانوا سابقاً يقاتلون في صفوف نظام الأسد أو يعملون معه.
وفي ما يخص صمت الدولة اللبنانية تجاه ما يحدث على الحدود قال “على ما يبدو أن الدولة اللبنانية لا تزال تتبع سياسة (النأي بالنفس) تجاه التطورات في سوريا، بخاصة في ظل عدم وجود قنوات تواصل فعالة على مستوى عالٍ مع القيادة السورية الجديدة”. وتابع قائلاً إن الهدف من ذلك هو قطع شريان التهريب الخاص بالحزب، وهو مطلب غربي – عربي مدعوم من المجتمع الدولي الذي يراقب الوضع في سوريا ويضع هذه القضية ضمن مجموعة من الأمور المطلوبة.
من فرنسا إلى سوريا
وتتداخل الحدود بين لبنان وسوريا بسبب غياب الترسيم بين البلدين بتداخل جغرافي وسكاني عميق، بخاصة في منطقة القصير وريف حمص الغربي. وتعود هذه الظاهرة إلى عوامل تاريخية واجتماعية واقتصادية، حيث توجد قرى مثل حاويك وزيتا وجوسية والسماقيات وفكة والدمينة الغربية وقارة والقصير التي يقطنها لبنانيون على رغم أنها تقع رسمياً داخل الأراضي السورية.
ويرجع هذا التداخل إلى عوامل عدة منها عدم ترسيم دقيق للحدود خلال فترة الاستعمار الفرنسي (1920-1943)، إذ تعاملت فرنسا مع لبنان وسوريا كوحدتين إداريتين منفصلتين دون تحديد دقيق للحدود بينهما على رغم صدور القرار الدولي 1680 الذي يشدد على ضرورة توضيح النقاط الحدودية، إضافة إلى العلاقات العائلية والقبلية التي ربطت العشائر والعائلات في سهل البقاع اللبناني وريف حمص السوري، مما أدى إلى امتلاك لبنانيين أراضي ومزارع داخل الأراضي السورية والهجرة الموسمية، إذ كان اللبنانيون ينتقلون للعمل في الأراضي الزراعية داخل سوريا، بخاصة أن مناطق القصير وريف حمص كانت تشتهر بزراعة القمح والتبغ والفاكهة.
وخلال الانتداب الفرنسي تم تعديل الحدود بين لبنان وسوريا وفق المصالح السياسية والاقتصادية، وتم ضم بعض المناطق إلى سوريا على رغم ارتباطها الوثيق بلبنان. وتعود الأسباب إلى القرار الإداري الفرنسي، فعلى رغم أن بعض المناطق كان يسكنها لبنانيون، فإن فرنسا ألحقتها إدارياً بسوريا بسبب اعتبارات جغرافية وعسكرية، وكذلك تقسيم الموارد الزراعية والمياه، حيث تعد بعض المناطق مثل القصير وحاويك وزيتا غنية بالموارد الزراعية والمياه، لذا فضلت فرنسا إبقاءها ضمن سوريا لضمان التحكم في الري والممرات التجارية، إضافةً إلى الأهمية الاستراتيجية، إذ تعد القصير ومحيطها منطقة مهمة عسكرياً، بخاصة أنها قريبة من طريق حمص – دمشق الرئيس، مما جعل فرنسا تفضل بقاء هذه القرى تحت السيطرة السورية لأسباب أمنية.
واقع جديد
وخلال الحرب السورية لعبت هذه القرى دوراً كبيراً في النزاع، بخاصة مع دخول “حزب الله” إلى المنطقة عام 2013 خلال معركة القصير، مما أدى إلى تهجير قسم من سكانها أو فرض واقع أمني جديد، حيث عزز “حزب الله” وجوده هناك، وحول منطقة القصير إلى نقطة ارتكاز استراتيجية له تستخدم كمعبر لنقل السلاح والمقاتلين بين لبنان وسوريا.
وفي السياق يوضح العميد المتقاعد سعيد القزح أن هناك تداخلاً كبيراً بين القرى السورية واللبنانية على الحدود، حيث يعيش عديد من اللبنانيين في القرى السورية، كما يوجد قرى لبنانية داخل الأراضي السورية ولا يمكن الوصول إليها إلا عبر الطرقات السورية. واعتبر القزح أن المشكلة القائمة منذ سقوط نظام الأسد ليست بالدرجة الأولى سياسية، بل ترتبط بصورة أساس بعصابات التهريب التي تعمل في المنطقة. وأكد أن العشائر في تلك المناطق تتبع قوانين خاصة بهم، ولا يهتمون كثيراً بالتنظيمات السياسية، بل تتركز أعمالهم على التهريب والأنشطة غير الشرعية. وأضاف أن هذه الأنشطة بدأت منذ تأسيس الدولة اللبنانية في عام 1920، واستمرت عبر الأجيال في تهريب الممنوعات والأنشطة غير القانونية التي باتت جزءاً من الواقع اليومي على الحدود.
وأوضح القزح أنه نتيجة لترسيم الحدود بين لبنان وسوريا بعد الحرب العالمية الأولى ظهرت هذه القرى المشتركة على الحدود بين البلدين. وأضاف أن هذه القرى نشأت بسبب التقسيمات التي تم إقرارها في تلك الفترة، مما أدى إلى تداخل سكاني وجغرافي بين الأراضي اللبنانية والسورية، حيث أصبح من الصعب تحديد الفوارق بين عديد من المناطق بسبب قربها من بعضها البعض وطبيعة الحدود المتشابكة. ونتيجة لهذا التداخل تطورت علاقات بين سكان هذه القرى من الجانبين، مما سهل انسياب الأنشطة الاقتصادية والاجتماعية، بما في ذلك التهريب.
أبرز هذه القرى:
حوش السيد علي: تقع في محافظة حمص، ويقدر عدد سكانها بـ500 نسمة، ويحمل جميع سكانها الجنسية اللبنانية.
زيتا: تقع في محافظة حمص، ويقدر عدد سكانها بـ1500 نسمة، ويحمل معظم سكانها الجنسية اللبنانية.
مطربة: تقع في محافظة حمص، ويقدر عدد سكانها بـ800 نسمة، ويحمل معظم سكانها الجنسية اللبنانية.
حاويك: تقع في محافظة حمص، ويقدر عدد سكانها بـ1200 نسمة، ويحمل معظم سكانها الجنسية اللبنانية.
السماقيات: تقع في محافظة حمص، ويقدر عدد سكانها بـ700 نسمة، ويحمل معظم سكانها الجنسية اللبنانية.
المصرية: تقع في محافظة حمص، ويقدر عدد سكانها بـ900 نسمة، ويحمل معظم سكانها الجنسية اللبنانية.
الجنطلية: تقع في محافظة حمص، ويقدر عدد سكانها بـ600 نسمة، ويحمل معظم سكانها الجنسية اللبنانية.
الحمام: تقع في محافظة حمص، ويقدر عدد سكانها بـ1000 نسمة، ويحمل معظم سكانها الجنسية اللبنانية.
الديابية: تقع في محافظة حمص، ويقدر عدد سكانها بـ500 نسمة، ويحمل معظم سكانها الجنسية اللبنانية.
بلوزة: تقع في محافظة حمص، ويقدر عدد سكانها بـ800 نسمة، ويحمل معظم سكانها الجنسية اللبنانية.
النزارية: تقع في محافظة حمص، ويقدر عدد سكانها بـ900 نسمة، ويحمل معظم سكانها الجنسية اللبنانية.
ربلة: تقع في محافظة حمص، ويقدر عدد سكانها بـ1100 نسمة، ويحمل معظم سكانها الجنسية اللبنانية.
جزء من العقربية: تقع في محافظة حمص، ويقدر عدد سكانها بـ400 نسمة، ويحمل معظم سكانها الجنسية اللبنانية.
ويقدر العدد الإجمال لسكان هذه القرى بنحو 10,000 نسمة.
أسباب وجود قرى لبنانية داخل الأراضي السورية:
– ترسيم الحدود: لم يكن ترسيم الحدود بين لبنان وسوريا دقيقاً في بعض المناطق، مما أدى إلى وجود قرى لبنانية داخل الأراضي السورية.
– العلاقات الاجتماعية: تربط سكان هذه القرى علاقات اجتماعية قوية مع سكان القرى اللبنانية المجاورة، مما جعلهم يفضلون البقاء في قراهم على رغم وقوعها داخل الأراضي السورية.
– الأراضي الزراعية: يمتلك سكان هذه القرى أراضي زراعية داخل الأراضي السورية، مما يجعل من الصعب عليهم الانتقال إلى لبنان.
نقلاً عن : اندبندنت عربية