ينتظر الستيني سالم ولد عبدالله بفارغ الصبر بيع سبعة قبور جهزها بنفسه منذ شهر، في مقبرة العاصمة التي تستقبل يومياً العشرات من الوفيات.

ويقوم سالم باعتماد سياسة تسويقية خاصة لعمله في محله المطل على البوابة الفرعية لأكبر مقبرة في العاصمة الموريتانية نواكشوط، وذلك بالترويج من خلال استغلال وجود شاهد قبر مكتوب عليه اسم شخصية وطنية موريتانية معروفة دفنت قبل أعوام والترويج للمقابر الجديدة.

وعلى رغم أن نواكشوط انقسمت إدارياً في آخر تقسيم إداري رسمي إلى ثلاث محافظات في مدينة واحدة، لكن سجلات حالتها المدنية تحتفظ بأكبر معدل للوفيات في عواصم محافظات موريتانيا البالغة 13 محافظة.

حفارو قبور العاصمة

يزاول سالم مهنة حفر القبور التي ورثها عن والده المدفون في الحيز نفسه الذي يمارس فيه نشاطه داخل مقبرة الرياض بمحافظة نواكشوط الجنوبية.

 

ويقول سالم وهو يستند على آلة حفر يدوية تحت ظلال شجرة وارفة في المقبرة إن “معايير الناس في اختيار أماكن دفن أحبتهم تختلف، فبعضهم يريد عنواناً واضحاً ليسهل عليه الاهتداء إلى قبر عزيزه، وبعضهم الآخر لا يبالي”.

ويتابع، “ننتهز فرصة وجود قبور جاهزة قرب مدافن تحمل علامات استدلال واضحة، ونشيد فوقه سياج حديد ملون أو نصبغ شاهد القبر بلون مميز حتى نبيعه لأول زبون مفجوع في رحيل قريب ومستعد لدفع أضعاف سعر القبر العادي”.

احتكار

وعلى مدى أكثر من ربع قرن اكتشف سالم فكرة الاستثمار في الموت، فهنا وعلى مد البصر في مقبرة نواكشوط المركزية يتذكر كل قبر أعده باليوم والساعة، كما يتذكر كثيراً من تفاصيل صفقات أبرمها بالتراضي مع ذوي الفقيد من خلال كلماته، ومنها “هذا المكان شاهر” أو “يمكن الوصول إلى هنا بسهولة” أو “المكان مناسب فهو قرب قبر الشخصية الفلانية الشهيرة”، مضيفاً “أعتقد أنه لا أحد يمكنه التدخل، فالأحياء يأتون هنا وهم يريدون دفن ميتهم سريعاً، أما الأموات فلا حديث لهم ولا ضرر منهم”.

 

سالم حفار قبور لكن الصفة بالنسبة إليه لا تحمل شحنة سلبية فهو يعتز بعمله ويحبه، ويعترف بخصوصية وتفرد مهنته لأنها مرتبطة في أذهان بعضهم بالفناء، ويرد على ما يسميه بعضهم مضاربات بقوله إن “كثيراً من الأهالي لا يساومون في دفع أي مبالغ أو إكراميات في لحظات الحزن ووداع الفقيد، وفي الغالب الأعم يدفعون بسخاء، ونحن في المقابل نختار لميتهم مكاناً مناسباً ونصباً مشهراً”.

مضاربات

أحد المسؤولين في المستشفى الوطني بالعاصمة نواكشوط، أكبر مستشفيات البلاد، والذي يعطي وثيقة لذوي الميت تمكنهم من استكمال إجراءات الدفن، دفع بالمسؤولية إلى الأهالي وأكد أن إجراءات الدفن لا تترتب عليها ضرورة دفع مبالغ كبيرة تصل أحياناً إلى 100 دولار، وقد تزيد عند الوصول إلى المقبرة لدفنه.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

أضاف المسؤول الذي لديه علم بإجراءات “بيت الرحمة”، وهي تسمية تطلق على المصلحة الإدارية المعنية بإعطاء وثيقة الدفن، أن “الحال النفسية لأهالي الميت هي من تضعهم عرضة للتحايل من قبل حفاري قبور العاصمة الذين يخضعونهم للاحتكار والابتزاز”.

وتابع المصدر الذي حجب صفته لدواعٍ إدارية، “من إعداد مكان والدفع للحفار تكمن تفاصيل المضاربات في أسعار مقابر نواكشوط، وكذلك يلعب وقت دفن الميت عاملاً أساساً في عملية التحايل”.

قبور خمسة نجوم

وفي وسط العاصمة تقع مقبرة لكصر، وهي أقدم مقبرة في العاصمة نواكشوط تأسست في مارس (آذار) 1957، ومنذ ذلك التاريخ اُعتمدت كمقبرة لسكان العاصمة القادمين من مختلف مدن الجمهورية التي نالت استقلالها عن فرنسا عام 1960. 

 

ويقول محفوظ ازيد بيه، وهو مهتم بتاريخ نواكشوط الاجتماعي، إن ” مقبرة لكصر تضم قبور شخصيات موريتانية من جيل تأسيس الدولة، كما أنها تعتبر مكاناً مفضلاً للدفن في اختيارات كثير من الأسر العريقة في المدينة التي ترى فيها خصائص مهمة، مثل القرب من وسط المدينة وسهولة زيارة الأحبة والأصدقاء الراحلين، وكذلك يُسر التعرف إلى شواهد القبور وتنظيمها النسبي، مقارنة بمقبرة الرياض جنوب العاصمة”.

 

ومع كل حادثة وفاة لشخصية معروفة يقفز الجدل الموريتاني التقليدي في مثل هذه الحال، فكيف يمكن أن يحصل ذوو المتوفى على قبر في لكصر التي سبق أن أغلقت فيه وجوه الأهالي منذ أعوام بحجة اكتمال العدد. 

ويرى الصحافي الموريتاني محمد الدده أن “للقضية علاقة بحركية الرمال وتأثير الرياح في مناخ العاصمة، لأن معظم القبور الجديدة حفرت على أنقاض لحود قديمة”، مضيفاً “سبق أن طالبت منظمات أهلية السلطات الموريتانية بالتفكير في حل جذري لملف المقابر”.

من جهته دعا عبداللطيف ولد سيدي صالح، وهو أحد زوار مقبرة الرياض، الدولة إلى “فرض احترام الميت والاعتناء بأضرحة الموريتانيين الذين تعاني معظم مقابرهم الإهمال، بسبب غياب أسوار تمنع حركة الدواب والمواشي والكلاب الضالة من العبث بقبورهم”.

نقلاً عن : اندبندنت عربية