كسر هدوء مبنى الإذاعة والتلفزيون السوري المطل على ساحة الأمويين فجر الثامن من ديسمبر (كانون الأول) ضجيج اقتحام قوات الثورة السورية، حين دخلت غرفة “عمليات فتح دمشق” أستديو الأخبار، وأذاعت البيان رقم (1)، وظهر خلال بثه تسعة شبان أعلنوا سقوط بشار الأسد وتحرير السجون والمعتقلات.
وبعد أقل من شهرين على سقوط الأسد، تسمر السوريون مجدداً أمام شاشات التلفزة لمتابعة كلمة القائد العام لإدارة العمليات العسكرية أحمد الشرع الذي أطل بخطاب، كرئيس لمرحلة انتقالية بعد فراغ دستوري بعد سقوط النظام، وحل مؤسساته الدستورية والتشريعية، وأعلن أول رئيس بعد انتهاء حقبة حكم عائلة الأسد.
حفلة النصر
المتحدث باسم قيادة العمليات العسكرية السورية حسن عبدالغني أعلن، في حفلة النصر التي ضمت شخصيات عسكرية من الفصائل الثورية، تعيين أحمد الشرع رئيساً للدولة خلال الفترة الانتقالية، والرئيس الانتقالي الجديد سيتولى مهمات رئيس الجمهورية العربية السورية، ويمثل البلاد في المحافل الدولية، وتضمن إعلان عبدالغني أن “الرئيس مخول بتشكيل مجلس تشريعي موقت للمرحلة الانتقالية، يتولى مهماته لحين وضع دستور دائم ودخوله حيز التنفيذ”.
تعليق الدستور
كما أعلنت قيادة الثورة قرارات عدة منها تعليق الدستور، وحل كل من جيش النظام السابق والبرلمان و”حزب البعث” وأحزاب “الجبهة الوطنية التقدمية”، وما يتبع لها من مؤسسات ولجان، ويحظر تشكيلها تحت أي اسم آخر. وأيضاً حل الأجهزة الأمنية التابعة للنظام بفروعها وتسمياتها، وتشكيل مؤسسة أمنية جديدة تحفظ أمن المواطنين، كما تحل جميع الفصائل الثورية وتدمج بالدولة، واعتبر إعلان النصر الثامن من ديسمبر من كل عام يوماً وطنياً.
الخطاب الذي انتظره السوريون بفارغ الصبر يعد أول خطاب موجه للشعب السوري بصورة مباشرة على تطبيق “تيليغرام”، مما أثار استغرابهم عدم بثه مباشرة على الأقنية التلفزيونية، كما لوحظ الحضور العسكري البحت عدا شخصيات سياسية بالحكومة، ولوحظت أيضاً أمكنة فارغة خلال هذا الحدث فسرها مراقبون أنها قد تكون دعوات لشخصيات لم تحضر، وهذا ما يفسر أيضاً عدم حضور وفد من “قوات سوريا الديمقراطية” من الشمال والشمال الشرقي.
ملء الفراغ
وفسر الباحث في القانون الدولي فراس الحاج يحيى أن ما جرى “هو عملية ملء الفراغ الدستوري في سوريا منذ هرب بشار الأسد، وبالتالي هذا الإعلان أطلق الحياة الدستورية في سوريا، وعملية التنصيب تمت من جانب الفصائل العسكرية التي انتصرت في المعركة، وهي بمثابة مجلس عسكري موسع اختار شخصاً، ونصبه لقيادة المرحلة الانتقالية في سوريا ضمن عملية يمكن تسميتها بالشرعية الثورية المكتسبة من السيد الشرع والفصائل الأخرى”.
أضاف الباحث في القانون الدولي “عملية تنصيب الشرع كرئيس انتقالي لسوريا كان لها ثلاثة سيناريوهات، الأول ما شهدناه من جانب المجلس العسكري الثوري الموسع إن صحت التسمية، الثاني حضور شخصيات سياسية ومجتمعية ودينية وقانونية، والثالث حضور دولي، لكن تم اللجوء للسيناريو الأول تجنباً لأي انتقاد حول السيناريو الثاني قد يحصل من الشخصيات نفسها، وربما القوى التي قد لا تتم دعوتها، والثالث تم استبعاده خشية ألا يكون التمثيل السياسي على مستوى رفيع نتيجة الخوف من خروق أمنية قد تؤثر في سلامة الضيوف، وأيضاً الخشية ألا يكون الحضور على مستوى الحدث”.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
انتهاكات وممارسات
في المقابل انتقد متابعون عدم إعلان الفترة الانتقالية وتحديدها بصورة صريحة وواضحة، مع خلو الخطاب مما يحدث في سوريا من انتهاكات وممارسات وصفتها الإدارة العامة بـ”الفردية”، وتوعدت المسلحين بالمحاسبة من دون أي ظهور علني لمجريات التحقيق حول أحداث حصلت في الساحل السوري وريف حمص، علاوة على ملاحظة أن الخطاب جاء بصورة عاجلة وغير محضر لها بالشكل الصحيح، وسبق وصول أول وفد رئاسي عربي، تمثل بزيارة أمير قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني العاصمة دمشق في الـ30 من ديسمبر الجاري.
ويمكن اعتبار الخطاب الأول لرئيس سوريا الانتقالي أنه أقرب إلى البيان رقم واحد الذي لم يلقه الشرع منذ وصوله إلى القصر الرئاسي، واقتصرت إطلالاته على استقبال الوفود العربية والأجنبية والمنظمات الدولية.
الجانب القانوني
وفسر الباحث القانوني الحاج يحيى الجانب القانوني للتنصيب قائلاً “القوانين والدساتير وضعت لتنظم العملية التشريعية في أوقات الاستقرار، وهي في حالة الثورات والنصر العسكري، كما حال سوريا، يمكن اللجوء للعرف القانوني والدستوري والقياس على السوابق التي حصلت في سياق مشابه، على سبيل المثال في فترة الانقلابات العسكرية في سوريا، منتصف القرن الماضي، كان يحصل كما حصل أخيراً لناحية الإجراءات والتدابير الدستورية الطارئة لسد الفراغ الدستوري”، وتابع الحاج يحيى “باختصار الخطوة التالية بعد تنصيب الرئيس الانتقالي هي تشكيل مجلس تشريعي، وتعزيز السلطات التنفيذية والقضائية مع العمل بصورة متوازية، على إعداد دستور دائم للبلاد لضمان الانتقال إلى مرحلة دستورية مستقرة”.
نقلاً عن : اندبندنت عربية