يبدو أن نهب الأموال في الجزائر يأبى التوقف، وبقدر تضييق السلطات الخناق، سواء بفرض المراقبة أو سن القوانين، فإن الإفلات من العقاب مستمر في ظل التواطؤ، ويبقى البحث عن الثغرات وطرق للاحتيال أحد أهم انشغالات “الفاسدين”، مما يعانيه قطاع التأمين في البلاد.

تحايل وخسائر

تأتي إماطة اللثام عن عملية اختلاس منظمة داخل إحدى أكبر شركات التأمين في الجزائر، إذ تمتك الدولة 51 في المئة من أسهمها لتكشف عن حجم الفساد الذي يضرب مختلف القطاعات والمجالات، ويتسبب في خسائر ضخمة للاقتصاد، إذ ذكر ملف تحقيقات الفرقة الاقتصادية والمالية أن الأمر يتعلق بنشاط شبكة منظمة تقوم بعمليات مشبوهة من أجل الحصول على تعويضات تأمينية لا تقل عن 50 مليون سنتيم جزائري (ما يعادل 3800 دولار)، عبر تقديم وثائق رسمية ومصرفية مزورة وخبرات تقنية غير حقيقية.

وأشار الملف إلى أن الممثل القانوني لشركة التأمين المعنية هو من حرك القضية بعد تقدمه بشكوى تتضمن وجود تجاوزات وخروقات وعمليات مشبوهة في عمليات التأمين لحوادث مزيفة بتواطؤ من موظفين لدى ذات الشركة وأشخاص آخرين، مما تسبب في خسائر تفوق 85 مليارات سنتيم (نحو 600 ألف دولار) في فترة 4 سنوات.

ولا تعد هذه المرة الأولى التي يتم الكشف عن تعرض وكالة تأمين للنهب والاختلاس المنظم، إذ سبق أن تحركت وكالة “ألفا” الحكومية المتخصصة في مكافحة الغش التأميني، بعد فحص ملف محال من شركة تأمين يطالب صاحبه بتعويض قدره 9 مليارات سنتيم (نحو 70 ألف دولار)، غير أن التحقيق أظهر تلاعبات صاحب السيارة الذي استعار لوحة ترقيم مركبة صديقه المشابهة، وقام بتزوير وثائق وتزييف حقائق.

طلبات تعويض مزورة

يقول المتخصص في الشأن الاقتصادي علي حاجي إلى “اندبندنت عربية”، إن التزوير والاحتيال يطبعان نحو 22 في المئة من طلبات التعويض المقدمة لدى وكالات التأمين، مشيراً إلى أن الظاهرة ليست وليدة اليوم، بل تمتد لسنوات طويلة، لكنها باتت منتشرة بكثرة خلال السنوات الأخيرة بسبب التواطؤ المسجل داخل الوكالات. وأضاف أن قطاع التأمينات بقدر ما يدر أرباحاً طائلة فإنه معرض لخسائر فادحة جراء الاحتيال المسجل، لذا أصبح من الضروري سد الثغرات التي يتسلل منها “الفاسدون” مع تشديد الإجراءات التنظيمية، وأيضاً العقابية.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

ويتابع حاجي أن الجهات المكلفة محاربة الغش تمكنت من كشف أكثر من 800 تصريح كاذب منذ سنتين، مما سمح باستعادة أموال ضخمة لمصلحة وكالات التأمين المتضررة، مشدداً على أن ظاهرة الحوادث الوهمية لا تتعلق بفئة السيارات، بل تتعداها إلى الحرائق والسرقات وغيرها مثل حرق متعمد لمصانع مفلسة بغية الحصول على تعويضات، أو تضخيم قيمة العتاد الموجود في المصنع المحروق، وحوادث أخرى ترتبط بحرق السلع الكاسدة في المخازن للاستفادة من التعويضات. وأبرز أن طرق التحايل باتت محصورة في التصريح الكاذب، أو تغيير عقد التأمين، غير أن المتفق عليه يبقى التواطؤ بعض الموظفين، لا سيما المتخصص الذي توفده شركة التأمين، مشيراً إلى أن رقمنة القطاع باتت أكثر من ضرورية من أجل تجاوز كل الاختلالات والثغرات، فالتأخر في التعامل الرقمي فتح المجال أمام الفاسدين للنهب والاختلاس والاحتيال.

سجن وغرامات وتلاعب

وينص القانون الجزائري على أن “كل من تحصل بغير حق على وثائق أو شرع في الحصول عليها، سواء للإدلاء بإقرارات كاذبة أو انتحال اسم كاذب أو صفة كاذبة، أو بتقديم معلومات أو شهادات أو إقرارات كاذبة يعاقب بالحبس من 3 أشهر إلى 3 سنوات، وبغرامة مالية بين 20 ألف دينار جزائري (نحو 155 دولاراً) إلى 100 ألف دينار (ما يعادل 770 دولاراً).

ولا تزال تصريحات سابقة لعضو الهيئة المسيرة لجمعية شركات التأمين حسان خليفاتي شاهدة على الوضع الذي يعانيه القطاع مع الاختلاس والنهب، إذ أوضح أن تحقيقات شملت نحو 45 قضية تتعلق بسيارات فاخرة تزيد قيمتها على 9 ملايين سنتيم (نحو 70 ألف دولار) قام أصحابها بتزوير عقد التأمين، وكشفت عن تواطؤ بين وكيل التأمين والمؤمن، كما تبقى الـ30 قضية المعروضة على العدالة وتخص حرائق المحاصيل الفلاحية ونفوق الحيوانات عالقة في الأذهان بسبب ما شابها من افتعال للحوادث وتزوير في الوثائق وتضخيم في الخسائر.

الرقمنة ضرورية

أمام الوضع “المتذبذب” الذي وصل إليه قطاع التأمينات، ومن أجل رفع مستوى خدماته وتحصينه من كل محاولات التحايل والنهب، أعلن الاتحاد الجزائري لشركات التأمين وإعادة التأمين الأسبوع الماضي عزمه رقمنة شهادة تأمين السيارات مما يعزز الكفاءة والشفافية.

وأوضح الاتحاد وفق ما ذكرت وكالة الأنباء الجزائرية، أن لجنة متخصصة تعكف حالياً على تطوير مشروع شهادة التأمين الرقمية، الذي وصل إلى مرحلة التجارب، مضيفاً أنه بعد الانتهاء من هذه المرحلة سيتم عرضه على الجهات الوصية لوضعه حيز التنفيذ. وأشار إلى أن هذا المشروع يعد تحولاً نوعياً في مسار تحديث قطاع التأمين بالجزائر، لا سيما أنه يسهل المعاملات للزبائن ويقلل استهلاك الورق، كما يتيح التحقق الفوري من صحة التأمين عبر قواعد بيانات متصلة بين مختلف شركات التأمين، إلى جانب تعزيز الشفافية والحد من عمليات التزوير التي قد تمسها.

وعلى رغم الجهود المبذولة مثل المنصة الرقمية لمعالجة الملفات المتعلقة بتعويضات التأمين ما بين مختلف شركات التأمين، وكذا متابعة عقود التأمين ودفع أقساط التأمين وطلبات التعويض، فإن الاتحاد يرى في تحسين مستوى التكوين والتأهيل للعاملين في سوق التأمين خطوة إجبارية لتعزيز أداء القطاع وإتمام عملية العصرنة والتحول الرقمي، كما يشدد على ضرورة إعادة النظر في القوانين التي لم يتم تحديثها منذ أكثر من 10 سنوات قصد مواكبة التحولات الاقتصادية والمالية.

نقلاً عن : اندبندنت عربية