يعد قطاع العقار البريطاني من أكثر الأصول التي يحتفظ فيها الأثرياء بثرواتهم، وفي الوقت ذاته يعد من أفضل السبل لعمليات تبييض الأموال لمن يحصلون على الثروات بطرق مشكوك فيها، ومما يسهل ضخ أموال طائلة في القطاع أن بريطانيا معروفة تقليدياً بتسهيل دخول الأموال إليها، ولديها خبرات قانونية ومحاسبية راسخة في هذا السياق.
وتشهد بريطانيا حملة تصريحات وتقارير إعلامية عن الأموال المشكوك في مصادرها وتنساب إلى القطاع العقاري البريطاني، لكن ذلك لم يوقف أبداً المليارات التي يعتمد عليها القطاع في النمو، خصوصاً عندما يتراجع الطلب المحلي من الأسر البريطانية نتيجة ارتفاع الأسعار وزيادة كلفة الاقتراض بسبب ارتفاع أسعار الفائدة.
وتتركز معظم صفقات العقارات التي تحوز على مليارات من الخارج في العاصمة لندن وبعض ضواحيها الغنية التي بها بيوت وضياع غالية الثمن، إلا أن بعض المدن البريطانية الأخرى تنال قسطاً من تلك الأموال.
ونشرت صحيفة “فايننشال تايمز” تقريراً أمس الخميس عن دراسة لمنظمة الشفافية الدولية في بريطانيا خلاصته أنه منذ عام 2016 ضُخت 6 مليارات جنيه إسترليني (7.6 مليار دولار) من شركات مسجلة في مناطق ملاذات ضريبية بريطانية “أوفشور” في القطاع العقاري لشراء بيوت ومباني معظمها في لندن.
مصادر مشبوهة
وبحسب الدراسة فإن الملاذ الضريبي البريطاني جزيرة “فيرغين أيلاندز” كانت مصدر لنحو 90 في المئة من تلك الأموال التي دخلت القطاع العقاري خلال الأعوام الثمانية الأخيرة، وبلغت تلك الأموال 5.5 مليار جنيه إسترليني (سبعة مليارات دولار) تم شراء 475 عقاراً بها معظمها في لندن.
وكل عقار شملته الدراسة مملوك لشخص إما مكشوف سياسياً من منطقة معروفة بأنها عالية الأخطار فساداً أو تخضع لعقوبات بريطانية بعد الشراء، أو اتهم أو دين بجرائم مالية أو يشتبه في قيامه بها.
وجمعت البيانات التي حللتها الدراسة من وثائق المحاكم وهيئة التسجيل العقاري وبيانات الشركات إضافة إلى مصادر أخرى.
وقدرت منظمة الشفافية الدولية في بريطانيا أنه بإضافة الأموال المنسابة من الملاذات الضريبية البريطانية “أوفشور” يكون إجمال حجم الاستثمارات من مصادر مشبوهة في القطاع العقاري البريطاني منذ عام 2016 وصل إلى 11.1 مليار جنيه إسترليني (14 مليار دولار).
من جهتها تقول مديرة السياسات في المنظمة “مارغوت مولات” إن الدراسة تبرز “دور مناطق الملاذات الآمنة في العمل كمستودع للثروات غير الشرعية والمشكوك في مصدرها”.
وأضافت أنه لدى بريطانيا أكثر من منطقة تعتبر ملاذاً ضريبياً أبرزها جزر فيرجين وكإيمان وبرمودا، موضحة أن “السرية المصرفية التي توفرها هذه المناطق جعلت منها وجهة مفضلة لأصحاب الثروات غير الشرعية الذين يريدون إخفاء جرائم الفساد أو غيرها، ويتمتعون بما يحصلون عليه من تلك الجرائم من أموال”.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
إلى ذلك تقسم الدراسة العقارات المشتراة بأموال مشكوك في مصدرها بين أحياء العاصمة لندن ومناطق أخرى، لكن النصيب الأكبر من تلك العقارات في وسط العاصمة وتحديداً في حي “سيتي أوف لندن” وكذلك حي “ستمنستر”،
واشتري 224 عقاراً في تلك المنطقة خلال الأعوام الثمانية الأخيرة بـ3.61 مليار جنيه إسترليني (4.6 مليار دولار)، تليها منطقتي “كينزنغتون” و”بايزووتر”، حيث اُشتري 83 عقاراً في تلك الفترة بـ1.1 مليار جنيه إسترليني (1.4 مليار دولار).
ويشار إلى أن عضو البرلمان عن تلك المنطقة جو بأول الذي انتخب في يوليو (تموز) الماضي، يتزعم مجموعة من نواب البرلمان وجهت رسالة إلى وزير الخارجية، تحثه على اتخاذ الإجراءات الكفيلة بوقف نزف التهرب الضريبي عبر الملاذات الضريبية تلك.
وطالبت الرسالة وزير الخارجية ديفيد لامي بالضغط لتشريع وضع سجلات عامة في تلك المناطق التي تخضع في النهاية للسيادة البريطانية، توضح الملاك والمنتفعين للشركات والأعمال المسجلة فيها.
نشر السجلات
ويرى النواب أن نشر تلك السجلات وجعلها متاحة بصورة عامة سيسهل على سلطات المراقبة والتدقيق معرفة من المالك الأصلي لأية شركة مسجلة هناك، مما يساعد في كشف التهرب الضريبي والجرائم المالية.
ويترأس النائب باول أيضاً المجموعة البرلمانية لمكافحة الفساد والمسؤولية الضريبية، ونقلت عنه الصحيفة قوله إن “الأموال المشبوهة والقذرة التي تصب في عقارات لندن تزيد حدة أزمة السكن وتستنزف الأحياء وتضر بالديمقراطية بصورة عامة”.
أضاف أن بريطانيا في حاجة إلى شفافية تامة في شأن العقارات التي تملكها صناديق أو شركات وسجلات عامة للشركات في مناطق الـ”أوفشور”، قائلاً “نحتاج إلى تسريع السلطات المعنية لتحقيقاتها في هذا الشأن”.
ونقلت الصحيفة عن متحدث باسم جزر فيرجين يزعم أنها ملتزمة بمكافحة غسل الأموال والتهرب الضريبي، وأن سلطات الجزيرة تتعاون مع الحكومة البريطانية في هذا السياق.
وبدأت بعض مناطق الـ”أوفشور” البريطانية في وضع سجلات عامة بالفعل، مثل مونتيسارت، إلا أن جزيرتي فيرجين وكإيمان أجلتا تلك الخطوة حالياً.
نقلاً عن : اندبندنت عربية