إلى جانب أن الساعات أكسسوار فاخر يكمل عناصر الجاذبية والأناقة، فهي ترمز أيضاً للسلعة الأهم في حياة البشر، فاستثمار الوقت بحكمة عادة ما يجنب الأفراد المصاعب ويضمن لهم حياة ناجحة، كما أن الدقائق والثواني تكتسب أبعاداً أخرى بالنسبة إلى العاملين في الحقل السياسي.
ولهذا، كان للساعات حضور خاص في معاصم رموز الحكم في البلدان المختلفة، وأدركت المؤسسات التجارية الكبرى العاملة في مجالات الأكسسوارات الفخمة هذا الأمر ووجهت أنظارها ناحية هذه الفئة بإصدارات حصرية وأخرى محدودة للغاية، حتى إن هناك بعض النسخ والتصميمات التابعة لدور الساعات والمجوهرات الشهيرة عرفت بأنها خاصة بالرؤساء والملوك.
تأطير الوقت بخطوط مذهبة وفولاذية وجلدية بسيطة أو فاخرة، تفاصيل عمل عليها مصممو الساعات داخل كبرى العلامات التجارية في هذا المجال، وفي حين تبدو “رولكس” السويسرية الأكثر تفصيلاً وانتشاراً في أيدي الزعماء، فإن آخرين حرصوا على دعم الصناعة الوطنية وأصروا على استعراض جودتها وكفاءتها، ولم يرتدوا سوى ساعات تحمل ختم بلدانهم.
كذلك، هناك من ارتبط ظهورهم بموديل معين قيمته المالية لا تتجاوز بضع مئات من الدولارات، بينما آخرون حرصوا على التباهي بالبذخ وقدرتهم على اقتناء ساعات ثمينة للغاية ومطعمة بأحجار كريمة تصل أسعار بعضها إلى مئات الآلاف من الدولارات، فأداة معرفة الوقت تبدو أيضاً وسيلة لإعطاء لمحات عن صفات مقتنيها من مشاهير السياسة.
من المعروف أن أبرز من أتقنوا صناعة الساعات هم السويسريون، في حين أن العالم عرف الساعات الصغيرة نسبياً خلال القرن الـ16 على يد الألماني بيتر هينلاين. وكانت الساعات الشخصية توضع في الجيب نظراً إلى ثقل وزنها، ومع الوقت ظهرت أنماط أصغر حجماً. ولاحقاً أصبحت المنافسة تتركز في تزيينها بالمعادن الثمينة وإضافة ميزات جديدة، مثل التاريخ وعقرب الثواني المنفصل على سطح ميناء الساعة، وهناك ساعات ميكانيكية وأخرى إلكترونية وصولاً إلى ثورة الساعات الذكية التي ظهرت في الأسواق للمرة الأولى منذ ربع قرن تقريباً، وتطورت مهامها من معرفة الوقت والتاريخ بدقة إلى منح مستخدمها معلومات حول لياقته البدنية وقياس بعض مؤشراته الحيوية، إضافة إلى التواصل مع الآخرين والاطلاع على المستجدات لتقديم تجربة ترفيهية شبه متكاملة.
الهدية الثمينة
يعدّ الرئيس الأميركي أبراهام لينكولن (1809 – 1865) أشهر من اقتنى ساعات الجيب، إذ تعرض ساعته الذهبية في المتحف الوطني للتاريخ الأميركي داخل العاصمة واشنطن، ويرجع تاريخ صناعتها إلى خمسينيات القرن الـ19، إذ جرى تنفيذها على أكثر من مرحلة في دول عدة بينها إنجلترا، في حين صنع غطاؤها الفاخر داخل الولايات المتحدة، وعلى رغم أنه عرف عن لينكولن الملقب بمحرر العبيد عدم ميله إلى التباهي واقتناء الأكسسوارات الثمينة، فإن الساعة بالنسبة إليه كانت رمزاً لمشواره الناجح كمحام.
أما من أشهر من يحتفظون بساعة الجيب حتى الآن فهو الزعيم الروحي لإقليم التيبت الدالاي لاما. وبصورة معاكسة تماماً لما عرف عن الراهب البوذي وجماعته في ما يتعلق بالتحرر من الممتلكات الاعتيادية، فإنه يمتلك ساعة فاخرة مصممة بصورة شديدة التعقيد من الماركة السويسرية العريقة “باتيك فيليب”.
وتعد هذه الساعة من الأغلى في العالم، ولم يصنع منها سوى 15 قطعة فحسب، ويتراوح ثمنها ما بين 500 ألف (حوالى 524,575 دولار) إلى مليون يورو (نحو 1,049,070 دولار)، إذ باعت دار “سوذبيز” للمزادات نسخة مشابهة منها قبل 10 أعوام بما يقارب نصف مليون يورو.
وقصتها التي نشرتها عدة مواقع عالمية متخصصة في تتبع الساعات النادرة تعود إلى عام 1943، إذ أهداها إليه الرئيس الأميركي حينها فرانكلين د. روزفلت وكان الدالاي لاما في الثامنة من عمره وقتها. في حين عرف عن روزفلت ولعه باقتناء الساعات المميزة ومن بينها ساعة “تيفاني أند كو” موديل “موفادو”، التي تحمل توقيع الدار الأميركية التي تأسست عام 1837، إذ تلقاها روزفلت هدية عام 1945 وظهرت في يده خلال مؤتمرات عديدة وظلت معه حتى رحيله.
ساعة اليد هي الأكسسوار الأكثر تفضيلاً وانتشاراً بين القادة بصورة عامة نظراً إلى أنها قطعة ضرورية، ولن يتهم صاحبها بالمبالغة إذا ما ارتدى أنماطها المختلفة بعكس قطع أخرى قد لا تليق بأصحاب هذه المناصب. وحتى أشهر السياسيين الذين عرف عنهم نفورهم من مظاهر الترف كانوا يحرصون على أن تكون ساعتهم متفردة، إذ جرى الإعلان أخيراً عن عرض ساعة ثمينة كان يرتديها الرئيس المصري الراحل جمال عبدالناصر في جولاته المهمة مصنوعة من الذهب والمعادن الثمينة، وعُرفت منذ ستينيات القرن الماضي بساعة الرؤساء، إذ كانت متطورة للغاية حينها وتسمى ساعة “رولكس داي ديت” إذ تعرض الوقت والتاريخ أيضاً.
ومن المقرر أن تعرض دار سوذبيز الساعة في مزادها بنيويورك الأميركية الذي يقام خلال السادس من ديسمبر (كانون الأول) الجاري، ومن المتوقع أن يصل سعرها إلى آلاف الدولارات، في حين أن ثمنها في عام 1963 وقت تصنيعها لم يتجاوز 700 دولار أميركي، ووفقاً للمعلومات التي قدمها أحفاد الزعيم الراحل فإن الساعة نقش عليها التاريخ واسم الرئيس الراحل محمد أنور السادات، إذ كان هو من أهداها لصديقه ناصر وقتها.
كذلك، ارتبط موديل الساعة نفسه باسم الرئيس الأميركي جون أف كينيدي إذ تردد أن صديقته الممثلة مارلين مونرو أهدته نسخة مرصعة بالذهب الأصفر. كذلك اقتنى كينيدي ساعات عدة أخرى من “أوميغا” و”كارتييه”، والأخيرة أهدتها له زوجته جاكلين كينيدي.
ساعات الرؤساء
وتعد المزادات بصورة عامة هي المناسبات التي تظهر فيها الساعات التاريخية. ومن بين هذه الساعات ساعة “لوي أدميراس” التي صنعت لمصلحة شركة “بريغيه”، التي تحوي الأحرف الأولى للسلطان عثمان عبدالحميد الثاني وقدمت في السوق عام 1885. وعرضت العام الماضي في أحد مزادات دبي ساعة تخص الملك فاروق من ماركة “باتيك فيليب” وبيعت بأكثر من 900 ألف دولار، ويعود تاريخها إلى عام 1941 حينما كلف الملك المصري بصناعتها بنقش خاص بتاج الملكية، إضافة إلى أول حرف من اسمه.
والماركة نفسها أيضاً فضلها الرئيس العراقي الراحل صدام حسين، وظهرت إحدى ساعاته المصنوعة من الذهب الأبيض ويعود تاريخها لعام 1980 بأكثر من مزاد. كذلك فضلها الرئيس الليبي الراحل معمر القذافي وكانت نسخته تحمل عبارة “في الحاجة تكمن الحرية”، فيما بيعت قبل أشهر ساعة جيب أهديت لرئيس وزراء بريطانيا التاريخي الأشهر ونستون تشرشل وعليها إهداء يشير إلى أنها تعود إلى عام 1905، وفقاً لـ”سي أن أن”، كذلك كانت ساعة “باتيك فيليب” هي المفضلة لدى ملكة بريطانيا الراحلة إليزابيث الثانية.
بينما ارتبطت ماركة “رولكس” السويسرية الشهيرة بالرئيس الأميركي دوايت ديفيد أيزنهاور خلال خمسينيات القرن الماضي، إذ اكتسبت الماركة صيتاً كبيراً بعد اعتماده لأكثر من موديل منها وبينها موديل “ديت جست”، وهو نفس ذوق ريتشارد نيكسون إذ تحظى “رولكس” بمكانة كبيرة لدى حكام الدول شرقاً وغرباً. فمثلاً كان الرئيس المصري السابق حسني مبارك يظهر مرتدياً واحدة منها يبلغ سعرها نحو 10 آلاف دولار.
أما الرئيس المنتخب دونالد ترمب فهو يمتلك مجموعة كبيرة من الساعات، إذ ظهر خلال فترته الرئاسية الأولى أكثر من مرة مرتدياً ساعة تاريخية تعود إلى نهاية ستينيات القرن الماضي، مصنوعة من الذهب والفضة بقيمة مالية تقترب من 20 ألف دولار، ويفضل ترمب ارتداءها أثناء لعب الغولف.
ووفقاً لـ”Watches of Switzerland” فقد اشتراها ترمب من مزاد قبل ربع قرن، إذ كانت تعود للرئيس رونالد ريغان، فيما تصنف ساعة “رولكس”، “داي ديت”، بين الساعات التي يبدو ترمب مولعاً باقتنائها ولديه مجموعة ساعات من ماركات متعددة فاخرة وغالية الثمن تتوافق مع طبيعة شخصيته الاستعراضية، وكونه أساساً رجل أعمال ومستثمراً ناجحاً.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
رسائل خاصة
وعلى ما يبدو أن تعدد مناصب جو بايدن السابقة جعله يقتني عديداً من الساعات متفاوتة القيمة المالية والنوعية، فبخلاف ظهوره مرتدياً ساعة “أبل” لديه مجموعة متنوعة بعضها لا يتجاوز سعره 300 دولار مثل ساعة “سايكو”، وأخرى “رولكس” تصل إلى 13 ألف دولار وفقاً لـ”IFL Watches”. كما أن لديه ساعة “أوميغا” ذات خلفية سوداء يتجاوز سعرها ستة آلاف دولار، وأخرى من نفس الطراز يبلغ سعرها ثلاثة آلاف دولار.
واللافت أن بايدن اختار أن يرتدي خلال خطاب ترشحه للمنصب قبل نحو أربعة أعوام ساعته “سايكو” الأرخص ثمناً التي تعود إلى تسعينيات القرن الماضي، في حين كان يحرص رئيس الوزراء الياباني الراحل شينزو آبي على ارتداء تلك الماركة لدعم الصناعة الوطنية، إذ امتلك منها عدة إصدارات.
وعلى ما يبدو فإن اختيار الساعات هنا لا يعود فقط إلى مدى جاذبيتها ومناسبتها للملبس، سواء كانت ذات سوار معدني أو جلدي إنما للإشارات التي تبعثها. فالساعات الزهيدة الثمن كانت نهجاً معروفاً لبث رسالة من الزعماء لشعوبهم بأنهم معهم ومرتبطون بهم. فاختيار الساعة التي تشبه ما يرتديه الجمهور العام ويمكن لأي شخص اقتناؤها كانت ميزة تميز بها باراك أوباما حينما كان رئيساً، إضافة إلى امتلاكه ساعات عدة من ماركات متنوعة بعضها مُهدى له من جهاز الخدمة السرية.
إلا أن أوباما اشتهر بساعة رياضية سعرها لا يتجاوز بضع مئات من الدولارات من ماركة “فايت بيت” وهي ساعة ذكية تتضمن برنامجاً لتحديد المواقع والرد على المكالمات والرسائل، إضافة إلى خدمة تتبع الحالة البدنية. وقد كان من أوائل الرؤساء الذين ارتدوا هذه النوعية من الساعات بسوارها الجلدي الأسود الأنيق. وشهدت الماركات التي ارتداها أوباما طلباً متزايداً بعد ظهوره بها.
أما رئيس الوزراء الكندي جاستن ترودو فقد اشتهر بساعته السويسرية الفولاذية من ماركة “آي دبليو سي”، في حين يختار الرئيس الروسي فلاديمير بوتين تصميماً يليق بشخصيته الصارمة وهي ساعة كلاسيكية معقدة المهام وفولاذية، تحوي كثيراً من القطع المصنوعة يدوياً وتعبر عن دقة وفخامة الصناعة الألمانية متمثلة في ماركة “A. Lange & Söhne”، والتي تصل أسعار بعض النسخ منها إلى ما يزيد على المليون يورو.
نقلاً عن : اندبندنت عربية