تمر المجتمعات بحقب تحصل فيها تحولات اجتماعية وثقافية وسياسية وأزمات وثورات وحروب وأوبئة من الطبيعي أن تنعكس بصورة أو بأخرى عليها. وفي تلك الحقب تنشأ أجيال متأثرة بما يحصل من تغييرات وما يرافق هذه الحقب من أحداث كبرى. انطلاقاً من ذلك أشار عالم الاجتماع الألماني كارل مانهايم إلى “عقل الجيل”، إذ يشترك من ينتمون إلى جيل واحد بنقاط عديدة وسمات وتجارب تكوينية تميزهم عن غيرهم من الأجيال. وفي ذلك يتميز كل جيل عن الآخر ويتفرد بما لأبنائه من سمات تربط بينهم. وهذا ما أسهم في تطوير مفهوم “وحدة الجيل” استناداً إلى الفوارق الواضحة بين الأجيال المتعاقبة وتلك النقاط التي تجمع بين أبناء الجيل الواحد، ومع ظهور استجابات واتجاهات تخص كل جيل. لذلك، وضعت تصنيفات وتسميات للأجيال المتعاقبة بما يترافق مع ما حصل من تحولات في حقب معينة أدت إلى ظهور سمات رئيسة ترتبط بالظروف المحيطة والمحطات المحورية التي حصلت في العالم.

 

لكل جيل سماته الخاصة

من الجيل الأعظم إلى جيل “بيتا” الذي يضم من يولدون في العام الحالي (2025) أجيال عديدة تعاقبت، وقد مرت بحقب عرفت فيها أزمات وتحولات كبرى على مختلف الصعد منها الثورة الرقمية والتكنولوجية. وكانت لذلك آثار واضحة على أبناء هذه الأجيال من نواحٍ عديدة. ومن بداية عام 2025 شهدنا نهاية جيل “ألفا” وبداية جيل “بيتا” الذي يشمل من سيولدون بين عامي 2025 و2039، وهو الجيل الثاني في الألفية الجديدة وفق ما أعلن الباحث وخبير السكان مارك ماكريندلي الذي كان قد وضع سابقاً مفهوم جيل “ألفا”. وقد توقع في تدوينة له على وسائل التواصل الاجتماعي أن يشكل أفراد جيل “بيتا” نسبة 16 في المئة من سكان العالم، وأن يعيش عديد منهم ليشهدوا القرن الـ22، كما توقع أن يشكلوا نسبة 19 في المئة من القوى العاملة في العالم بحلول العام نفسه.

وبالعودة إلى الأجيال السبعة المتعاقبة في التصنيف الغربي قبل الوصول إلى جيل “بيتا”، يمكن القول إن الاختلافات الكبرى في سماتها لافتة بالفعل. وهي ترتبط غالباً بتلك المحطات المحورية التي في العالم في مراحل معينة. لذلك، من الممكن فهم كثير عن سمات كل من هذه الأجيال انطلاقاً من التواريخ والأحداث الكبرى التي ميزت الحقب التي ارتبطت بها. وبالنسبة إلى الخبراء، يشكل الأشخاص المولودون في إطار زمني واحد مجموعات لها وجهات نظر وقيم وأذواق وعادات متقاربة. ولعل ذلك يفسر إلى حد ما النظرة الخاصة التي لأبناء كل جيل إلى أولئك الذين ينتمون إلى جيل سابق أو جيل لاحق.

 

– “الجيل الأعظم” الذي يعرف أيضاً بجيل “جي آي”. يضم مواليد الفترة التي تراوح ما بين عامي 1901 و1927، وقد قاتلوا خلال الحرب العالمية الثانية. وحمل هذا الجيل اسمه تقديراً لجهود الأفراد في الحرب، علماً أن هذا المصطلح كان قد ذكر أولاً في كتاب “الجيل الأعظم” للصحافي الأميركي توم بروكاو عام 1998. وقد استخدمه تحديداً ليصف الجنود الأميركيين الذي بلغوا سن الرشد في فترة الكساد الكبير، وشاركوا في الحرب العالمية الثانية. أيضاً، ذكر المصطلح في كتاب “أجيال: تاريخ مستقبل أميركا” عام 1991. ومن سمات هذا الجيل الالتزام والاهتمام الزائد بأخلاقيات العمل، والميل إلى الادخار نظراً إلى الأحداث الكبرى التي عاصرها أبناؤه.

– “الجيل الصامت”، ويضم من ولدوا بين عامي 1928 و1945. وتعود تسمية هذا الجيل إلى كون أفراده من الملتزمين والتقليديين، وكانوا صامتين في الحقبة المكارثية عندما كان الخطر الشيوعي يهدد البلاد. وذكرت هذه التسمية أولاً في الخامس من نوفمبر (تشرين الثاني) 1951 في مقال رئيس لمجلة “تايم” بالإشارة إلى الجيل الذي ولد خلال حقبة الكساد الكبير والحرب العالمية الثانية، بما في ذلك معظم الذي خاضوا الحرب الكورية.

ومن أبرز سمات هذا الجيل التواضع، وأبناؤه هم أيضاً من التقليديين. وهذا ما يفسر تسميتهم بهذه الصورة، وقد ترسخت أكثر التسمية عندما وصفهم المؤرخ والكاتب ويليام مانشستر بالانطوائيين والحذرين وبأنهم من ذوي الخيال المحدود، ويتسمون باللامبالاة والصمت وعدم المغامرة في الحياة. ونظراً إلى تطابق بعض سمات هذا الجيل مع تلك التي للجيل الأعظم، يوضعان في الفئة نفسها أحياناً. وفي بريطانيا تمت تسميته “جيل الغارات الجوية”، لأن الأطفال ترعرعوا فيه وسط تبادل إطلاق النار في الحرب العالمية الثانية.

“جيل طفرة المواليد”

– “جيل طفرة المواليد”، ويضم مواليد الفترة الممتدة بين عامي 1946 و1964، وهي مرحلة ترتبط بطفرة المواليد التي حصلت عقب الحرب العالمية الثانية. وظهرت هذه التسمية للمرة الأولى في قاموس “أوكسفورد” عام 1970. ففي الولايات المتحدة الأميركية حصلت زيادة كبرى في عدد المواليد بسبب الرغبة الشديدة بالإنجاب بعد الحرب. وبلغ عدد المواليد خلال تلك الفترة 76 مليون طفل. ويتمتع أبناء هذا الجيل بمجموعة من السمات التي تميزهم، بدءاً من كونهم يشكلون العدد الأكبر من الأشخاص في مختلف الأجيال. وقد أسهم عددهم بترك تأثير اقتصادي وسياسي كبير، بالمقارنة مع باقي الأجيال. وقد تميز أبناء هذا الجيل أيضاً بالوضع المادي الميسور والصحة والنشاط، إضافة إلى مستويات الدخل الفردي المرتفعة التي سمحت لهم بالتمتع بمزايا لم تُتح لآبائهم في الجيل الذي سبق.

– “جيل إكس”، يضم الفئات التي ولدت بين عامي 1965 و1980، أي في فترة الحرب الباردة وحقبة الصحوة الاجتماعية. وشهدت تلك الفترة أيضاً تفشي مرض “الإيدز”، والمطالبة بحقوق المثليين. وحظي مصطلح “جيل إكس” بشعبية واسعة بعد تناوله في كتاب “الجيل إكس: حكايات من أجل ثقافة متسارعة” لدوغلاس كوبلاند عام 1991. وبحسب الخبراء يتميز أبناء هذا الجيل بكونهم في حاجة مستمرة إلى الترفيه، وإلا فهم يشعرون بالملل كونهم ولدوا في فترة التلفزيون وألعاب الفيديو، وهذا ما يفسر حاجتهم المستمرة لمنتجات الترفيه مثل ألعاب الفيديو والأجهزة التي تشغل الموسيقى. ويعتبر الأهل الذين ينتمون إلى هذا الجيل أكثر انتظاماً في تربية أطفالهم، ونموهم الاجتماعي والثقافي. وبصورة خاصة يتميز الأفراد الذين ينتمون إلى هذا الجيل بالاستقلالية والاعتماد على الذات، خصوصاً أنه أول جيل نشأ على التلفزيون والتقنيات الرقمية من بداياتها. لذلك، يملك أبناء هذا الجيل مهارات تقنية متوسطة ويستخدمون التكنولوجيا بصورة أساس للعمل والتواصل.

في الوقت نفسه يحاول أبناء هذا الجيل التغلب على التحديات بأنفسهم كونهم اعتادوا على رعاية أنفسهم من الطفولة. في الوقت نفسه يتمتعون بقدرة عالية على التكيف بسبب الأحداث والتغييرات التي شهدوها، وتطلبت منهم أن يكونوا مرنين. وشهد هذا الجيل تغييرات وتحولات عديدة منها ارتفاع معدلات الطلاق، وانخفاض معدلات الإنجاب، إضافة إلى طفرة “الويب”، ويتميز أفراد هذا الجيل بالتفكير النقدي.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

أجيال الثورة الرقمية

– “جيل الألفية” أو “جيل واي”، يضم الفئات التي ولدت بين عامي 1981 و1996، وهم أولئك الذين عرفوا طفولة مع إنترنت ومن دونه، مما ترك أثراً بارزاً على حياتهم الخاصة. كما أنه الجيل الأول الذي نشأ في عصر الإنترنت. لذلك، يتميز أبناؤه بقدرة فائقة على استخدام الإنترنت والهواتف الخلوية ووسائل التواصل الاجتماعي. وقد عرف هذا الجيل معدل مواليد يشابه إلى حد ما ذلك الذي سجل عقب الحرب العالمية الثانية، لذلك يتميز بكونه الأكبر من حيث العدد من جيل الخمسينيات، ويمثل نحو نصف سكان البلدان العربية. ويعد “جيل طفرة المواليد” أبناء “جيل الألفية” قليلي الصبر، ويتميزون بالأنانية بسبب فرط استخدامهم وسائل التكنولوجية إلى حد أنه تمت تسميته “جيل الأنا” بسبب الالتفات حول الذات، إلا أن هذا الجيل أثبت على حسٍّ عالٍ بالمسؤولية البيئية والمجتمعية، وهي سمات نقلها أفراده إلى أولادهم. وعلى مستوى الأبوة، يميلون أكثر من الأجيال السابقة إلى تشجيع أولادهم على أن يكونوا حقيقيين في الحياة وصادقين مع أنفسهم ومع الآخرين. ومن أهم سمات هذا الجيل أنه يقدر العائلة والمجتمع، ويميل إلى الابتكار في العمل، وهو منتظم في الأعمال الخيرية، ويهتم بالبذل والعطاء، وهو منفتح على الثقافات الأخرى.

– “الجيل زد”، يضم المواليد بين عامي 1997 و2012. ومواليد هذه الفئة هم الأوائل الذين لا يعرفون العالم إلا بعدما أصبح هناك تواصل مستمر مع الآخرين. وهم لا يعرفون الحياة إلا مع هواتف خلوية وأجهزة إلكترونية وشاشات. وعلى رغم ذلك، هم كأبناء “جيل الألفية” يتميزون بحس المسؤولية البيئية، وهم يتقبلون الآخر والاختلاف، ويتميزون بالوعي السياسي في نسبة كبيرة منهم.

– “جيل ألفا” يضم من ولدوا بين عامي 2010 و2024، وهم أول جيل من الأطفال الذين لا يعرفون شيئاً عن الحياة من دون وسائل تواصل اجتماعي. لذلك هم الأكثر كفاءة في التعامل مع التكنولوجيا من أي جيل سابق مما يشكل سلاحاً فاعلاً بيدهم في الحياة. في المقابل يسهم اعتمادهم الزائد على التكنولوجيا في جعلهم أقل قدرة على التركيز المطول، وأقل ميلاً إلى التواصل الاجتماعي الفعلي وإقامة العلاقات الاجتماعية.

نقلاً عن : اندبندنت عربية