مهرجان الجونة… مآسي “داعش” والحرب السورية يخطفان الأنظار

على رغم أن الأعمال السياسية قد لا تتمتع بقالب درامي مشوق وحضور جماهيري وإعجاب فني لافت فإن فيلم “أثر الأشباح” الذي يعرض في مهرجان الجونة السينمائي كسر القاعدة، بعدما تصدر الاهتمام وحصد الإشادات جماهيرياً ونقدياً من مشاهديه بالمهرجان، إذ تميز بحبكة فنية مشوقة وغلب عليه الأكشن والبعد الإنساني بعمق.

“أثر الأشباح”

وتدور أحداث الفيلم حول ملاحقة مجرمي الحرب السورية الهاربين للخارج، وهو إنتاج فرنسي من إخراج وتأليف جوناثان ميليت وشاركه التأليف فلورنس روشات وبطولة الممثل التونسي آدم بيسا الحائز جائزة أفضل ممثل في مسابقة “نظرة ما” في مهرجان كان السينمائي عن الفيلم التونسي “حرقة”، وكذلك جائزة أحسن ممثل عن نفس الفيلم من مهرجان البحر الأحمر السينمائي خلال العام نفسه. ويشارك في البطولة الممثل الفلسطيني توفيق برهوم وجوليا فرانز ريختر.

ويلعب بيسا في “أثر الأشباح” شخصية حميد الشاب الذي عانى ويلات مجرمي الحرب، وينجح في اللجوء إلى فرنسا لمطاردة أحد الطغاة الذين عذبوه وغيره من المدنيين وكانوا من رموز الفساد الذين هربوا للدول الأوروبية خوفاً من القصاص والملاحقة.

وينضم حميد إلى منظمة سرية مهمتها أن تلاحق مسؤولين بالنظام السوري وتقتص منهم لارتكابهم جرائم ضد الإنسانية، وتكلفه المنظمة بمهمة في فرنسا للقصاص من جلاده ومواجهته، وينجح في الوصول إليه وينتهى المطاف بأن يختار الطريقة التي سيقتص بها منها ليدفع فاتورة جرائمه.

ويختتم الفيلم بعد مطاردات ومبارزات إنسانية ودرامية ومفاجآت برسالة مهمة، وهي كيف يمكن أن نحصل على القصاص؟ وهل العنف طريقة مثالية لتحقيق العدالة من مجرمي الحرب أنفسهم؟

وفي تصريحات لـ”اندبندنت عربية” قال مخرج الفيلم جوناثان ميليت إن الأحداث مستوحاة من قصص حقيقية في الملف السوري المشحون بروايات إنسانية وسياسية وشخصيات درامية وإجرامية تصلح لمئات الأعمال الفنية، لكن هذا الفيلم ربما هو العمل الأول الذي يتناول موضوع مجموعات سرية سورية تنشط في الخفاء لتحديد قائمة جلادي الحكومة السورية وملاحقتهم أمام المحاكم الأوروبية.

 

وأشار إلى أن ما جعله ينفعل بهذه الحكاية ويقدمها كأول عمل روائي طويل له أن الحكايات شديدة الألم والإلهام، فهناك ضحايا بمئات الآلاف من اللاجئين السوريين نجوا من عذابات السجانين والجلادين ووصلوا إلى أوروبا، لكنهم مثقلون ومحملون بقصص شرسة من حيث الألم والمعاناة، فمعظمهم تعرض لتعذيب جسدي مفرط وجراح لا يمكن نسيانها على يد مجرمي الحرب السورية، وقد تُشفى تلك الندوب ظاهرياً لكن الجراح النفسية العميقة التي أصبحت أمراضاً مزمنة لا يمكن نسيانها.

وكشف المخرج أنه في البداية كان يعمل على مشروع يخص لاجئي الحرب. والتقى لاجئين يحملون قصصاً مؤثرة وبخاصة من السوريين وبعد فترة طويلة من اللقاءات والاستماع طويلاً لقصص مئات منهم بدأ يفكر في زاوية أكثر تحديداً وخصوصية، وبعد سماعه عن مجموعات سرية صغيرة تترك كل ما لديها وتطارد مجرمي الحرب السوريين الهاربين في أوروبا قرر حينها أن يتناول هذا الموضوع وتكون هذه هي النقطة الأساس في مشروعه السينمائي.

وأوضح أنه انطلق للمشروع من خلال الصراع بين الماضي والحاضر والرغبة في الشفاء والانتقام في إطار درامي له مبرر إنساني، وكل ذلك في عمل سياسي أشمل يتناول ملف من أهم الملفات السياسية في العالم.

وعن بناء سيناريو الفيلم قال إنه استعان بأجزاء من قصص حقيقية توصل إليها من خلال البحث، وحاول تجميع تلك الأجزاء بطريقة إنسانية درامية تشويقية بها لمحة من الأكشن والصورة السينمائية الجاذبة، حتى يمكنها أن تمس أكبر قطاع من المشاهدين، مع تعمد عدم الغوص كثيراً بالتفاصيل السياسية الفرعية والمعروفة حتى لا يتحول العمل إلى ما يشبه التوثيق أو السينما التسجيلية.

معاناة الممثلين

وأكد مخرج “أثر الأشباح” أنه عانى في البداية في اختيار ممثلين لبطولة الفيلم، وكان من المنطق أن يلعب الأدوار ممثلون سوريون لكن لم يفلح الأمر، لأن معظم الممثلين السوريين غير مهيئين لتقديم هذه الفكرة بصورة تامة أو بإمكانهم القول إنه يوجد تعذيب في بلادهم.

وأشاد باختيار الممثلين آدم بيسا وتوفيق برهوم للدورين الرئيسين بالفيلم إذ تفوقا في رأيه في فهم الشخصيات واستيعابها والتحضير لها لدرجة فاقت توقعات كل فريق العمل. موضحاً أنه حضر بطلي الفيلم الرئيسين بيسا وبرهوم بطرق مختلفة وطلب منهما قبل تجسيد الدورين الاطلاع كثيراً لاستيعاب الشخصيتين، فقام بيسا بقضاء أسابيع طويلة في الاستماع لشهادات وحكايات تعذيب ومشاهدة صور مؤلمة لضحايا السجون ومجرمي الحرب.

 

أما توفيق برهوم الذي يلعب دور مجرم حرب سوري هارب إلى فرنسا فأجبره على تعلم اللغة الفرنسية وإجادتها بصورة كاملة وجرى ذلك خلال ثلاثة أشهر فحسب.

وافتتح فيلم “أثر الأشباح” قسم أسبوع النقاد ضمن مهرجان كان السينمائي الدولي. وشارك الفيلم في مهرجاني سيدني وملبورن السينمائيين الدوليين، وتلقى إشادات جماهيرية ونقدية من مختلف المواقع السينمائية العالمية.

وفي رأي الناقدة رغدة صفوت فإن قوة العمل أنه اعتمد على حبكة فنية قوية وسيناريو محكم وسرد درامي مميز طوره المخرج لصورة رائعة ومتماسكة، إضافة إلى عدم الخوض في ملابسات وتفاصيل سياسية تفقد العمل رونقه.

ومن أهم نقاط الفيلم حسب صفوت أنه ترك رسالة مهمة وهي القصاص من دون اللجوء إلى العنف، لأن الإساءة وردها بالمثل يدخل الجميع في دائرة لن تنتهي من الكراهية واستنزاف الآدمية.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

“ماء العين”

وعلى رغم أنها ليست المشاركة العالمية الأولى للفيلم التونسي “ماء العين” فإنه حقق رد فعل قوياً بالعرض العربي الأول في مهرجان الجونة، وفجر قضية شديدة الحساسية للشعب العربي، وهي تجنيد الشباب لمصلحة “داعش” وأثر هذه المرحلة في حياتهم وذويهم ومدنهم ومجتمعهم.

وشارك هذا الفيلم الطويل الأول للمخرجة التونسية مريم جوبار في المسابقة الرسمية لمهرجان برلين السينمائي في دورته الـ74. ويروي العمل قصة أسرة تونسية مكونة من الأم عائشة التي تبلغ من العمر 45 سنة وتعيش في منطقة منعزلة بشمال تونس مع زوجها إبراهيم 50 سنة، وتعاني الأسرة رحيل الابنين الكبيرين مهدي 20 سنة وأمين 19 سنة بعد انضمامهما إلى تنظيم “داعش” المتشدد في سوريا، ويتبقى لعائشة وزوجها ابن صغير يسمى آدم يبلغ من العمر 11 سنة.

وبعد فترة من رحيل الشابين تعيش الأسرة في كرب شديد وتفاجأ عائشة بعودة ابنها مهدي ومقتل الثاني، ويهرب الأول من جحيم “داعش” ومعه زوجة حامل ومنتقبة تدعى ريم لم تتجاوز 18 سنة، وتتصاعد الأحداث مع اضطرار الأسرة لاحتضان مهدي وزوجته ومقابلة كل المصاعب الإنسانية التي ستترتب على إقامة شخصيات متورطة في أعمال إرهابية، ويتهمها أهل القرية بجرائم بشعة، كما أن هناك صراعاً من ناحية أخرى بسبب الملاحقات الأمنية للشاب وزوجته والأسرة والقرية التي يقطنون فيها بأكملها.

وقالت مخرجة الفيلم إن العمل يروي أحداثاً حقيقية ومبني على تجربة عدة عائلات تونسية شهدت حالات مماثلة من انضمام أبنائها إلى التنظيم المتشدد قبل أعوام، وما خلفه ذلك من تداعيات نفسية واجتماعية على الأفراد والمجتمع، مشيرة إلى أنها حاولت إبراز معاناة الأم والعائلة مع الصدمة والخيبة التي يعود بهما الشاب بعد انخراطه في التنظيم، وضياع مستقبله وتسببه في ضياع أحلام عائلته وملازمة الخوف وازدراء المجتمع لهم.

نقلاً عن : اندبندنت عربية