حضَّ الكرملين اليوم الإثنين على “إرغام” الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي على تحقيق “السلام” بعد السجال الذي دار أخيراً بينه وبين الرئيس الأميركي دونالد ترمب الذي يدعو إلى إنهاء الصراع في أوكرانيا بأسرع وقت ممكن.
وقال الناطق باسم الكرملين دميتري بيسكوف في مؤتمر صحافي، “يجب على أحد ما أن يرغم زيلينسكي على تغيير رأيه. فهو لا يريد السلام. يجب على أحد ما أن يرغمه على الرغبة في تحقيق السلام”.
ووصف بيسكوف السجال الذي وقع في المكتب البيضاوي بأنه “حدث غير مسبوق”، مضيفاً أن زيلينسكي “أظهر افتقاراً تاماً للقدرات الدبلوماسية. هذا أقل ما يمكن قوله”.
وقال المتحدث باسم الكرملين إن تعهدات التمويل من الزعماء الأوروبيين، ومنها صفقة صواريخ دفاع جوي بقيمة ملياري دولار من بريطانيا، ستتسبب في استمرار الحرب.
وأضاف للصحافيين “من الواضح أن هذا لا يتعلق بخطة سلام”، لكنه سيسمح “باستمرار الأعمال القتالية”.
تحذير فرنسي
في المقابل حذّر وزير الخارجية الفرنسي جان نويل بارو الإثنين معلقا على الحرب في أوكرانيا بأن “خط الجبهة يقترب منا باستمرار” بسبب “الطموحات الإمبريالية” الروسية.
وقال بارو متحدثا لإذاعة “فرانس إنتر”، إن “خطر حرب على القارة الأوروبية، داخل الاتحاد الأوروبي، لم يكن يوماً مرتفعاً بقدر ما هو اليوم لأن الخطر يقترب منا باستمرار منذ حوالى 15 سنة، وخط الجبهة يقترب منا باستمرار”، وذلك قبل ساعات من نقاش يجري في البرلمان حول الحرب في أوكرانيا وأمن أوروبا.
وتابع الوزير “لوضع حد لحرب العدوان الروسية في أوكرانيا، نريد أن تتمكن الولايات المتحدة من خلال الضغط من حمل (الرئيس الروسي فلاديمير) بوتين على الجلوس إلى طاولة المفاوضات والموافقة على التخلي بشكل نهائي عن طموحاته الإمبريالية التي قربت خط الجبهة أكثر وأكثر إلينا”.
وأعرب بارو عن ارتياحه لنتائج القمة التي عقدت الأحد في لندن وتعهد خلالها خمسة عشر زعيماً أوروبياً، بينهم الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون والمستشار الألماني أولاف شولتز، دعم كييف وتعزيز تسلحهم في وجه روسيا.
وقال “ما شهدناه هو يقظة قسم كامل من الأوروبيين الذين كانوا يرفضون رؤية واقع الأمور كما هو”، مؤكداً أن هذه الدول الأوروبية باتت مقتنعة بضرورة “أن تتمكن أوروبا من تولي دفاعها وأمنها بنفسه، وأن نطبق كل الوسائل الضرورية حتى لا نضطر يوما إلى أن نسأل الولايات المتحدة ما يمكنها القيام به من أجل الأمن الأوروبي”.
وفي ما يتعلق بالاقتراح الفرنسي البريطاني حول هدنة لشهر في أوكرانيا تشمل بحسب ماكرون “الجو والبحر ومنشآت الطاقة”، علق بارو أن هذه “وسيلة للتثبت من أن روسيا عازمة فعلاً على وضع حد لهذه الحرب”، مشيراً إلى أن “هذا لا يعني سحب القوات الروسية على الأرض في مرحلة أولى”.
وتابع “عندها تبدأ مفاوضات السلام الحقيقية، لأننا نريد السلام، لكننا نريد سلاماً متيناً وسلاماً مستداماً”.
واعتبر بارو أنه من “الممكن” في الوقت الحاضر استئناف الحوار بين الرئيسين ترمب وزيلينسكي. وقال “أعتقد أن هناك رغبة من الجانبين، إدراك مشترك بأن من مصلحة أوكرانيا ومن مصلحة الأوروبيين ومن مصلحة الأميركيين التحرك لوقف الميول الإمبريالية” الروسية.
أخيرا، قال بارو إنه يجد “بعض الصعوبة في فهم” ما أوردته تقارير إخبارية أميركية عدة عن وقف العمليات السيبرانية الأميركية ضد روسيا بأمر من وزير الدفاع بيت هيغسيث، موضحا أنه “في ما يتعلق بالهجمات السيبرانية، فإن دول الاتحاد الأوروبي تواجه باستمرار هجمات من هذا النوع من روسيا”.
اقتراح الهدنة
وزير الدولة البريطاني للقوات المسلحة لوك بولارد قال الإثنين إن فرنسا وبريطانيا لم تتفقا على اقتراح هدنة جزئية مدتها شهر في أوكرانيا تحدث عنه الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون الأحد لصحيفة “لو فيغارو” الأحد، “جواً وبحراً وفي منشآت الطاقة”.
وذكر ماكرون أن الهدنة لن تشمل المعارك الميدانية، أقله في البداية.
قال بولارد لإذاعة “تايمز”، “لم يتم التوصل إلى اتفاق على شكل الهدنة”. وأضاف، “لكننا نعمل مع فرنسا وحلفائنا الأوروبيين للبحث في مسار كيفية التوصل إلى سلام دائم في أوكرانيا”.
وأشار مصدر في الحكومة البريطانية طلب عدم الكشف عن هويته إلى وجود “كثير من الخيارات المطروحة على الطاولة، وهي موضع محادثات إضافية مع الشركاء الأميركيين والأوروبيين، لكن لم يتم الاتفاق على هدنة لمدة شهر واحد”.
ميدانياً قالت القوات المسلحة الأوكرانية اليوم الإثنين إنها أسقطت 46 من أصل 83 طائرة مسيرة أطلقتها روسيا خلال الليل. وأضاف الجيش الأوكراني أن 31 طائرة مسيرة أخرى “فقدت” ولم تصل إلى أهدافها، ويرجع ذلك على الأرجح إلى استخدام وسائل الحرب الإلكترونية.
زيلينسكي والأوروبيون… وترمب
تزامناً أعلن زيلينسكي اليوم الإثنين أنه يعمل مع حلفائه الأوروبيين على تحديد “مواقف مشتركة” لمحاولة إقناع الرئيس الأميركي دونالد ترمب بأخذ مصالحهم في الاعتبار بمواجهة روسيا.
وقال زيلينسكي عبر “تيليغرام” بعد لقاء مع حلفائه الأحد في لندن، “سنحدد مواقفنا المشتركة، ما نريد تحقيقه وما هو غير قابل للتفاوض، وستعرض هذه المواقف على شركائنا الأميركيين”.
وشدد الرئيس الأوكراني على أن الأولوية تتمثل في التوصل إلى “سلام متين ودائم وإلى اتفاق جيد في شأن إنهاء الحرب”.
واتفق القادة الأوروبيون الذين انضم إليهم في لندن كل من تركيا والأمين العام لحلف شمال الأطلسي مارك روته ورئيس الوزراء الكندي جاستن ترودو، الأحد، على ضرورة محاولة إبقاء الولايات المتحدة إلى جانبهم.
وكرر زيلينسكي استعداده لتوقيع الاتفاق المتعلق بالمعادن، “إذا كان جميع الأطراف مستعدين”. وقال للصحافة “أنا مستعد لجميع الأشكال البناءة في العلاقات مع الولايات المتحدة. وأرى أن لدينا كل ما نحتاج إليه”، مشدداً في الوقت نفسه على ضرورة “فهم بعض الخطوط الحمر الأوكرانية”.
وتشترط كييف خصوصاً الحصول على ضمانات أمنية في حال التوصل إلى وقف إطلاق النار مما رفضت واشنطن منحه حتى الآن.
واتهم وزير الخزانة الأميركي سكوت بينسنت مساء الأحد زيلينسكي “بإفشال كل شيء” برفضه توقيع الاتفاق في شأن المعادن الأوكرانية مع واشنطن.
من جهته شدد رئيس الوزراء البريطاني كير ستارمر على أن “عدداً من الدول” قالت إنها تريد المشاركة في ائتلاف للنيات للدفاع عن اتفاق السلام في المستقبل. وأكد ستامر، “على أوروبا أن تقوم بالجزء الأكبر من المهمة، لكن من أجل الدفاع عن السلام في قارتنا وللنجاح في ذلك، يجب أن يحظى هذا الجهد بدعم قوي من الولايات المتحدة”.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
الضمانات الأمنية والانفاق الدفاعي
بدورها شددت أورسولا فون دير لاين على ضرورة توافر “ضمانات أمنية دولية” لأوكرانيا وأكدت أنها تريد عرض خطة “لإعادة تسليح أوروبا” الخميس المقبل خلال القمة الخاصة للاتحاد الأوروبي المقررة في بروكسل.
وأكد روته أن “مزيداً من الدول الأوروبية سترفع اتفاقها الدفاعي”.
وقال المستشار الألماني أولاف شولتز إن أوكرانيا هي “ضحية العدوان الروسي، وهذه الحقيقة لا تتزعزع بالنسبة إلينا”. وألمانيا هي ثاني أكبر مزود مساعدات لأوكرانيا منذ الهجوم الروسي بعد الولايات المتحدة، مع قيمة إجمالية قدرها 44 مليار يورو.
وقال رئيس الوزراء البولندي دونالد توسك إنه في مواجهة الرئيس الروسي فلاديمير بوتين يجب توجيه رسالة مفادها أن “الغرب لا ينوي الاستسلام أمام الابتزاز والعدوان”.
ضغط أميركي على زيلينسكي
وزادت واشنطن الأحد من منسوب الضغط على زيلينسكي بالتلميح إلى ضرورة أن يغادر منصبه. وقال مستشار الأمن القومي في البيت الأبيض مايك والتز، “نحتاج إلى قائد قادر على التعامل معنا والتعامل مع الروس في وقت ما وإنهاء هذه الحرب”.
ورد الرئيس الأوكراني بالقول إنه “لن يكون من السهل” استبداله “نظراً إلى ما يحدث ونظراً إلى الدعم الذي يحظى به”. وأضاف زيلينسكي، “لن تكون المسألة مجرد تنظيم انتخابات، بل سيتعين أيضاً منعي من الترشح، مما سيكون أكثر تعقيداً بعض الشيء”، مؤكداً في الوقت ذاته أنه مستعد للتخلي عن منصبه في مقابل انضمام أوكرانيا إلى حلف شمال الأطلسي.
وكان الرئيس الأميركي كتب الأحد منشوراً على منصته “تروث سوشيال” قال فيه إنه “من الآن فصاعداً، لن يكون أمام زيلينسكي من خيار سوى التراجع وقبول الشروط التي وضعها ترمب”.
وكان ترمب وصف الرئيس الأوكراني الأسبوع الماضي بأنه “ديكتاتور”، مشككاً بذلك في شرعيته الديمقراطية.
وأكد رئيس مجلس النواب الجمهوري مايك جونسون أول من أمس الأحد أن “شيئاً يجب أن يتغير”.
وقال جونسون لمحطة “أن بي سي”، “إما أن يعود (زيلينسكي) إلى رشده وإلى طاولة المفاوضات مع الامتنان، أو على شخص آخر تولي رئاسة البلاد للقيام بذلك”.
وعقب المشادة الكلامية قال السيناتور الجمهوري ليندسي غراهام المقرب بدوره من ترمب، إن “على زيلينسكي أن يغير موقفه بصورة جذرية أو أن يرحل”.
وتحدث والتز عن “فرصة كبيرة ضائعة”، مؤكداً أنه “صدم” لوقوع المشادة ولسلوك زيلينسكي. وأوضح أن ذلك أثار لديه شكوكاً حول رغبة زيلينسكي “في أن يكون يوماً مستعداً للتفاوض مع (الرئيس الروسي فلاديمير) بوتين” أو “لإنهاء هذه الحرب”.
ورفض والتز أي حديث عن نصب “مكمن” للرئيس الأوكراني من قبل ترمب ونائبه جي دي فانس، وأكد مجدداً أن على أوكرانيا أن تقدم “تنازلات حول الأراضي” لإنهاء الحرب مع روسيا. وأضاف أنه سيكون على “أوروبا إعطاء ضمانات أمنية”، في وقت اجتمع حلفاء كييف في لندن الأحد بحضور زيلينسكي.
ورد زيلينسكي ساخراً ومقترحاً منح السيناتور ليندساي غراهام “الجنسية الأوكرانية”.
وقال خلال مقابلة مع وسائل إعلام بريطانية الإثنين، “سيكون لصوته وقع أكبر وسأبدأ بالإصغاء إليه بصفته مواطناً أوكرانياً لمعرفة من ينبغي أن يكون رئيساً”.
وفي استطلاع للرأي أجرته محطة “سي بي أس” الأحد، أيد 52 في المئة من الأميركيين دعم أوكرانيا في مقابل 4 في المئة لروسيا، فيما بقي 44 في المئة على الحياد.
وذكرت صحف عدة أن إدارة ترمب تنوي وقف المساعدات العسكرية لأوكرانيا التي أقرت في عهد الرئيس الديمقراطي السابق جو بايدن.
نقلاً عن : اندبندنت عربية