على رغم تكرار آرني سلوت خطابه المعتاد بأن ليفربول يجب أن يركز فقط على المباراة القادمة، فإن الأداء المبهر جعل من الصعب عدم التفكير في التاريخ، وفي مواسم سابقة.

وينطبق هذا التفكير بصورة خاصة على الموسم الحالي، نظراً إلى أنه لا يبدو موسماً استثنائياً في الدوري الإنجليزي الممتاز.

أصبحت معظم المراكز الرئيسة شبه محسومة بحلول نهاية فبراير (شباط) الماضي، ومن خلال ذلك نجد أوجه تشابه مع موسمي ليفربول في (1975 – 1976) و(1985 – 1986)، ففي الموسم الأول فاز بوب بيزلي بأول لقب له، بعد عامين فقط من توليه المنصب خلفاً للكاريزمي بيل شانكلي، في موسم يحمل كثيراً من أوجه التشابه مع الوقت الحالي، وفي الموسم الثاني فاز كيني دالغليش باللقب في موسمه الأول كمدرب للنادي تماماً مثل سلوت الآن.

وسيعطي الفوز باللقب الـ20 – الذي يبدو شبه مؤكد الآن – هذا الموسم صدى خاصاً بحد ذاته، إذ سيعادل ذلك رقم مانشستر يونايتد القياسي، ويعيد ليفربول إلى مكانته المرموقة، بينما يوفر فرصة للاحتفال بطريقة لم تكن ممكنة مع اللقب الـ19 الذي جاء خلال فترة جائحة فيروس كورونا.

وبالنسبة إلى القلق الذي تبع التعادلات مع إيفرتون وأستون فيلا فيبدو الآن بعيداً جداً، كما لو أن محمد صلاح قد تركه خلفه في غبار الماضي، ويجب تخصيص ذكر خاص لدومينيك سوبوسلاي، الذي يبدو أنه ارتقى إلى مستوى أعلى بينما ليفربول يتفوق بصورة واضحة، فقد أظهر الفريق طاقة هائلة، لم يستطع مانشستر سيتي ولا نيوكاسل يونايتد مجاراتها.

وبينما كان هذا الأداء مثيراً لليفربول، إلا أنه بدا وكأنه يفقد الدوري الإنجليزي الممتاز بعض الحيوية، فهناك القليل جداً من الإثارة التي يمكن رؤيتها في صراع اللقب حالياً.

والأسوأ من ذلك أنه لا يوجد كثير مما يمكن الترويج له في ما يخص معركة البقاء على الطرف الآخر من الترتيب، فمعركة البقاء في الدوري التي يمكن أن تكون مليئة بالتقلبات العاطفية، تبدو غير محتملة الحدوث هذا الموسم، إذ إن الأندية الثلاثة في القاع تبدو محكوماً عليها بالفشل، وحتى هذا الإصدار من مانشستر يونايتد، على رغم كل مشكلاته كفريق مخيب للآمال كان لديه ما يكفي للتغلب على إبسويتش تاون.

لكن النهاية المبكرة لمعركة الهبوط قد حدثت في كثير من المواسم، لذا من الصعب مقارنتها مباشرة بأي موسم على وجه الخصوص، مع احتمال عودة الأندية الثلاثة الصاعدة سابقاً إلى الدرجة الأدنى مباشرة. وهناك في الأقل بعض الغموض الكئيب في حاجة ساوثهامبتون إلى ثلاث نقاط إضافية ليتفوق على رقم ديربي كاونتي في موسم (2007 – 2008)، وقد وجدت أندية عدة نفسها وسط محاولات تجنب هذا السجل المحزن خلال الأعوام القليلة الماضية.

إلا أن هذه الاتجاهات تشير إلى قضيتين أساسيتين مرتبطتين بمناقشات أوسع في كرة القدم وتقوضان تفاخر الدوري الإنجليزي الممتاز.

في قاع الترتيب، خلق النموذج الاقتصادي الحالي ما يمكن تسميته “الدوري الإنجليزي الممتاز اثنين”، إذ إن الفجوة المالية بين الدوري الممتاز ودوري البطولة الإنجليزية أصبحت كبيرة جداً، مما زاد من تشويه تأثير المدفوعات المظلية. وهناك الآن مجموعة من الأندية، تمتد إلى نحو ثمانية أندية في دوري البطولة، تتناوب باستمرار على الصعود والهبوط، ولقد تجاوزت حالة اليويو (الصعود والهبوط المتكرر) إلى قفزات البانجي (القفز بالحبال).

من الجانب الآخر، انظر إلى الفرق الثلاثة المرشحة للصعود، ستجد اثنين منها هبطا الموسم الماضي، وليدز يونايتد الذي هبط قبل موسمين.

أما في القمة فنرى واحدة من مشكلات ما يسمى “الأندية الهائلة”، فهي غنية جداً لدرجة أن تحقيق أي منها النجاح يمكن أن يكون له تأثير مضاعف. وهذا ما يحدث مع ليفربول الآن، الذي نجح في تطبيق نظام لياقة بدنية فعال، إلى جانب كثير من المزايا الأخرى تحت قيادة سلوت، وما يلفت الانتباه هو أن الأمر كان مشابهاً عندما فازوا باللقب في موسم (2019 – 2020) حين تفوقوا بشكل واضح.

ومن المفارقات أن هذا يحدث وسط كثير من النقاش النقدي، لا سيما في هذه الصفحات، حول تفوق مانشستر سيتي على المدى الطويل، ومع ذلك من السهل شرح ذلك، فالمزايا الواضحة التي تأتي مع الملكية الحكومية لا تزال قائمة، لقد عانى سيتي انحرافاً عن المسار بسبب الاعتماد المفرط على بيب غوارديولا، الذي يعاني أول موسم تراجع في مسيرته، وقد تأثر ذلك أيضاً بعوامل أخرى، مثل الجدول الزمني المكثف، الذي أرهق أندية ثرية أخرى مثل أرسنال.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

ومن المحتمل أيضاً أن المستوى السابق لسيتي أعطى المنافسين هدفاً لتحقيقه والوصول إلى مستويات أعلى، حتى لو نادراً ما استطاعوا مجاراته، ومع ذلك لم يكن ذلك جيداً للدوري الإنجليزي الممتاز، تماماً كما أن تفوق ليفربول الآن ليس جيداً له.

ويمكن لمانشستر سيتي أن يتجاوز هذا الوضع اعتماداً على ما سيحدث في جلسة الاستماع الخاصة به، فهذا الموسم الهادئ نسبياً لا يزال يمكن أن يشهد التطور الأكثر إثارة على الإطلاق، حين تظهر النتائج في مارس (آذار) الجاري.

وفي غضون ذلك فإن الشعور الناتج من هذا الجدول ليس جديداً أيضاً، فيمكن مقارنته بموسمي (2005 – 2006) و(2012 – 2013) عندما كان السباق للتأهل لدوري أبطال أوروبا هو الشيء الوحيد الذي أبقى تلك المواسم مستمرة.

في الأقل يمكن أن يشهد سباق هذا الموسم مشاركة أندية أكثر من المعتاد، بخاصة إذا حصل الدوري الإنجليزي على المقعد الخامس في دوري الأبطال، وهناك تقلبات مستمرة في المراكز من الثالث إلى الـ10.

ففي الأسبوع الماضي وحده فاز أستون فيلا على تشيلسي في محاولة لمحو الخسارة المذهلة أمام كريستال بالاس بنتيجة (1 – 4)، كذلك فاز تشيلسي بنتيجة (4 – 0) على ساوثهامبتون المخيب للآمال. وقد يكون هناك مزيد من ذلك في المستقبل، وحتى مانشستر سيتي يبدو وكأنه لا تزال يعاني نقطة ضعف مستمرة، وإن كان مستواه بعيداً كل البعد من الهشاشة التي ظهرت عليه في أواخر 2024.

وضاعف فوز برايتون على بورنموث من تشابك تلك المنطقة من الجدول، ففريق المدرب أندوني إيراولا يفقد الزخم بصورة مفهومة.

ويبقى السؤال الكبير هو ما إذا كان أرسنال سيسحب إلى هذا السباق، هناك الآن فجوة من ست نقاط بينهم وبين نوتينغهام فورست بعد التعادل السلبي (0 – 0) الأربعاء الماضي، ولكن هذه الفجوة يمكن أن تتبخر بسرعة إذا لم يتمكن الفريق من التسجيل، لذلك فإن القلق قد يتزايد.

ويمكن لميكيل أرتيتا أن يعزي نفسه الآن بفكرة أن هناك فترات راحة أطول بين مباريات الدوري الإنجليزي الممتاز – بما في ذلك استراحة دولية مرحب بها هذه المرة – مما سيسمح للنجوم المصابين مثل بوكايو ساكا وغابرييل مارتينيلي بالعودة.

وعلى رغم كل النقاش حول هجوم أرتيتا، لا ينبغي أن ننسى أن خط الهجوم الأساس للفريق سجل 91 هدفاً في 38 مباراة الموسم الماضي، وهذا رقم مذهل… ولكن حتى ذلك لم يكن دون بعض التحفظات، فأرسنال لا تزال لديه مباريات محبطة، وفترات من التقدم الواضح التي تشوه تلك الأرقام قليلاً.

بمعنى آخر، كان من الواضح أنهم كانوا في حاجة إلى لاعب قلب هجوم رئيس في الموسم الماضي، والآن، كل تقدم في الملعب يصرخ بذلك، لقد قيل في هذه الصفحات من قبل أن أرسنال تذكرنا بمانشستر يونايتد في موسم (1992 – 1993) في الفترة التي سبقت التوقيع مع إيريك كانتونا. ومن الواضح جداً الآن أن هذا هو ما ينقصهم في ظل سعى النادي بصورة مكثفة لإنهاء ذلك الانتظار الطويل للقب.

مع ذلك فإن قرار عدم التعاقد مع لاعب جديد في يناير (كانون الثاني) الماضي جعلهم يبدون مثل مانشستر يونايتد في موسم (1991 – 1992). ففي ذلك الوقت تعثر مسعى الفريق للفوز باللقب بسبب التعب والإحباط ونقص حاد في الأهداف.

إن المباريات الخالية من الأهداف لأرسنال أمام وست هام يونايتد ونوتينغهام فورست تشبه إلى حد كبير سلسلة المباريات الخالية من الأهداف لمانشستر يونايتد في تلك الفترة.

في الأقل يعرف أرسنال ما يحتاج إليه، والجميع يعرف ما ينقص هذا الموسم من الدوري الإنجليزي الممتاز حالياً، وحقيقة أن موسم (2024 – 2025) ليس موسماً استثنائياً تجعل من الصعب عدم النظر إلى مواسم أخرى.

نقلاً عن : اندبندنت عربية