أمضى الرئيس دونالد ترمب الأسابيع الأولى في أعقاب مباشرة مهامه في الدعوة إلى شراء الولايات المتحدة جزيرة غرينلاند مع رفض استبعاد إمكانية استخدام القوة العسكرية، على رغم تأكيد المسؤولين أن الجزيرة ليست للبيع.
يزعم ترمب أن الولايات المتحدة في حاجة إلى تملك غرينلاند من أجل معالجة المخاوف الأمنية الوطنية، وهذه ليست المرة الأولى التي تكون فيها الأهمية الاستراتيجية للجزيرة محط اهتمام الجيش الأميركي.
وقبل أكثر من ستة عقود، كان فيلق المهندسين التابع للجيش الأميركي يعمل بجد على مشروع في غرينلاند هو معسكر سينشري.
لم يكن المشروع نفسه، الذي يقع في قاعدة عسكرية تشتمل على أنفاق بطول ميلين (3.2 كيلومتر)، مصنفاً بالكامل ضمن الأسرار العسكرية. فقد دعي الصحافيون لزيارة الموقع، وروج الجيش له باعتباره قاعدة تعمل بالطاقة النووية، وفقاً لتقرير مجلة “ناشيونال جيوغرافيك”.
لكن قلة قليلة فقط كانت تعرف الحقيقة، إذ إن معسكر سينشري كان أيضاً غطاءً لمشروع “آيس وورم” Iceworm، وهو شبكة معقدة من الأنفاق والسكك الحديد المصممة لإيواء ونقل نحو 600 صاروخ نووي، يمكن إطلاقها عبر القطب الشمالي باتجاه الاتحاد السوفياتي.
وقد ظهرت الآن معلومات جديدة عن هذه القاعدة الغامضة.
لماذا بني معسكر سينشري، ولماذا تُخلي عنه؟
بني معسكر سينشري عام 1959 وظل قيد التشغيل لمدة سبعة أعوام. عاش طاقمه في عزلة شديدة، على بعد 127 ميلاً من الأشخاص الآخرين، وفقاً لمجلة “ناشيونال جيوغرافيك”.
كان الوصول إلى القاعدة ممكناً فقط عبر الزلاجات، لكن العواصف الثلجية والرياح ودرجات الحرارة المتجمدة جعلت الرحلة شاقة. ومع ذلك يؤكد أوستن كوفاكس، المهندس البحثي في الجيش الذي عمل في القاعدة، أن الحياة هناك لم تكن محفوفة بالأخطار.
وقال لـ”ناشيونال جيوغرافيك”: “الناس كانوا يعتقدون أنها كانت خطرة، لكنها لم تكن كذلك. كانت مريحة. وفي بعض الأحيان كانت رتيبة جداً، جداً”.
ولم تكن القاعدة مجرد منشأة أبحاث، بل اشتملت أيضاً على عيادة ومسرح ومكتبة، وفقاً لتقارير مجلة “ناشيونال جيوغرافيك”.
جون فريش، وهو جندي زار معسكر سينشري، ذكر للمجلة أنه “كان لدينا كل ما يمكنك تخيله، الأضواء والتدفئة وغير ذلك من المستلزمات”. وأضاف “كان الجو بارداً. أعني، كما تعلم، عندما تمشي هناك، يمكنك أن تشعر وكأنك تدخل في ثلاجة”.
أما بالنسبة إلى مشروع “آيس وورم”، فلم يكن على علم به سوى قلة من الناس، وذلك حتى أعوام لاحقة. لم يُحقق في النشاط الأميركي في غرينلاند إلا عام 1968، عندما تحطمت طائرة نفاثة أميركية مسلحة بقنابل نووية، وفقاً لتقارير “ناشيونال جيوغرافيك”. وكشف التحقيق عن أن رئيس الوزراء الدنماركي قد وافق سراً على [إقامة] مشروع “آيس وورم”.
لكن على رغم نجاح الجيش الأميركي في إبقاء الأمر طي الكتمان، أخطأ المخططون في تقدير تحديات بناء قاعدة داخل نهر جليدي. فطبيعة الأنهار الجليدية غير المستقرة تعني أن السكك الحديد الفولاذية قد تنحني بسبب الحركة، والصواريخ قد تنقلب، وحتى المفاعل النووي نفسه كان معرضاً للخطر بسبب تغير طبقات الجليد تحته، بحسب تقارير “ناشيونال جيوغرافيك”.
في نهاية المطاف، أقر المسؤولون العسكريون بأن الفكرة قد لا تكون مثالية، وأُغلق المفاعل النووي عام 1963. وبحلول عام 1967، تُخلي عن القاعدة بالكامل.
بحلول عام 1969، كانت القاعدة في حالة دمار، وفقاً لـ”ناشيونال جيوغرافيك”، حيث غمرت الثلوج الممرات وتكسرت العوارض الخشبية.
اكتشافات حديثة حول معسكر سينشري
لا يزال الباحثون يحاولون كشف كل ما حدث في هذه القاعدة الغامضة في غرينلاند.
في أبريل (نيسان) 2024، كان العالم في ناسا تشاد غرين وفريقه يحلقون فوق غرينلاند عندما التقط رادارهم بصورة غير متوقعة الشبكة الواسعة من الأنفاق التي لا تزال مدفونة تحت الجليد.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وقال أليكس غاردنر، وهو عالم الغلاف الجليدي في مختبر الدفع النفاث التابع لوكالة ناسا، في بيان: “كنا نبحث عن قاع حوض الجليد وفجأة ظهر معسكر سينشري. لم نكن نعرف ما هو في البداية”.
وقد ساعدت بياناتهم في رسم خريطة للمباني والممرات الشاسعة لمعسكر سينشري بصورة فضلى من أي وقت مضى. والآن، وبعد استمرار تراكم الثلج والجليد، أصبحت القاعدة على عمق 100 قدم (30 متراً) تحت السطح.
وأشار غرين إلى أن “الهياكل الفردية في المدينة السرية أصبحت في البيانات الجديدة مرئية بطريقة لم يسبق لها مثيل من قبل”.
نقلاً عن : اندبندنت عربية